الخبر وما وراء الخبر

بين التشكيك بشرعية ترامب والتمسك بشرعية هادي!!

134

بقلم / إبراهيم السراجي

إذا كان الدفاع عن الشرعيات تستحق تحريك الجيوش وتشكيل التحالفات الدولية وخوض حروب دموية تدميرية، فإن هذا يجب أن يحدث الآن لمواجهة الحالة غير المسبوقة التي تعكس الشيخوخة التي وصلت لها الولايات المتحدة، والمتمثلة بالدفاع عن شرعية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي يعاني منذ انتخابه من أزمة شرعية معلنة ومطعون فيها، وليس للدفاع عن شرعية عبدربه منصور هادي الذي لا يعلم الكثير خارج اليمن أنه لا شرعية له حتى يكون هناك حالة للدفاع عنها.

أن يشعر ترامب بوجود مساعٍ لانتزاع شرعيته الرئاسية ويعبر البيت الأبيض عن ذلك بوضوح وبشكل معلن، فإننا أمام حالة استثنائية تعيشيها الولايات المتحدة لم يسبق لرئيس أمريكي أن واجهها، غير أن هذا الأمر يحتاج تناولاً مستقلاً يبحث في الواقع الأمريكي الجديد لمرحلة ما بعد “العظمة” أو مرحلة “الانحدار” لكنني هنا بصدد وضع مقارنة بسيطة بين شرعية ترامب وما دار حولها من تشكيك، وبين “لا شرعية” هادي التي تسببت بتدمير اليمن وقتل وإعاقة عشرات الآلاف من اليمنيين.

معظم القراء في اليمن لا يحتاجون للتفاصيل التي سأوردها هنا لمعرفتهم المسبقة بها، لكنها ضرورية للقراء والمتابعين خارج اليمن، ممن يظهر من خلال التقارير الصحفية أن هناك قصور في فهم حالة الفار عبدربه منصور هادي ووضعه القانوني والدستوري.

الحملة الإعلامية التي رافقت العدوان على اليمن كرست وجود شرعية دستورية وسياسية لمنصبه كرئيس، وبالتالي قسمت المواقف إلى قسمين، الأول يرى أن الحفاظ على شرعية الفار هادي تستحق شن الحرب المدمرة على اليمن للدفاع، والثاني يرى أن الجرائم التي ارتكبها العدوان في اليمن قد أسقطت تلك الشرعية، لكن أحداً لم يدرك أنه ليس لهادي أي شرعية من الأساس وذلك بسبب الآلة الإعلامية السعودية والخليجية والأمريكية التي ظللت العالم لتبرير الحرب.

وبالعودة إلى ما قبل العدوان شهدت اليمن في العام 2011 تسوية سياسية لم تشترك فيها جميع الأطراف اليمنية وأهمها (أنصارالله والحراك الجنوبي) تلك التسوية عرفت بـ”المبادرة الخليجية” والتي قضت بتولي هادي للرئاسة بانتخابات جرت في فبراير 2012 ولم يشهد لها العالم مثيلاً لأنها كانت الأولى التي تتم بمرشح واحد كان صوته لوحده كافياً للفوز بها، ولذلك من الناحية الدستورية بدون شرعية من الأساس ليتم الدفاع عنها بهذا الحرب الكونية على اليمن.

وإذا سلمنا بتلك الشرعية المزيفة فإنها وفقا للاتفاق “المبادرة الخليجية” قد انتهت لأنها حددت مدتها بعامين وتم تمديدها لعاد آخر انتهى أيضاً، كما ان الفار هادي بعد الفترة المحددة والتمديد قدم استقالته من منصبه.

وإذا تغاضينا عن هذا كله وقبلنا بتلك الشرعية فإن الفار هادي قد انقلب عليها وطعن في الشرعية التي يتمسك بها عندما خالف المبادرة الخليجية التي يعدها والمجتمع الدولي مرجعية للحل في اليمن، وقام بإقالة حكومة خالد بحاح، فيما بنود المبادرة لا تخوله بذلك.

بالعودة للمقارنة التي تضعنا في واقع هزلي وتضع الولايات المتحدة في واقع يثير السخرية وينال من موقعها المتحكم بالعالم، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبل أدائه اليمين الدستورية ويتسلم السلطة بأسبوع، وجد نفسه في مواجهة مع عضو بالكونجرس الأمريكي عن الحزب الديموقراطي يرى أنه فاقد للشرعية.

وبحسب وكالة رويترز قال جون لويس العضو بالكونجرس عن ولاية جورجيا المنتمي للحزب الديمقراطي، إنه لا يرى ترامب “رئيسا شرعيا”. لأنه يعتقد بأن عمليات التسلل الإلكتروني التي نفذها الروس ساعدت ترامب في الفوز بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر تشرين الثاني.

هي حالة فريدة وغير مسبوقة بالفعل، فترامب مشكوك في صحته لأنه إذا افترضنا أن الروس هم من اخترقوا بريد هيلاري كلينتون وسربوا رسائل منه، فإن تلك الرئاسل ومضمونها حقيقي في نهاية المطاف، إلا أن مقارنتنا تضعنا أمام عالم بما فيه الولايات المتحدة يؤيد ويقود حربا مدمرة بدعوى الدفاع عن “شرعية” هادي رغم كل ما ذكرناه، ولكن لماذا لا تكون مساعدة السعودية وعشر دول ودعم أمريكي وبريطاني مدعاة للطعن في شرعية هادي؟ هذه التساؤلات نضعها بعيداً عن إيماننا بأهداف الحرب الحقيقية التي تمثل فيها “الشرعية” مجرد سلم لحرب جرى الإعداد لها منذ سنوات، كما تكشف وثائق ويكيليكس في البرقيات الصادرة عن السفارة الأمريكية بصنعاء قبل العدوان بخمس سنوات.

تقول التقارير الأممية الأكثر انحيازاً للسعودية أن طيران العدوان مسؤول عن 60% من إجمالي الضحايا في اليمن البالغ عددهم أكثر من 10 آلاف مدني بحسب التقارير ذاتها، وتؤكد أيضا أن العدوان مسؤول عن تدمير المستشفيات والمدارس والطرقات في اليمن، كل هذا بالانحياز الذي فيه من قبل الأمم المتحدة، إلا أن العالم لا يريد اسقاط شرعية هادي ويريد فرضها على اليمنيين، فيما يشعر الرئيس الأمريكي ترامب بتنامي الخطر ويصرح (اليوم الأحد) رينسي بريبوس كبير موظفي البيت الأبيض مهاجما الإعلام الذي قال أنه يحاول “نزع الشرعية عن رئاسة دونالد ترامب وتوعد بمحاربة مثل هذا النوع من التغطية الإعلامية بحزم” مضيفا  أن “الإعلام منذ اليوم الأول يتحدث عن نزع شرعية الانتخابات”  والخبر نشرته رويترز بعنوان “البيت الأبيض: “الإعلام يحاول نزع الشرعية عن ترامب والرئيس “لن يقبل” ذلك”.

في الوقت الذي يبرز فيه الحديث والتشكيك في شرعية ترامب في حالة غريبة في الولايات المتحدة، إلا أنه وعلى مدى عامين من الحرب على اليمن، ظهرت الكثير من الدعوات الدولية والأممية للحل السياسي في اليمن لكن حديثا او تشكيكاً بشرعية هادي لم تحدث، فهل على ترامب أن يخوض انتخابات رئاسية بمرشح وحيد ويستدعي الجيش الروسي بدلا من التسريب الالكتروني لتثبيت شرعيته أسوة بالفار هادي؟

قبل أيام قليلة جدا نشرت صحيفة  “لوجورنال دو ديمونش” الفرنسية تقريراً عن اليمن قالت فيه أن هادي “فقد مصداقية انتخابه بمجرد السماح للجيش السعودي بإعلان التدخل العسكري بدعم من دول وممالك الخليج”، وقبل ذلك بأيام ولدى عودته من صنعاء قال عضو البرلمان البريطاني أندرو ميتشل (بحسب صحيفة ديلي تيليجراف ) منتقدا حكومة بلاده “نحن ندعم الرئيس هادي، الذي لا يحظى عمليا بأي دعم في اليمن كما أنه هو الرئيس الوحيد الذي رأيته يقوم بزيارة رسمية لبلاده”.

أما صحيفة   الألمانية فتناولت حقيقة الحرب على اليمن في تقرير قالت فيه الغاية السعودية من الحرب على اليمن تدور “حول تأثيرهم على اليمن أو بالأحرى استعادة نفوذهم في اليمن ولذلك توجب على “الرئيس” هادي أن يتحول إلى دمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى يحركها السعوديين في منفاه في الرياض”.

بالنسبة للحكومات الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية فهي لا تريد التوقف عند الصورة التي يرسمها الإعلام هناك لحقيقة الحرب على اليمن وشرعية هادي، لأن المطلوب استغلال هذه الأسطوانة لتحقيق أهداف أخرى ترتبط بالمصالح الأمريكية والمخاوف الإسرائيلية من اليمن بدون نظام حكم يتبع السعودية.

لا أدري لماذا على ترامب أن يكون متوتراً وخائفاً على شرعيته، فيما يقف الفار هادي على ما تبقى من اليمن لم يطاله التدمير، مطمئناً لشرعيته التي لا وجود لها في اليمن أو عند اليمنيين؟!!.