مع الجاهليتين وكيف نواجه كُـــبْـــراهما
بقلم / عبدالوهاب المحبشي
إن التعبيرَ عن الجاهليةِ التي كانت قَبْلَ النبي صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم بالجاهلية الأولى دلالةٌ وعليه دليلان فأما الدليلان فهما:
الدليل الأول: قوله تعالى في سورة الأحزاب (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرُّجَ الجاهلية الأولى) وفي هذا إشارة إلى أن الجاهلية المقصودة هي جاهلية ما قبل الإسْـلَام وما قبل النبي صلى الله عليه وآله.
الدليل الثاني: قل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بُعثت بين جاهليتين أُخراهما شرٌّ من أولاهما) وفيه دلالة على أن جاهليةَ ما قبل النبي صلى الله عليه وآله هي جاهلية أولى.
أما الدلالة فهي أن وصف الجاهلية قبل النبي صلى الله عليه وآله بالجاهلية الأولى أن هناك جاهلية ثانية أَوْ جاهلية أخرى شر من الأولى وهي التي نص عليها الحديثُ الشريفُ المذكور والتي تبينها الآية تبييناً جلياً.
كانت ملامحُ الجاهلية الأولى تتجلى في كُلّ مناحي الحياة آنذاك بقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين في خطاب المولد للعام 1438هـ (كان الواقع العربي كما قال الله سبحانه وتعالى: (وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين) وذلك الضلال المبين يتمثلُ فيما كان عليه العرب من الاعتماد على الخرافة وعلى الجهل وعلى الشرك وعلى الكفر وعلى الوثنية وعلى التوحش.. مظاهر ذلك الضلال كانت في أن الواقع الذي يعيشه الوباء واقع ضياع لا كيان يجمعهم لا هدف لا مشروع لا رسالة لا قضية.. إلخ.
الأثرُ الذي تركه الإسْـلَام:
يقول السيد القائد في خطاب المولد العام الماضي (عندما أتى رسول الله مُحَمَّـد صلى الله عليه وآله برسالة الله الخاتمة بمبادئها العظيمة غيّرت كُلّ هذا الواقع، وهنا نتلمس جوانب هذا التغيير الذي أحدثت رسالة خاتم الأنبياء، وعلى ضوء الخطاب يتجلى الآتي:
– تغير نفسية العربي البدوي الجاهل إلى إنْسَان راقٍ مؤمن موحّد لله سبحانه بفضل الإسْـلَام والنبي والقرآن وبفعل الإيمان ونور الإسْـلَام يحمل رسالة الحق ويتحرك لإقامة الحق.
– تغير الواقع السياسي والاقتصادي والاجْتمَاعي للأمة من أمه ممزقة لا وزن لها ولا كيان إلى أمة أقوى من الفرس والروم وكُلّ الأمم الموجودة في ذلك العصر، ولم يكن ذلك بالشيء السهل كما تحدث السيد القائد (لم يكن ذلك بالشيء السهل ولا بالقدر البسيط الذي تحرك به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتغيير ذلك الواقع.
مظاهِرُ الجاهلية الثانية ولماذا كانت أشد
ولأن الأمة الإسْـلَامية لم تواصل درب عزتها مع الإسْـلَام فقد انهارت من جديد، وحلت بها جاهلية أشد من الجاهلية الأولى، مظاهرها تبرز في كُلّ المظاهر التي تبرز بها مظاهر الجاهلية الأولى مع ضخامة الوسائل.
– المعتقد.. أصبح الإيمانُ بالله وبالرسل وبالقرآن في بلاد المسلمين مجرد عناوين، إلا ما رحم الله، فلم تعد كُلّ عبادات المسلمين وطاعاتهم لربهم تعطي أيةَ ثمرة أَوْ تُقام كما أراد الله لها، بل صارت مجرد مسميات لا حقائق لها وشاع الإلحاد أَوْ التوحش باسم الإسْـلَام أَوْ الانحلال عن قيم الدين.
– الممارسات الإجْــرَامية.. اليوم يمارِسُ القتلُ بمجازر جماعية بأفتك الأسلحة التي تصنع وإبادات جماعية بلا حدود.
أما الخرافة فتبرز على شكل تضليل للبشرية هائل تمارسه وسائل إعلام مضلّلة على مستوى العام وتنشر الرذيلة وتفتح قنواتٍ عالمية عابرة للفضاءات لتنشرَ الفاحشة في كُلّ العالم.
أما نهب أموال الأمم فلم يعد على مستوى فردي، بل هو يمارَسُ بحق شعوب تتعرض للإفقار والاحتلال والغزو طَمَعاً في ثرواتها وكذلك يتم تدمير البنى التحتية للدول حتى تعيشَ حالة بؤس، ويتم انهاك ثلاثة أرباع سكان الأرض بديون هائلة تعودُ فوائدها على ربع السكان فقط أَوْ أقل من ذلك بكثير وذلك عن طريق القروض الربوية الرأسمالية العالمية المتوحشة.
كُلُّ ما نراه من جرائمَ في العالم يؤكد بوضوح أن هذه الجاهلية كما ورد في الحديث الشريف أشد وأكثر شراً من الجاهلية الأولى؛ بسبب الإمْكَانات، ولم يكن إلا أن تلك قد أعقبها هدىً وبعث بعدها رسول، وهذه الجاهلية هي في اللحظات الأخيرة من عمر العالم، وكما يقال نحن في آخر الزمان ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
وأبرزُ مظاهر جاهلية اليوم هذا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن الذي شهد صادقُ الوعد بأن هذا الشعب اليومَ هو أكثر الشعوب مظلومية على وجه الأرض.
هكذا نواجهُ جاهليةً العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
إن مواجهةَ العدوان السعودي الأمريكي على اليمن تستلزم العودة إلى عوامل القوة التي وحّدت الأمة منذ البداية وجعلتها أمةً قويةً وهي تستدعي النقاط التالية:
– العودة إلى الله.. وإلى القرآن وإلى النبيّ مُحَمَّـد صلى اللهُ عليه وآله، والعودة إلى الله لالتماس المعونة والهداية وإلى القرآن لالتماس الرؤية وإلى النبي لالتماس القدوة والوحدة.
– الوعي الكامل بالمرحلة، ما هي المخاطر الحقيقية على الأمة فيها وما هي الفرص وكيفية انتهازها والتحرك الجاد للحصول عليها.
– العودة إلى قيم الإسْـلَام ومبادئه ووعيه كمنظومة متكاملة لا تتجزأ وكمبادئ ناصعة لحياة الإنْسَان ضامنة لسعادته.
– التحرُّك بناءً على تلك الرؤى في مشروع واحد منظّم تحت قيادة ومنهجية والالتزام لها وتمييز بين المشاريع الوكيلة المنفذة للمشاريع الأجنبية التي تخدُمُ الأعداء من المشروع الأصيل الذي يواجه تلك المشاريع.