ما فوق حسابات الأميال والأمتار فى قضيتى صنافير وتيران ..!
بقلم / أحمد عزالدين
لا أستطيع أن أدعى القدرة على الإبحار في قضايا تخطيط الحدود الدولية ، أو على الغوص في فقه القانون الدولي، بل إنني أحد الذين يرون أنه ” عندما توجد أسلحة قوية ، توجد قوانين صالحة ، وعندما توجد قوانين صالحة ، فلابد أن هناك أسلحة قوية ” ، وذلك في الحقيقة هو حال القانون الدولي، في صيغه التطبيقية الراهنة ، على كافة القضايا العادلة التي يمسك غياب العدل بخناقها ، على غرار القضية الفلسطينية ، ولكنني ربما أمتلك قدرة على التحليق فى قضايا التاريخ ، وربما لدى معرفة لا تجحد بالقضايا ذات الطابع الثقافي والاستراتيجي والأمني ، وفى هذا الإطار ، سأحاول ترتيب حدود رؤيتي فيما وصلت اليه قضية جزيرتى صنافير وتيران :
أولاً : مع افتراض صحة نسب الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية ، وأنهما كانتا وديعتين لدى مصر ، تقتضى العدالة القانونية ، أن يردّا اليها ، في إطار مباحثات مطولة لرسم الحدود البحرية معها ، فلا أعتقد أن الحقوق القانونية المذكورة بفرض سلامتها توثيقاً و تاريخياً تتناقض مع حقوق غائبة أخرى ، هي ما يمكن أن نطلق عليه ( حقوق الدم ) ، وهى حقوق لا يبدو أنها كانت حاضرة في عقل المفاوض المصري، بل هى أقرب على هذا النحو الذى انتهت اليه الأمور ، أن تكون حقوقاً مستلبة ، ولست أريد أن أستفيض فى وصف أمواج الدم المصرى المتعاقبة عبر فصول التاريخ ، التى غسلت صخور ورمال ومسارب هذه المنطقة من البحر الأحمر ، بل حوضه كله من أوله إلى آخره ، و الذى كان ملعباً مصرياً خالصاً ، ولكن حسبى أن أشير إلى أنه فى معركة عدوان 1967 وحدها ، كان على متن جزيرة ( تيران) تحديداً ، قوة عسكرية قوامها ثلاثمائة وخمسون جندياً مصرياً ، واجهوا بأسلحتهم الصغيرة ، قوة إسرائيلية كبيرة بقيادة الجنرال اسحاق رابين نفسه ، وقد انتهت المواجهة باستشهاد القوة المصرية جميعها ، بل وتم دفن جثامينها الطاهرة بين رمال وصخور هذه الجزيرة ، الذى ظلت فى حوزة اسرائيل حتى ما بعد انتهاء حرب أكتوبر المجيدة ، وما تلاها من مفاوضات انتهت إلى تسليمها لمصر ، بعد إخضاعها لشروط المنطقة ( جـ ) فى سيناء .
وإننى لأتساءل بقلب مجروح ، ألم ينبض فى وجدان هؤلاء المفاوضين أيا كانوا، أو الذين وقّعوا بالموافقة على ما انتهوا إليه ، أيا كان ، أن حقوق هذا الدم المصرى بذاته، لهؤلاء الرجال الذين ذبحوا من الوريد إلى الوريد ، وأصبحوا جزءاً من بنية ( تيران ) ، تتطلب أن يكون لهم نصب تذكارى ثابت فى حدود كيلومتر مربع واحد ، خاضع لسيادتهم وسيادة أهلهم ، من مساحة ثمانين كيلو متراً مربعاً ، خضّبوا ربوعها فداء بدمهم الزكى ؟! .
هكذا فكر المصريون – مثلا – وهم يسحبون قوتهم من اليمن، التى لم يتعاملوا معها دهراً على أنها أرضهم الوطنية، فلم يغادروا قبل أن يتم الاتفاق على إقامة نصب تذكارى للجندى المصرى المحارب فى أهم ساحات ( صنعاء ) ، وهو مازال يتنفس تحت قنابل الطائرات السعودية ، بل هكذا فكّر العثمانيون الجدد فى اليمن أيضاَ ، حينما أهداهم ( هادى ) جداريه للجندى العثمانى بعد مئات السنين، رغم أنهم لم يذهبوا إلى هناك محررين ، كما ذهب الجيش المصرى العظيم، وإنما مستعمرين ومحتلين .
إننى أضرب مجرد مثل فى الحقيقة، لأقول بوضوح أن منهج التفكير التفاوضي نفسه ، لم يتسلّح بالقدر المطلوب تاريخياً واستراتيجيا، وهى مسائل لا تقاس بالأوراق ولا بالأطوال ، ولا بنقاط الارتكاز على الخرائط القديمة أو المستحدثة.
ثانياً : بعيدا عن المسائل الفنية الخاصة بتقسيم الحدود ، والتى لا أملك صلاحية الحكم عليها ، فإن الوثائق نفسها التى تم الاستناد إليها للتوجه إلى إعمال المسائل والأدوات الفنية إجرائياً ، قد تم قراءتها على نحو لا يتجانس فى الحد الأدنى مع ما تصرح به كلماتها ومفرادتها، أخص بالذكر الوثيقتين الأساسيتين فى الدفاع السعودى عن تبعية الجزيرتين للمملكة كما تحدث وزير خارجية السعودية مؤخراً ، وهما خطاب الملك سعود إلى الملك فاروق ، وخطاب د. عصمّت عبد المجيد ، الذى طالبه به وزير الخارجية السعودى السابق سعود الفيصل فى عام 1988 ، واللافت بغض النظر حتى عن أن خطاب الملك سعود فى عام 1948 قد تلى – ولم يسبق – تحريك مصر لوحدة مدفعية إلى أحدى الجزيرتين ، لكن النص لم يرد فيه اسم جزيزة ( تيران) من قريب أو بعيد ، وإنما اسم جزيرة ( صنافير ) القريبة منها، والتى يفصلها عنها ممر بحرىّ بطول عدة كيلو مترات لا يصلح للملاحة البحرية ، فضلاً عن أنه ليس فى الخطاب نصاً ولا مضموناً ، ما يعطى حجة قانونية أو سياسية عن تعبير ( الوديعة ) الذى استخدم كأنه منطوق الخطاب أو بعضاً من مفرداته ، فقد كان فى جوهره خطاب تأييد ومباركة لتدخل الجيش المصرى أكثر من كونه تعبيراً عن شئ آخر ، كما أن خطاب د . عصمت عبد المجيد الذى يمثل الوثيقة الثانية ، والذى تسلمه سفير مصر فى المملكة آن ذلك السفير سيد قاسم المصرى ، وقام بتسليمه يداً بيد لوزير الخارجية السعودى ، بناء على طلبه ، لم يتضمن بدوره أسم جزيرة ( تيران ) ، وإنما إسم جزيرة ( صنافير ) ، بل إن طلب وزير خارجية السعودية سعود الفيصل من وزير خارجية مصر عصمت عبد المجيد اقتصر على خطاب مصرى ، يتضمن اعترافاً مصريا بتبعية جزيرة ( صنافير ) – وليس ( تيران ) – للملكة ، والحقيقة أن كافة المطالبات السعودية من مصر منذ عام 1988 بعد عودة العلاقات التى قطعت فى أعقاب اتفاقية كامب ديفيد ، كانت قاعدتها الثابتة هى السعى للحصول على اعتراف مصر بتبعية جزيرة ( صنافير) فقط للملكة ، ولم تتعداها الإ مؤخراً جداً ، وخلال المفاوضات الأخيرة إلى جزيرة ( تيران ) ، حيث يبدو لى أن الخلط المقصود بين الجزيرتين المنفصلتين تماماً ، هو الذى انتهى إلى اعتبارهما جزيرة واحدة ، واعتبار كلمة ( صنافير) المحددة طبيعياً وجغرافياً بمساحة 30 كم ، إنما تعنى إضافة جزيرة ( تيران ) الأكبر بمساحة 80 كم كأنها جزء منها ، وهذا تفسير فى كل الأحوال ليس صحيحاً ، لا فى سياقه التاريخى ولا فى وصفه الجغرافى، حتى إذا اعتبرنا الوثيقتين السابقتين دالتين على تبعية ( صنافير) وحدها للمملكة العربية السعودية.
ويبدو لى – أيضا – أن هذا الخلط المقصود بين الجزيرتين المنفصلتين تماماً، هو الذى شكّل القاعدة التى على أساسها جرت الأعمال الفنية الخاصة بتقسيم الحدود البحرية ، ولذلك كان من الطبيعى أن تنتهى إلى النتيجة التى انتهت إليها، ليس بسبب خطأ فيها ، وإنما بسبب ما استندت اليه ، خاصة إذا ما استند القياس البحرى، بناء على ذلك إلى أبعد الجزر السعودية ، بعيداً عن الشاطئ السعودى، وإلى أقرب الجذر المصرية على الجانب الآخر .
ثالثاً : لا يستطيع من هو مثلى ، عن ألا يفتّش فى الوقت أقصد التوقيت ، على الجانب الآخر ، خاصة وأن محاولة سعودية تمت فى قمة ( فاس ) دون أن تكتمل أجرى خلالها سعود الفيصل محاولة لأن يعرض قضية ملكية السعودية لجزيرة ( صنافير ) لكى يحصل من القمة على اعتراف بتبعيتها للسعودية ، ولكنه تراجع بنفسه ، بعد أن تمت مواجهته – وفق معلومات مؤكدة – بأن حصوله على هذا الاعتراف من القمة العربية ، سيعنى وضع المملكة طرفاً مباشراً ليس فقط فى الاعتراف بشرعية كامب ديفيد التى قاطعت مصر بسببها عشر سنوات بكل ما تتضمنه من شروط ، وإنما فى الاعتراف بإسرائيل ذاتها ، غير أن الامر بدا مختلفاً جداً ، بل متناقضاً هذه المرة ، فقد بادر وزير الخارجية السعودى ، إلى إرسال إقراره به ، إلى الطرف الآخر غير البعيد بعد سويعات .
ما الذى تغير إذن – على صعيد العلاقات السعودية الإسرائيلية ، وأى زاد جديد قد دخل اليها ، إلى حدّ أن ما اعتبره وزير الخارجية السابق ، سلكاً مكهرباً ، لا ينبغى ملامسته ، اعتبره وزير الخارجية اللاحق ، التحاقاً طبيعياً بحالة طبيعية كانت مغلقة على أطرافها ، لا أريد أن أفتّش فى النوايا ، لكننا بصدد متغيّر هائل فى العلاقات السعودية الإسرائيلية ، بل وفى العلاقات الخليجية الإسرائيلية عموماً ، ذهب بها إلى حدود أن ثلاثة أرباع الأسلحة التى تم تمويلها خليجياً ، ووضعت فى أيدى فصائل الإرهاب فى سوريا ، إما إسرائيلية الصنع ، أو من مصادر إسرائيلية ، بل وصلت إلى حد تواجد الجنرالات الإسرائيليين فى غرف علميات مشتركة ، وفى أعمال عسكرية بدورها مشتركة ، إن هذا بالضبط ما يثير أسئلة أكثر مما يطرح من إجابات :
هل لدينا ضمانات موثّقة فى صلب الاتفاقية، تؤكد أنه ليس من حق الطرف الآخر أن يؤجر هاتين الجزيرتين، أو تتقاسمها أو يبنى تنظيم تعاون عسكرى فوقهما أو حولهما مع قوات أمريكية أو إسرائيلية ، أو تركية ، فى ضوء تحالف بادٍ مشترك ، أو أن نفاجأ بوجود أجنبى يمثل تهديداً رئيساً مباشراً لنا ، تحت راية الأطلنطى، على بعد أقل من ثمانية كيلو مترات من شواطئ مدينة شرم الشيخ ؟ إن مدينة شرم الشيخ فى النهاية هى القاعدة الاستراتيجية الرئيسية للدفاع عن أى تهديد يطول جنوب سيناء ، أرضاً أو بحراً ، فماذا لو فوجئنا بتواجد عسكرى أجنبى يمثل تهديداً مباشراً ، يضاف إلى تهديدات بازغة أخرى خاصة فى ضوء أربعة اعتبارات جوهرية ، الأول يتعلق بحلم إسرائيل التاريخي فى أن يتحول البحر الأحمر إلى بحيرة إسرائيلية ، ولقد كانت تلك أوضح خطوط توجهها الإستراتيجى ما بين حربى عام 1967 ، و 1973 ، بأن تصبح مركز مثلث يبدأ بالسيطرة على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر ، بمواقع أقدام فى القرن الإفريقى بعد أن سيطرت على أم الرشراش ، لكن الشاهد – دون دخول فى التفاصيل – أن هناك محوراً ناشئاً جديدا فى الاستراتيجية الإسرائيلية ، يشكل سعياً حقيقيا للتمدد شمالاً فى البحر الأحمر – والثانى هو ما يجرى دون دخول فى التفاصيل – فى جنوب البحر الأحمر ، والقرن الافريقى ، وخليج عدن وصولاً إلى المحيط الهندى ، والثالث هو بروز نزعة استعمارية لقوى الاستعمار القديم لاستعادة قواعدها القديمة فى الإقليم ، سواء كنا نتحدث عن باب المندب ، وعدن وجنوب اليمن ، أو عن الخليج العربى ، مع ملاحظة أن الزحف الاستعماري البريطانى قد بدأ بالاستيلاء على عدن فى عام 1939 ، وهو أول استعمار أجنبى فى القرن الثامن عشر لبقعة عربية ، إذا استثنينا الاستعمار الفرنسى للجزائر الذى بدأ قبل ذلك بعشر سنوات ، لقد بدأ الزحف بانتظام واطراد من عدن على طول الساحل الجنوبى الشرقى للجزيرة العربية ، حتى تمت السيطرة على جميع دول الخليج قبل نهاية القرن ، وصولاً إلى الكويت شمالاً ، وأصبح الخليج كله ساقطاً عسكرياً واستراتيجيا فى أيدى بريطانيا ، مع العلم بأن الخليج هو أقرب منطقة إلى قلب روسيا ، والرابع ، أن هناك هيكل بنية أمنية إقليمية جديدة يجرى العمل على تعبيد طريقها ، تمتد على محور سيطرة وتوسيع جديد عبر الخليج العربى الشرق الأوسط ، القرن الافريقى وسط أفريقيا ، وهو محور يمتد فوق اضلاع البحر الأحمر بالضرورة ، ويطول بالدرجة الأولى دور إسرائيل ووظيفة إسرائيل كقوة إقليمية كبرى .
وجميعها أمور ينبغى أن تجعل النظرة أبعد من حسابات كيلومترات فوق الصخر أو فى المياه، وأن تجعل النظر أوسع من حدود جزيرتين ، أو جسراً ، أو غير ذلك من المفردات التى يشغلنا بها البعض ، ويضعها عامداً فى قلب المشهد، كأنه تنوب عن حقائقه.
رابعاً : ليس مطلوباً ، ولا مقبولاً ، ولا معقولاً ، أن نتناول القضية برمتها من خلال منطق معّوج ، هو منطق البيع أو الشراء ، فهذا منزلق قيمىّ ، نطلق به الرصاص على أنفسنا ، وهو منطق معاد للخصوصية الوطنية والتاريخ الوطنى ، وللمكانة الخاصة لقادة مصر عبر التاريخ ، وقد ظلّ المصريون يعبرون عن احترام مكانتهم وأدوارهم وإن اختلفوا أحياناً معهم .
ثم أنه منطق معوج من جانبه الآخر ، لأنه يؤكد أن ما حصلنا او ما يمكن أن نحصل عليه من تسهيلات مالية أو بترولية من هنا أو هناك ، إنما يمثل منحة ومنّة ، فمصر أكبر من أن تكون مدينة لأحد ، وما يرد إليها هو نذر يسير مما دفعته دماً وعافية ودفاعاً وإبداعاً مكاناً ومكانة ، وما تزال لها اليد العليا ، ولغيرها اليد السفلى ، أيا كانت الظروف والأوضاع ، والمخاطر والتهديدات .
ولكيلا يتناسى هؤلاء الذين يتبجّحون بحديث المنح والمن ، فعندما كان الجيش المصرى العظيم يجتاح خط بارليف ، ويبدأ ملحمته العبقرية فى أكتوبر المجيد ، كان إجمالى مجموع دخل الدول العربية المنتجة للنفط مجتمعة ، لا يتجاوز يومياً ، مبلغ 30 مليون دولار ، بينما كان ثمن برميل البترول دولارين فقط ، ليقفز السعر بعد النصر المؤزر إلى 15 ، ثم إلى 18 دولاراً للبرميل ، ثم ليتضاعف خلال ثلاثة شهور من توقف أعمال القتال بنسبة 400% ، بينما لم يتجاوز إجمالى المشاركة العربية فى تكلفة الحرب وما بعدها أكثر من 1 % من نسبة الأرباح التى تم حصدها بفعل النصر العظيم ، الذى حصدته دماء المصريين ، فإذا كنا قد دفعنا دما سخيّاَ ، لا يقدّر فى حسابات معارك التحرير والكرامة ، بأى مال أيا كان حجمه ووزنه ، فقد دفعنا إلى جانبه ثمناً باهظاً من عافيتنا ولقمة عيشنا ، ربما بما يفوق الطاقة والاحتمال ، لكنه فى كل الأحوال قدر دورنا ، وقدر وظيفتنا الحضارية التاريخية ، فى إقليم ما تزال مصر عقله وقلبه ، ودرعه وسيفه ، وقيادته الطبيعية ، مهما تغيرت معادلات المال والثروة ، ولذلك ليس أبغض على النفس من أن يضعنا البعض فى هذه الصورة الكئيبة المكئبة ، صورة من ينتظر أرباب النعم ، ليحسنوا إليه ويرقّوا لحاله ، مع أننا صّناع النعم الأوحدين بالدم قبل العرق .
خامسا : هذه قضية جادة ومركزية ، ويبنغى أن تعالج بحكمة وطنية رفيعة ، وبعقل وطنى مبدع ، وفى ضوء فهم عميق لخصوصية الحالة المصرية ، فمصر لم تغيّر حدودها مرة واحدة على امتداد تاريخها الذى يمتد إلى بواكير التاريخ ، لا بالإضافة ولا بالحذف ، وهو أمر راسخ فى وجدان مصر ، أكثر مما هو ملمح عابر فى عقلها ، ولذلك فإن الاستخفاف بهذه القضية سيشكل شرخاً خطيراً فى الوجدان الوطنى ، قبل العقل الوطنى أو البدن الوطنى ، وهو شرخ يتحتّم جْبرُه على نحو صحيح ، لأنه إذا تم تجاوزه – لا اجتيازه ، وإذا تم تمريره ، لا ترميمه ، لن يكون قابلاً للبرء بمرور الوقت ، بقدر ما سيكون قابلاً للتعمّق والانتشار ، وخلق شقوق وجيوب جاهزة لأن تملؤها الجراثيم المضادة من كل لون وصنف ، وقد بدا نشاطها حاضراً وجاهزاً وفاعلاً بطول وعرض المشهد وعمقه .
ولا أظن بعد ذلك أن من الحكمة السعى إلى إسكات الأصوات المعارضة للاتفاقية ، بوسائل إكراه سياسى أو بيروقراطى ، لأن ذلك لن يكون بمثابة إلقاء الماء على حريق صغير ، وإنما بمثابة إلقاء مواد قابلة للاشتعال .
نحن نكتب تاريخاً مجيدا فى معركة كبرى لاسترداد الإرادة الوطنية كاملة غير منقوصة ، لتعظيم عوائد الاستقلال الوطنى ، ولتجديد شباب مصر وموقعها الاستراتيجى الحاكم ، وهى معركة لا ينبغى أن يخالط ماءها العذب كدراً ، ولا أن يعترى نبضها الوطنى خللاً ، لذلك ليس لنا أن نفكّر بمنطق اللحظة ، وإنما بمنطق التاريخ ، وهو ما سيبقى منا ولنا أو علينا …
حمى الله مصر العظيمة ، قيادة وشعباً ، وصان وحدتها الوطنية المقدسة ، وأعانها على أن تتجاوز ما تواجهه من مخاطر وتحديات جسام ، وأبقى جيشها العظيم موطن قوتها ، وفخر تاريخها ، وموضع ثقتها الكاملة ، وإيمانها العميق .