الخبر وما وراء الخبر

التضليل الفكري والثقافي عبر الإعلام

149

بقلم / هاشم أحمد شرف الدين

(1:3)

يتفقُ الجميعُ على أن التضليلَ الفكريَّ والثقافي يستخدمُ الإعلامَ وسيلةً له، وأن هذا التضليل حين يستهدف مجتمعات بعينها فإنه يهدف إلى سلبها روح انتمائها لثقافتها وفكرها، في عملية تمثل حرباً لا هوادة فيها تستهدف القيم والمعتقدات، وتمهد للحرب العسكرية.

وتبعاً لخصوصية المجتمع المستهدف يكون التضليل وتكون أساليبه وأهدافه ونقاط الضعف التي يعمل عليها، لذا فإن هذه الورقة تتناول أهم ملامح التضليل الفكري والثقافي التي تستهدف العرب والمسلمين عامة واليمنيين خاصة عبر الإعلام، دون التطرق إلى التضليل السياسي والإفساد الأخلاقي الذي ستتناولهما أوراقٌ أخرى في هذه الندوة.

أصبح من المسلم به أن للإعلام دورا بارزا في التأثير على حياة الكبار والصغار، وفي إدراكاتهم ودوافعهم واتجاهاتهم ومستوياتهم واهتماماتهم ووجهات نظرهم، وقيمهم وأنماط سلوكهم، خاصة بعد أن أحدثت ثورة الاتصال ـ بما حملته من تكنولوجيا ـ طفرة هائلة في ظاهرة الإعلام الدولي أَوْ عالمية الاتصال عامة، و انتشار القنوات الفضائية خاصة، التي أصبح التعرض لها ممكنا من خلال الكومبيوتر والهواتف المحمولة، وعبر شبكة الإنترنت التي مهدت أيضاً لظهور وسائل التفاعل الاجتماعي (سوشيل ميديا) والتي بات الإعلام عبرها غير محدود ولا منضبط ولا يمكن تقييده، وأصبح معها الأفراد يتعرضون لعدد هائل من الرسائل الإعلامية بشكل مكثف، وصار تعرضهم هذا يهيئهم لأن يكونوا عرضة لحدوث تأثيرات متعددة وكبيرة على القيم السائدة لديهم.

وأدت الثورة العلمية والتكنولوجية إلى ظهور ما يعرف بمجتمع المعلومات المواكب لطفرة تكنولوجيا الاتصال، والذي رتب ظهور إشكاليات جديدة وتحديات غير مسبوقة تتعلق بالحفاظ على الهوية الوطنية للمجتمعات التي تتلقى منتوجات عملية الاتصال.

لقد بات أمراً شائعاً ومعروفاً لدى الجميع فضلاً عن الإعلاميين أن وظائف الإعلام ثلاث وظائف هي (الإخبار ـ التثقيف ـ الترفيه)، لكن وظيفة التثقيف ـ في عصر العولمة ـ لم تعد بريئة إن صح التعبير، بل أخذت تشكل أداة من أدوات الحروب الناعمة ضمن الصراع بين الدول والحكومات والجماعات، ويُسعى عبرها لتشكيل وعي المجتمعات وتغيير القيم والعادات والآراء والاتجاهات والسلوكيات، وهو ما يمكننا معه أن نستبدلَ مصطلحَ التثقيف بمصطلح التضليل.

ونظرا لما للإعلام من تأثير على الأفراد والمجتمعات فقد كان اليهود أول من اتجه إلى التفوق في مجال تكنولوجيا الاتصال وإلى أن يكونوا أكثر الناس توظيفاً لوسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة، ليتمكنوا من غرس ثقافة العداء لدى اليهود في مواجهة العرب والمسلمين، وليعملوا على صناعة الرأي العام العالمي داخل أوربا وأمريكا وغيرها بالشكل الذي يخدمهم ويهيئ لهيمنتهم على العالم ويبرر جرائمهم بحق المسلمين، ثم أيضاً اختراقنا كعرب ومسلمين إعلامياً وثقافياً لدرجة لا يعد فيها مسمى “العدو” متواجداً في ذهنيتنا، فيقول إعلامنا “الصراع العربي الإسرائيلي” ولا يقول العدو، ويقول “حكومة نتنياهو” ولا يقول حكومة العدو الإسرائيلي، مع أن استخدام كلمة “عدو” ضد إسرائيل مؤثر جداً، لكونه مما يرسخ مشاعر العداء تجاه اليهود.

وبات الكثير من الناس ـ بفعل التضليل الثقافي والفكري عبر الإعلام ـ غافلين عن كون اليهود يشنون حرباً دائمةً علينا لم تتوقف لحظة منذ بدء غزوهم واحتلالهم للأراضي العربية، ظانين أن الحرب عسكرية فقط، غير منتبهين لكون اليهود يخوضون في مواجهة الأمة حربا ثقافية إعلامية مستمرة على الرغم من امتلاكهم أشد الأسلحة فتكا، وأصبح الكثير لا يفهمون ماهية الصراع، ويفهمون أن الجهاد مقصور على حمل السلاح فقط، وبالتالي يظنون أنه لم يعد عليهم فعل شيء من الإعداد للعدو طالما وهم بعيدون عنه جغرافياً ولا باباً مشرعاً أمامهم للتوجه إلى مقاتلته عبره.

ونجح العدو في تضليلنا عبر الإعلام بتكريس صورة ذهنية لدى الكثير من أبناء الأمة عن كونه شجاعا قويا يمتلك الجيش الذي لا يقهر، وأن بوسعه الانتصار في أي حرب مع الجيوش العربية والإسلامية، حتى بات البعض مقتنعاً بعدم جدوائية الدخول في حرب مع العدو لأن النتيجة محسومة سلفا وهي الهزيمة.

ومع أن حركات المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين أسقطت هذه الدعاية إلا أن إعلامنا لم يعمل على الترويج لهذا السقوط كما ينبغي، بل يكاد يكون قد تجاهلها، كما سبق له أن تجاهل حقيقة أن القرآن الكريم قد بين لنا أن العدو الذي يواجه الأمة يخاف القتال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ).

كما اُستخدم الإعلام من قبل العدو كإبر اختبار يقدم من خلاله بعض التناولات لقضايا حساسة وخطيرة ليقيس بعدها ردود أفعالنا حيالها، فيبني على النتائج تحركات عملية في الميدان، فإن وجد أنها كانت وفق تخطيطه التآمري فسيقدم على القتال.

على سبيل المثال أخذ يتناول أعظم مقدّسات الأمة كالقرآن الكريم والرسول العظيم صلى الله وبارك عليه وعلى آله، وحين كان رد الفعل دون المستوى المطلوب شن حروبا جديدة على لبنان وفلسطين، واستهدف المسجد الأقصى المبارك، وزاد قضمه للأراضي العربية، وأنشأ العديد من المستعمرات التي يخطئ إعلامنا بتمرير مصطلح العدو لها وهو “المستوطنات”، وأقام جدار الفصل العنصري، وغيرها من الجرائم.

لقد بلغ العدو بتضليل الأمة فكرياً وثقافياً مبلغا كبيرا جعلهم يغفلون عن كون الجهاد يشمل الكلمة، ويشمل القلم، ويشمل أشياء كثيرة أخرى، وللأسف فإن وسائل إعلامنا مقصرة جدا في هذا الجانب، لأن إعلامنا وقع ضحية التضليل الإعلامي لليهود، فلم يعدّ نفسه وسيلة من وسائل الصراع مع العدو ونوعا من الجهاد في سبيل الله.

وكما قصّر الإعلام فعلت مُؤسّسات التنشئة الأخرى كالمساجد والمدارس والجامعات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى تجاوب الحكومات العربية مع مطالب يهودية بشطب آيات الجهاد من جميع المقررات الدراسية…يتبع