السلحفاة السعودية تخسرُ صدفتَها
بقلم / د. وفيق إبراهيم
يسجِّل دور آل سعود تقهقراً غير مسبوق في مجالاته العربية والإسلامية والدولية، بما يؤدّي منطقياً إلى انعكاسه على المستوى الداخلي للمملكة.
بداية، إنّ علاقة الرياض بمصر أكبر بلد عربي تمرُّ في أسوأ مراحلها. وقد تذهب إلى نواحٍ أخطر، لأنّ مصر رفضت أن تكون بندقية لمصلحة التمدّد الإرهابي.
والعراق بدوره مستاء من التحريض المذهبي السعودي الذي يستهدف وحدته العربية والعراقية، محاولاً وقف دفق السلاح والمال السعوديين إلى تنظيمات إرهابية عراقية.
أما سورية فإنها تضع السعودية إلى جانب تركيا في لائحة الذين حاولوا إسقاط الدولة السورية وتدمير وحدتها الداخلية. وكذلك اليمن الذي يتعرّض لحملة إبادة سعودية مستمرة بكلّ أنواع الأسلحة الأميركية الحديثة أدّت حتى الآن إلى 15 ألف قتيل يمني وتدمير البنية والتراث اليمنيين.
ولا تغفل عن الجزائر التي لا تنفك تواصل نقدها للدور السعودي الوبيل والإرهابي وللتنويه فإنّ الدول المذكورة تشكل 65 في المئة من العرب. ولولا التغطية الأميركية والأوروبية لخسرت السعودية ما تبقى من العرب في عُمان وتونس وموريتانيا وجزر القمر.
دولياً، انتقد معظم الدول الدور السعودي في رعاية الإرهاب. ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وبلجيكا لم تتوانَ عن إدانة الرياض وابتزتها في عقود تجارية ومساعدات وصمتت. والعودة إلى الإعلام الغربي تكشف التفاصيل. أما الولايات المتحدة الأميركية راعيتها الدولية، فقد اتهمت آل سعود بالإرهاب وأصدرت قانون «جاستا» لمحاكمة المتورّطين السعوديين بتمويل «غزوة نيويورك» 2001. ولم يبق مسؤول أميركي واحد إلاّ واتهم السعودية بدعم القاعدة وداعش والنصرة.. وها هي الرياض اليوم تحاول إلغاء قانون «جاستا» مقابل صفقات مالية كعادتها بـ«الإقناع النفطي».
ومقابل تفاهمات على استقرار أسعار النفط تجاهلت روسيا الدور السعودي في اليمن، لكنها انتقدته في سورية. وكذلك فعلت الصين. أما ما تبقى من دول العالم فقد اتهمت علناً السعودية بتمويل الإرهاب ونشره في عشرات الدول، وحوّلت مدارس التعليم الوهّابي والجمعيات. كما رعت شراء مسلمين من مذاهب أخرى تحوّلوا إلى الوهابية مقابل مساعدات مالية شافعيو اليمن ومصر وباكستان وأفغانستان .
إنّ كلّ علاقات السعودية مع أوروبا واليابان تتسم بتوتر. وجمعيات حقوق الإنسان في هذه الدول تتهمُ الرياض علناً بالإرهاب. ولولا النفط وشراء الأسلحة والعقود التجارية، والفوائض النقدية لما بقي آل سعود في الحكم.
وهل يعقل أن تستمرّ الرياض في لعبة تحريض الأقليات الإسلامية في ميانامار والهند والصين على الهندوس والبوذيين. ما يؤدّي إلى مجازر في صفوف المسلمين وعمليات تهجير وتقتيل؟ لماذا إذاً تواصل السعودية بواسطة المعاهد الدينية التي تموّلها تحريض المسلمين العاملين في الغرب على شنّ عمليات في البلدان الغربية وروسيا؟ يقول خبراء إنّ الأزمة الاقتصادية العالمية تحضّ الغرب على طرد الأجانب.
وتقدّم الرياض هذه الأسباب النموذجية لطرد العمالة المسلمة في أميركا وأوروبا بواسطة الإرهاب الإسلامي. وليس هناك أيّ تفسير منطقي آخر والاستنتاج فإنّ العلاقات الأميركية ـ السعودية تقوم على الابتزاز فقط، وكلما تدنّت أسعار النفط تراجعت قيمة آل سعود في سوق النخاسة الدولية.
لذلك فإنّ الاستمرار في تراجع أسعار الطاقة مع الانتقال السريع إلى عصر الغاز والذرة من شأنهما محاصرة مضارب الخيام الإلكترونية المنتشرة من حدود اليمن حتى حدود العراق. وعندها، فليس أمامها إلا الانضواء في السياسات السورية والعراقية على قاعدة احترام اليمن كياناً تاريخياً مجاهداً لم يسقط تحت أقدام محتلّ في تاريخه.
لقد اكتشف آل سعود أنهم لا يمتلكون حليفاً فعلياً في الإقليم الإسلامي، وكانوا يعتقدون أنهم الأقوى إلى أن كشفتهم معركة حلب. وتبيّن لهم أنّ أموالهم ذهبت لمصلحة تركيا التي تفاوض حالياً في موسكو مع إيران وروسيا لإيجاد حلّ للأزمة السورية، وهم مستبعَدون.
واتضح أنّ تركيا فتحت حدودها مع سورية والعراق أما السعودية وقطر فقد حوّلتا الإرهابيين من الكعب حتى الرأس. ولتركيا فقط حق إعلان إطلاق النار وإعلان وقفه، كما فعلت في حلب. علماً أنّ الرياض تنتقد الدور التركي في المنطقة الإسلامية منذ سنوات عدة… ترفع النبرة حيناً، وتخفضها حيناً آخر. ولم تنفع محاولاتها لتحويل تركيا إلى حليف لمشاريعها، لأن لا تقرّ برامجها الخاصة ومداها الإسلامي الخاص بها في حركة الإخوان المسلمين. كما أنّ تركيا تراعي السياسات الأميركية من جهة وجيرانها الروس في البحر الأسود. وتعتبر نفسها وريثة الأمبراطورية العثمانية التي تعجز عن رؤية مملكة بحجم آل سعود. وتعادي الرياض قطباً آخر قوياً في الإقليم بشكل أعنف هو إيران. تحاول تأليب العالم ضدّها لأنها تشعر أنّ النفوذ الإيراني يطوّقها. لذلك تستميت لاقتلاعها وتتمنّى كما كان يقول الملك السعودي السابق عبدالله: «يا ليتها غير موجودة على الخارطة».
وتتمحور السياسة السعودية حول تشكيل أحلاف سياسية وعسكرية ضدّ طهران، لذلك تبدي استعداداً لتمويل أيّ مشروع ينال منها مهما بلغت أكلافه.
وليس للرياض علاقات عميقة مع باكستان التي رفضت الانخراط في مغامراتها، وكذلك أندونيسيا والدول الإسلامية في أفريقيا… فمن يتبقى لها؟
يكفي القول إنّ السعودية تعادي مصر وسورية والعراق والجزائر عربياً وتخاصم تركيا وتستقتل في وجه إيران إقليمياً. ولذلك ذهبت إلى «إسرائيل» المتنفّس الوحيد لما تراه حامياً لها. فتسعى لخدمتها في كسر رفض المنطقة العربية والإسلامية لها مقابل تأمين الحماية للعرش السعودي وتنظيم حرب ضدّ إيران وسورية وحزب الله، وربما ضدّ جهات أخرى في اليمن والعراق.. المهمّ بالنسبة إليهم أن يبقى آل سعود فقط.
فهل تتحوّل «إسرائيل» إلى بندقية للسعودية؟ لكن لدى الكيان الغاصب مشاريعه الخاصة، وهو مستعدّ لتقبّل الانفتاح السعودي الذي بدأ مع انفتاح خليجي عام لكنه لا يزال في إطار التخطيط… لذلك لن نستغرب ولادة حلف سعودي ـ خليجي ـ إسرائيلي.. لكن «إسرائيل» أخبث من أن تقبل بمهاجمة إيران لإسداء خدمة لآل سعود.. فواشنطن لم تفعل هذا الأمر على الرغم من أنها هيمنت على العالم من دون ممانعة روسية وصينية من 1990 وحتى 2012. وكان بإمكانها أن تباغت إيران، لكنها خشيت من ردود الفعل الإيرانية وغير الإيرانية.
وهكذا يتضح مدى الانسداد في الأفق السياسي السعودي الذي كان يحتمي بواشنطن والنفط والدين والإرهاب والقوى الأمنية الداخلية. لقد شكلت هذه العناصر «الصَّدفة» التي تحمي السلحفاة السعودية التي لا تزال في القرون الوسطى. فهل بدأت تتشقّق؟ لقد خسرت السعودية علاقاتها الدولية والإقليمية والعربية ولم يعد لديها موقع جامع في المراكز الإسلامية وانكشف دورها الإرهابي، فيما تواصل أسعار النفط تراجعها. لقد قال مركز واشنطن للشرق الأدنى أهمّ مؤسسة أميركية أكاديمية، أنّ الجيش السعودي المزوّد بأحدث الأسلحة الأميركية ليس إلا «نمراً من ورق»: قواته البرية سيئة والجوية أسوأ. في إشارة منه إلى ما يدور في اليمن عسكرياً..
كان آل سعود يجتمعون بعاملين ضدّ الداخل: الغرب والنفط والدين ـ لكنهم خسروا اليوم هذه العناصر. فهل يواصلون سياسات سحق الداخل؟ إنّ مملكة الاستبداد مهدّدة بنمو تيارات داخلية لا تستطيع مواصلة القبول بالاستعباد من عائلة لا تزال تجمد السعودية كما كانت عليه منذ 500 عام.. إنّ التطور مسألة إنسانية عامة وهي لن تستثني السعودية التي ستشهد تطورات في أوقات قريبة.
نقلا عن جريدة البناء