الخبر وما وراء الخبر

كاد المعلم أن يكون رسولا

182

بقلم / د.أحمد حسين الديلمي

تذكر عندما كنا نذهب إلى المدرسة الشمسية لتلقي علوم الدين واللغة على أيدي مشايخ العلم الذين كانوا يقومون بالتدريس لساعات طويلة مجاناً بدون أي مقابل والعجيب أنهم كانوا لا يتأخرون وحريصين على الوقت أكثر من الطالب، أما الأعجب فأنهم وبرغم قيامهم بالتدريس دون مقابل، إلا أنهم كانوا لا يمنون على طلابهم إذ لم يكن لديهم مرتب أو بدل سكن أو بدل أثاث بل كانوا يقومون بذلك إيمانا منهم بأن ذلك واجب ديني ووطني وإنساني، يتخذون من رسولنا الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله) قدوة لهم، فهو القائل (رحم الله من تعلم العلم وعلمه) من هنا جاء التبجيل والتقدير لهم على لسان شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي شبههم بالأنبياء حيث قال :

قم للمعلم وفه التبجيلا … كاد المعلم ان يكون رسولا

حقاً إنهم كالأنبياء فإلى جانب حملهم لرسالة العلم فهم القدوة الحسنة للأجيال في الأمانة والإخلاص والوطنية وكان أداؤهم لرسالة التدريس على أكمل وجه ودون أي اعتبارات أخرى ومن أسمى درجات حب الوطن والذي ينعكس عملياً على طلابهم وبالتالي يتم الحصول على جيل صادق وأمين محب لوطنه وهذا هو الهدف السامي من رسالة التدريس والواجب الديني والوطني للمعلم، وهذا التبجيل والتقدير إلى درجة الأنبياء لا يمكن أن يحصل عليه المعلم إلا إذا كان أهلا له، وقد اعتقدنا أن المعلم وخاصة الأستاذ الجامعي عندما يتوفر له المرتب المجزي وبدل السكن وغيره، أن يكون عطاؤه أكثر ووطنيته أعزم ولكن للأسف الشديد البعض منهم اعتبر ذلك تدليلاً وكثر التدليل كما هو معروف يولد العصيان.

ومن هذا المنطلق كان لنا وقفة دهشة واستغراب من بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الذين يقومون بالإضراب بسبب عدم تسليم مرتباتهم، فتسائلنا هل هذا تصرف من أساتذة على درجة عالية من الوعي والثقافة، قدوة للأجيال في حب الوطن والتضحية من أجله، وهل هدفهم الأول هو الحصول على الراتب، ويربطونه بمصير وطن وأمة وأجيال، هذا الوطن الذي من خيره تعلموا،  ومن ثروته وصلوا إلى هذه الدرجة، وهو الذي جعلهم متميزين في الراتب وبدل الأثاث والسكن وغيره مقارنة بباقي موظفي الدولة، وللأسف عندما احتاجهم الوطن في محنته انقلبوا على أعقابهم، ناكرين كل فضل لهذا الوطن، مع أن نصف راتب الأستاذ منهم يعادل ثلاثة أضعاف مرتب كامل لموظف حكومي،  هذا الموظف البسيط والذي تقاضى نصف راتب صامد ومتحمل،  لا يهدد بإضراب إيمانا منه بأن هذا أقل واجب يقوم به تجاه الوطن الذي يتعرض لعدوان بربري وحصار بري وبحري وجوي فضلاً عن حصار اقتصادي، وهؤلاء الذين هم الصفوة والقدوة وصانعو الأجيال يتنكرون لوطنهم، فبالله عليكم يا أساتذتنا الأجلاء، ما هو موقفكم من طلابكم،  بل ما هو موقفكم من أبنائكم الذين هم في المرحلة الابتدائية يهتفون صباح كل يوم في طابور الصباح (الله , الوطن , الثورة) ويرددون (رددي أيتها الدنيا نشيدي ..) بالله عليكم هل هذه هي رسالة الأنبياء التي تحملونها.

إذا لم تعودوا إلى صوابكم وتتعلمون من أولادكم حب الوطن، فأنا أرى أن يتم إرسالكم إلى جبهات القتال، لا لتحاربوا فهذا مستحيل، لأنه إن لم تكن لديكم القدرة على تحمل تأخر الراتب فكيف نتوقع منكم حمل السلاح!! وإنما لكي تشاهدوا بأعينكم إخوانكم المجاهدين المدافعين عن الوطن والكرامة والعرض وهم يواجهون العدو متحملين الجوع والعطش والبرد، عليكم أن تشاهدوا هؤلاء العمالقة عسى أن تتعلموا منهم كيف يكون حب الوطن والتضحية من أجله.