الخبر وما وراء الخبر

كاسترو: كونوا أحرارا

214

بقلم / سامي الأشول

كاسترو بعد ثورته المسلحة والانقلاب علی باتيستا في 61، أخرج كوبا من نفوذ الأمريكان، وحارب العملاء ونفاهم خارج البلاد، ففقد الأمريكان السيطرة، فجن جنونهم، ولم يتقبلوا الأمر، وحاولوا الإطاحة به بكل الطرق، فدربوا المعارضين وسلحوهم ودفعوا بهم لقتاله في معركة سميت “معركة خليج الخنازير”، فكسبها كاسترو لصالحه.

بعد فشل المعارضين، قررت أمريكا غزو كوبا والتدخل بنفسها لأنها الحكم، وعند الاستطلاع ورصد الأهداف قبل الغزو، التقطت إحدى طائرات الاستطلاع صورا لقواعد صواريخ نووية موجهة إلی أمريكا…

صعقت أمريكا واهتزت عروشها وتزعزعت أركانها، وتراجعت عن غزوها فورا، فلم تكن تتخيل يوما أن تنصب في فنائها الخلفي صواريخ نووية.. فدخلت في مفاوضات مباشرة مع كاسترو، بعد أن كانت غير معترفة بثورته، ووقع الاتفاق علی سحب الصواريخ النووية مقابل التراجع عن الغزو وعدم التدخل مجددا، وهو ما حدث فعلا.

بعدها في 62 فرضت أمريكا عقوبات وحصارا اقتصاديا مشددا علی كوبا التي كانت معتمدة علی أمريكا اقتصاديا.. كانت أضرار الحصار كارثية، ومرت كوبا بسنين عجاف وتراجعت العملة، وتم خفض مرتبات العاملين في الدولة، ولكنها لم تقدم أي تنازل،  وظلت شامخة قوية، وجعلت شعارها الوطني:  (( إما وطننا أو موتنا )).. واستطاعت أن تبني نفسها وأذهلت العالم في المجال الطبي، وجعلتهم يأتون اليها صاغرين طلبا للعلاج.

وبعد 60 عاما من الحصار والعقوبات، وبعد توالي 10 رؤساء أمريكيين، أتی أوباما إلی كوبا، لإعادة العلاقات، ولم يستقبله رئيس كوبا في المطار، ولم يحفل به الكوبيون.

عالمنا كالغابة.. لا حياة فيه للضعفاء.. ولا مجال للحمقی.. لا يعترف إلا بالقوي.. ولا يحترم إلا الشجاع.. تسري عليه قاعدة : البقاء للأصلح.

كوبا التي لديها من الكرامة ما يفوق حجمها، ضربت مثالا من الخيال في الصمود..

كوبا الصغيرة المتواضعة ذات ال11 مليون نسمة وقفت امام أمريكا الدولة العظمی ذات ال250 مليون نسمة، ودفعتها للتراجع والانكسار.

كوبا التي لم تعرف الإسلام تعطي درسا للمسلمين في المواجهة والعزة، وكاسترو لم يكن مسلما عندما قاوم الغزاة، ولم يقرأ التعليمات الإلهية بالتصدي للمعتدين، ولكن فطرته وبصيرته ووطنيته دفعته لذلك.

نحن الذين يفترض ان نضرب هذه النماذج ويتعلم منا العالم، لأننا وضع بين أيدينا دستورا سماويا

يعلمنا بكل ما يقودنا إلی التمكين، ويمكننا من القوة، ويوصلنا إلی النصر.

حتما كان يوجد في زمن ثورة كاسترو من يطالب بالاستسلام أمام الحصار..

حتما كان يوجد بين ال11 مليون كوبي مطالبون بالخضوع ناقمين علی الثوار لضعف الاقتصاد وتخفيض رواتب العاملين في الدولة..

حتما كان لديهم مثل أصحاب موعدنا الأحد وأصحاب إلا الراتب فالراتب حياة ، ولكن أين هم من كاسترو اليوم، أين هم من رمزيته ونضاله وكفاحه وارتقائه بشعبه في أحلك الظروف..

أين هم من مجده الذي اعترف به أعداؤه الذين حاولوا اغتياله أكثر من 600 محاولة،، ولم يمت إلا علی سريره ليحقق انتصارا آخر عليهم..

أين موقعهم في التاريخ منه؟.. حتما إنهم في أسود صفحاته وهو في أبيضها.