يبوتي.. وجمع أعواد الثقاب
يكاد يكون البلد الوحيد الذي يفتح أراضيه للاستثمار العسكري، جيبوتي ذلك البلد الافريقي الصغير على الضفة الغربية لمضيق باب المندب.
صحيفة الفاينانشال تايمز في عددها الصادر، اليوم الأربعاء، نشرت مقالا بعنوان “السعودية تقترب من إتمام صفقة مع جيبوتي لبناء قاعدة عسكرية”، مبينة أن السعودية تسعى للعب دور أكبر في أمن المنطقة، ومواجهة خصمها اللدود إيران مبينة أن جيبوتي.
ونقلت الصحيفة عن وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف قوله “لا أستطيع أن أعطيكم تفاصيل لإنهاء أمور عسكرية سرية، ولكنكم سترون الأمر عندما يتم”،
وتستغرب الصحيفة إقدام السعودية على إنشاء قاعدة هي الأولى لقواتها خارج أراضيها إذ يوجد بالفعل منشآت عسكرية أمريكية وفرنسية على الأراضي الجيبوتية وهما حليفتان وثيقتان للرياض ويسعيان كذلك إلى لجم إيران.
وتقول إن الولايات المتحدة تستخدم قاعدتها في جيبوتي كمقر لقواتها في إفريقيا ولعملياتها لمكافحة “الإرهاب” في المنطقة، مبينة أن القاعدة الأمريكية يوجد بها قوة عسكرية قوامها أربعة آلاف شخص كما أن بها مطار للطائرات بلا طيار.
وتقول الصحيفة إن الإمارات، المهتمة أيضا بدعم وتوطيد قوتها العسكرية والتي تعد حليفا وثيقا للرياض، وطدت نفوذها العسكري في المنطقة بقاعدة عسكرية في إريتريا.
ليس المناخ الدافئ في جيبوتي ما يجذب الدول العسكرية ويجعلها محط أنظار الجيوش لكن موقعها على مضيق باب المندب هو ما يلفت أنظار الجنرالات العسكريين إليها.
واللافت أن جيبوتي ليس بلدا محصورا في استضافة الجيوش المحسوبة على حلف عسكري معين، فالصين التي ترتبط بحلف وثيق مع روسيا وإيران تبني قاعدتها العسكرية الأولى خارج أراضيها.
وقال وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف إن أول قاعدة صينية خارج الصين يجري بناؤها في بلاده ومن المزمع افتتاحها العام الحالي.
السياسة الجيبوتية خطيرة جدا وهي لا تحمل بعدا ذكيا فإذا ما توسع الاشتباك العسكري بين الحلف الروسي والامريكي القائم في سوريا إلى خارجها فمن المؤكد أن الأراضي الجيبوتية ستحترق، إذ من غير المعقول أن المتعاركون في العالم إلى جوار بعضهم بسلام في جيبوتي، وسيكون على الشعب الجيبوتي دفع ثمن هذه السياسة الحمقاء.
وافتراض الاشتباك العسكري قائمة اكثر من أي وقت مضى ومؤشرات وقوعها في تزايد ، فإذا كان الحلفان الأمريكي والروسي نجحا جزئيا في لجم مناطق الاشتباك وحصرها في سوريا طيلة السنوات الماضية، فان الولايات المتحدة لا تبدو في وارد التسليم بالخسارة في سوريا وفقا للمعطيات الميدانية الأخيرة.
وللولايات المتحدة سوابق في جر الخلاف إلى مناطق جديدة وتوسيع الاشتباك العسكري وهي فعلت بنقل الخلاف من سوريا إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا قبل أن تنجح موسكو في لجمه بذكاء وتنتزع شبه جزيرة القرم.
كما أن إقدام واشنطن بفتح حرب في اليمن على ما تعتبره ذراعا للحلف الروسي الإيراني عبر أداتها في المنطقة النظام السعودي هو الآخر ليس بعيدا عن السياسة بفتح حروب في مناطق أخرى لتعويض الخسارة الأساسية.
ومع عودة روسيا القوية إلى المنطقة بقوة وتخففها من ثقل الميدان السوري بعد معركة حلب وأخذها بلجام المعارضة إلى (أستانا) في الشرق بعيدا عن أوروبا والغرب عموما لانضاج الحل السياسي وبعد جر العربة التركية إلى الحظيرة الروسية، فمن غير المستبعد أن تعمد للانتقام من واشنطن وتمنعها من تحقيق إنجاز ما في اليمن ردا على دورها في أزمة أوكرانيا وما نجم عنها، واستعادة دورها العسكري بمدخل الباب الجنوبي للبحر الأحمر، فمن المعلوم أن القاعدة الصهيونية في جزيرة دهلك أقيمت محل قاعدة روسية أغلقت في تسعينات القرن الماضي لأسباب اقتصادية.
ويمكن تلخيص السياسة الجيبوتية في جمع المتعاركين على أراضيها كمن يضع أعواد الثقاب على أصابعه، وإذا ما اشتعلت أعواد الثقاب فستكون جيبوتي أول المتضررين وقد يرحل المتحاربون بعد وقت وبعد أن يصنعوا دمار كبيرا.
ولم يعلق مسؤولون سعوديون على الأمر، مبينة أن “توثيق العلاقات بين السعودية وجيبوتي يأتي في وقت تسعى فيه السعودية إلى جمع الدول السنية في تحالف كبير إظهارا للقوة وللحد من الاعتماد على الدعم العسكري الغربي”.
وتضيف الصحيفة أيضا، أن السعودية تسعى أيضا إلى مواجهة ما تعتبره “التدخل الإيراني في النزاعات في العالم العربي من سوريا إلى اليمن”.