الخبر وما وراء الخبر

هل سيكون تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية تحولا في تغيير النظامً الدوليً أحادي القطبية

286

بقلم / أحمد يحيى الديلمي

في قراءة سريعة في التغيرات التي رافقت البُنية الاساسية للعالم طيلة المدة السابقة منذ القرن العشرين وحتى بداية القران الحادي والعشرين ، يتبين ان العالم شهد عقب انتهت الحرب العالمية الثانية مراحل متعاقبة تضمنت بدءً بأن أصبح العالم مقسماً إلى قطبين ،احداهما القطب الاشتراكي ، في مقابل القطب الرأسمالي ، وصار العالم حينها يرزح تحت قطبين متنافسين عاشا زمناً طويلاً على إيقاع الحرب الباردة.

وبانتهاء الحرب الباردة بتصدع وانهيار الاتحاد السوفياتي ؛ تغير هيكل النظام الدولي ،من نظام “ثنائي القطبية” إلى نظام “أحادي القطبية” تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية ، وأصبح الميدان العالمي يخضع لهيمنة القطبية الأحادية التي وجدت حتمية فرض هيمنتها على العالم في ظل التغيرات الراهنة على كافة الأصعدة.

والمتابع للتحليلات السياسية والدراسات الاستشرافية للنظام الدولي في القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بمستقبل هيكل النظام الدولي ؛ يلحظ ثمة تطورات وتغيرات مهمة برزت في الآونة الاخيرة ،والتي تشير إلى تغيرات مهمة في النظام الدولي ، فلم تعد القوة الدولية المهمة والمؤثرة قاصرة على أمريكا فقط ، بل اتسع ليشمل قوى اخرى تنافس الولايات المتحدة على إدارة النظام الدولي، من خلال عودة روسيا لتلعب دورها على الساحة الدولية من جديد لاسيما استعادة أدوارها العسكرية بتكثيف حضورها العسكري من خلال المناورات العسكرية المتوالية وإعلانها عن قدراتها العسكرية ، ومما يفسر ذلك ايضاً موقفها من أزمة الحرب السورية التي استطاعت فيها أن تحدث تغييرًا في مواقف وسياسات الولايات المتحدة والغرب عمومًا، وأيضًا مواقف روسيا من كل من إيران وكوريا الشمالية، وهي المواقف التي تؤثر على سياسات ومواقف الغرب، وهي واقعياً تستطيع أن تلبس عباءة المنافس في الوقت الحالي..

وعلى ما يبدوا لم يعد النظام العالمي احداي القطبية كما كان بالسابق لاسيّما بعد إن استطاعت روسيا بقيادة الرئيس بوتين استعادة دورها المسلوب في العالم وهو ما ظهر جلياً في عدة مواقف منها ،مواقفها القوية حيال الحرب في سوريا، التي استطاعت فيها أن تحدث تغييرًا في مواقف وسياسات الولايات المتحدة والغرب عمومًا، وأيضًا مواقف روسيا من كل من إيران وكوريا الشمالية، وهي المواقف التي تؤثر على سياسات ومواقف الغرب، بما يجعلها واقعياً تستطيع أن تلبس عباءة المنافس في الوقت الحالي.

ولم يقف الامر الى هنا وحسب ؛ بل استطاعت روسيا الولوج الى عمق الشئون الداخلية الامريكية باعترافات تصريحات مسؤولين امريكيين تناولتها وسائل اعلامية امريكية بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم أن قراصنة روس تمكنوا من اختراق الشبكة الكهربائية في الولايات المتحدة عبر شركة مزودة للكهرباء في فيرمونت شرق البلاد.

كما قالت صحيفة لوس انجلس تايمز على لسان الكاتبة ” لينا اغراوال”: ان الرئيس الامريكي باراك أوباما وجه بعقوبات جديدة  بحق روسيا بحجة انها تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث قامت امريكا بطرد عدد من الدبلوماسيين المشتبه بهم ، كما فرضت امريكا قيود مصرفية على خمسة أشخاص وأربع منظمات زعمت الادارة الامريكية أنهم متورطون.

وفي خضم ذلك ، يبقى التساؤل: هل سيكون تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية تحولا في تغيير النظامً الدوليً أحادي القطبية نحو تعددية الأقطاب ، واستعادة حالة التوازن العالمي وإعادة تنظيم العالم بعيداً عن الهيمنة الأميركية والغربية على النظام الدولي؟

إن مجريات الاحداث الحالية تميل نحو القول بأن النظام العالمي الحالي يتجه نحو مرحلة انتقالية ونظام دولي متعدد الأقطاب، ويتناول بعض المحليين السياسيين القول بأن روسيا دقت اخر مسمار في نعش النظام العالمي “احادي القطبية” بعد ان صرحت ادارة الرئيس اوباما أن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتحدثت عن علاقة الدبلوماسيين الروس الذين تم طردهم مؤخراً باختراق حاسوب مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون ،والتأثير على الانتخابات الامريكية بعد ان قامت بطرد 35 دبلوماسيا روسيا وفرض عقوبات ضد موسكو ،لاسيّما بعد إن اتهمت وكالة الاستخبارات المركزية “سي اي ايه” روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية 2016 ،حيث ادعت أمريكا أن روسيا قامت باختراق شبكات الكمبيوتر للحزبين الديمقراطي والجمهوري.

الولايات المتحدة الأمريكية التي لها باع طويل في التدخل في شئون الدول الاخرى ومحاولتها التأثير على الانتخابات الرئاسية فيها ، هاهي اليوم غير قادرة على حماية نفسها من التدخل في شئونها الداخلية !! بعد إن كانت تقوم بدعم الانقلابات العسكرية في الدول الاخرى وتغيير الأنظمة في أعقاب انتخاب مرشحين لا تريدهم امريكا، لا سيما وانها فعلت ذلك ما لا يقل عن 81 مرة بين عامي 1946 و 2000، وفقا لقاعدة بيانات جمعها مركز العلوم السياسية “دوف ليفين” من جامعة كارنيجي ميلون.

إن تصريحات واعترافات المسؤولين الامريكيين بأن روسيا تدخلت في الانتخابات يوحي بأن أمريكا وصلت لمرحلة الشيخوخة والانحدار في دورة حياتها وهذا مؤشر لضعف أمريكا في حماية شئونها الداخلية ناهيك عن ادارة النظام العالمي كما كانت تقوم سابقاً ، وسيشهد العام 2017م اكتفاء أمريكا بمعالجة شئونها الداخلية بعيداً عن ادارة زمام الهيمنة على العالم في ضل نجاح الدب الروسي في استعادة دورة المفقود عالمياً.