الخبر وما وراء الخبر

لا سلمان و لا “إسرائيل”

140

بقلم / أحمد الحباسي

هذا هو الشعار المختزل المعبر الذي خرج من حناجر الشعب المصري بمجرد سماع حكم المحكمة العليا المعزز بالوثائق والادلة التي تثبت مصرية جزيرتي تيران وصنافير والتي تثبت أن ما حصل من تنازل الحكومة المصرية عليها للنظام السعودي ما هو إلا مجرد خطأ تاريخي ارتكبته بعض القوى داخل النظام من باب التذلل المخزي لنظام المافيا السعودي مقابل بعض الاموال النفطية وبعض الوعود الزائفة التي تعود المصريون على سماعها من السعودية طيلة سنوات حكم مبارك وحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ولعلها المرة الأولى التي يقرن فيها اسم حاكم عربي باسم الكيان الصهيوني من طرف جماهير عربية وبالذات من الجماهير المصرية التي نعلم جميعا مدي تمسكها بعرضها المتمثل في أرضها وبتماس مشاعرها بالقضية الفلسطينية، بل لنقل بمنتهى الصراحة أنه كان مفاجئا لبقية الأمة العربية ان تسمع من حناجر الشعب المصري مثل هذا الشعار الذي يختزل حالة من العداء والكراهية لأكبر كيانين عدوين للأمة العربية، النظام السعودي والكيان الصهيوني، فهل يمكن الحديث اليوم عن حالة من تحول المشاعر العربية.

تعيش مصر وضعا اقتصاديا صعبا خاصة بعد انحسار المعونة الاميركية المعتادة ورفض بقية الدول الخليجية الوقوف ماليا الى جانب النظام الجديد لأسباب عدة يطول شرحها، بالمقابل عبرت المملكة في البداية عن استعدادها لإعانة الرئيس الجديد على الخروج من محنته الاقتصادية مقابل اعلان عدائه للنظام القطري المساند للإخوان المسلمين، هذا الموقف المشبوه كان طوق النجاة بالنسبة للنظام وبالتالي كان عليه في نطاق سياسة الاستعطاف السيئة أن يرد التحية السعودية بأحسن منها ولم يجد إلا تقديم جزء عزيز من التراب المصري هدية لملك المافيا السعودي حتى يقبل بمزيد فتح خزائنه النفطية المالية لسد العجز المالي المصري ولم لا إخراج النظام من ورطته الاقتصادية المتصاعدة.

بطبيعة الحال، كان في مصر من الإعلام الفاسد من حاول تمرير هذه الصفقة المسيئة للتاريخ النضالي للشعب المصري لكن وبالمقابل كانت هناك حالة من الغليان الشعبي الغير مسبوقة تؤكد مرة أخرى أن هذا الشعب من طينة خاصة وأنه يرفض لقمة الذل ولقمة انتهاك العرض، هذا الامر أسال كثيرا من الحبر ووضع حكومة الرئيس السيسي في ورطة أخلاقية قبل الورطة السياسية بحيث لم يكن ممكنا لنظام متعثر وعليه كثير من علامات الاستفهام أن يجعل شعبه يبتلع هذا القرص المخدر دون أن تتضرر سمعته المتهرئة وبالتالي فقد جاء حكم القضاء بمثابة القشة التي أنقذت النظام المصري في الدقيقة التسعين كما يقال بلغة الكرة.

أن يقبل الشعب المصري المحاصر اقتصاديا والذي يحاول الخروج من عنق الزجاجة بعد أن طالت الازمة الدموية مع الاخوان رفض العون السعودي المشروط في مثل هذه الايام العصيبة بالذات فهذا مؤشر على قوة الإرادة الشعبية المصرية وأن يصف عملية التساهل الرسمية عن الارض لفائدة نظام المافيا السعودي بكونها عملية تمس بالشرف المصري فهذا مؤشر غير مسبوق في العلاقات بين البلدين وان تصل مشاعر الكراهية لهذا النظام الخائن الدموي حد مقارنته بالكيان الصهيوني أو بنفس المشاعر الحاقدة على الكيان الصهيوني فهذا معطى سياسي وشعبي غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الأنظمة العربية.

طبعا كتب البعض عن العلاقة الوطيدة بين الكيان الصهيوني ونظام التميز العنصري السعودي وكتب الكثير عن حالة من تشابك المصالح بين الملك سلمان ورئيس الحكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو كان من “ثمرتها” انضمام المملكة لمجموعة “أصدقاء سوريا” لإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد وخروج الطائرات السعودية لقتل الشعب اليمني وتدمير اليمن لكن من الواضح أن النظام قد بدأ اليوم يدفع فاتورة الدم ويجني حالة غير مسبوقة من الحقد والكراهية الشعبية العربية في كل الاقطار العربية ولم يعد مفاجئا ان نشاهد إحراق الراية السعودية والصهيونية معا في كل التظاهرات الشعبية مستقبلا.

لقد كان الأمل دائما معقودا على ضمير الشعوب العربية وهذه الشعوب وعلى حد ذاكرتي لم تخذل بلدانها في كل المناسبات والمواقع، لكن من الواضح اليوم أن الشعب المصري قد سبق الجميع في التصويب على العدو السعودي الصهيوني وكان الوحيد الذي وصف هذا النظام الخائن بنفس الوصف الصهيوني، هذا الأمر يجعل بقية الشعوب تطالب نفسها بمواقف أكثر صرامة مع هذا النظام بالمطالبة بقطع العلاقات السياسية وطرد سفراء العار والمؤامرات السعوديين وحرق العلم السعودي مع “شقيقه” الصهيوني كتعبير واضح و صريح انه لا مكان اليوم لهذا النظام في قلب الأمة العربية وأن هذا الملك وحاشيته الفاسدة لا يستحقون الا اللعنات من ملايين عائلات الشهداء الذين اغتالهم الارهاب السعودي في كل الدول العربية.

هنا يجب التنبيه بوضوح أن ما خسره النظام من أموال أفلست خزائنه لتمويل حملاته الدموية في الدول العربية يبقى هينا أمام الخسارة المعنوية الكبرى التي يلاقيها النظام سواء بسبب فشله في سوريا واليمن أو بسبب نمو وتصاعد حالة الكراهية الغير مسبوقة لهذا النظام في كل البلدان العربية، وحين نجمع فواتير هذه الخسارة مع فواتير التعويضات الخيالية التي سيضطر النظام الفاشل لدفعها لعائلات ضحايا ارهابه يوم 11 سبتمبر 2001 يمكن التأكيد ساعتها على أن هذا النظام قد شق طريقه مسرعا نحو الانهيار.

* أحمد الحباسي ـ بانوراما الشرق الأوسط