الخبر وما وراء الخبر

حسب النظام

198

بقلم / عبدالكريم احمد الديلمي

“حسب النظام” , “لا مانع وحسب النظام” , وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن نفس المعنى, والتي اصبحت دارجة بل ولا تكاد تخلو أي معاملة ادارية من هكذا اوامر, مع اني لا افضل تسميتها اوامر. فكثيراً ما نشاهد ونقرأ هذه الجملة وغيرها في كثير من المعاملات الادارية, فاذا كان لديك اخي القارئ معاملة او قمت بتقديم مذكرة اياً كان غرضها للمسئول الاداري الاول في أي جهة, من المحتمل انك ستشاهده يكتب هذه الجملة, فماذا تعني “حسب النظام” وهل من الضروري كتابتها في كل المعاملات والتوجيهات؟ وفي حالة عدم كتابتها, هل يعني ذلك مجازاً تجاوزاً للنظام؟ وهل الحرص على كتابتها في كل أمر يتضمن الهروب من المسئولية او عدم المعرفة الادارية, او عدم معرفة النظام نفسه؟ واذا كان يفترض بان المدير وجميع العاملين يعرفون النظام ويطبقونه بشكل يومي ومنذ سنوات, اذن فلماذا يتم كتابتها؟ في هذه المقالة ساحاول قدر الامكان الاجابة عن كل التساؤلات السابقة. “حسب النظام” تعني ان يتم اكمال المعاملة او التنفيذ وفقاً للقوانين والانظمة المعمول بها في الجهة او المؤسسة. “حسب النظام” أو “لا مانع حسب النظام”, لا غبار عليها إن كان يقصد بها تطبيق الانظمة واللوائح، وأن الموافقة هي موافقة مبدئية بشرط ألا تؤدي إلى تجاوز تلك الانظمة، ولكن الإفراط في استخدامها بهدف عدم تحمل المسؤولية يجعلها مفرغة من مضمونها، لتغدو مجرد «كليشة» أو بصمة توضع على المعاملات ولكنها لا تحمل أي توجيه محدد للموظف الذي وُجِّهت له عبارة لا مانع حسب النظام! ويروى من باب الطرافة أن هذا النوع من الإداريين لو أراد رد السلام أو تشميت عاطس أو السماح لأحد موظفيه بدخول “لحمام” لسبق ذلك كله أو بعضه عبارة لا مانع حسب النظام؟! وإذا ما تم عرض حل استثنائي على مسؤول من جماعة “لا مانع حسب النظام” لموضوع يقع ضمن صلاحيته لاعتماده بطريقة استثنائية لصالح العمل، فإنه يتمسك حتى آخر رمق بعبارة “لا مانع حسب النظام”، فإذا جاءت المعاملة إلى الجهة التنفيذية لن تستطيع إنهاء إجراءاتها لأن العرض يتطلب موافقة استثنائية والتوجيه يعطي موافقة “حسب النظام”، وعندها يدور بين الموظف التنفيذي وبين صاحب المعاملة جدال خفيف أو عنيف، لأن صاحب المعاملة يظن أنه يستطيع اكمال المعاملة بحسب التوجيه “حسب النظام” بينما يرى الموظف -ومعه حق- أن كلمة حسب النظام قد نسفت طلب الاستثناء.. وأعادت المعاملة إلى نقطة الصفر، وكان يجب على ذلك المسؤول أن يُقرر إن كان موافقاً على طلب الاستثناء فيكتب على المعاملة عبارة «لامانع».. فقط لاغير، أو يكون غير موافق فيكتب عليها توضيحاً صريحاً يتضمن عدم موافقته على طلب الاستثناء, ولكن ذلك ما يحصل في الحياة الإدارية بسبب عدم الرغبة في تحمل المسؤولية ربما لعدم الجدارة بها أصلاً.. وكم من الأمور والمعاملات تتعطل أو يلعب بها الموظفون التنفيذيون -على كيفهم- لأن صاحب القرار في إدارتهم لا يريد تحمل أية مسؤولية.

وقد يرى البعض ان من يستخدم “حسب النظام” في كل التوجيهات التي يصدرها انما هو عاجز عن اتخاذ القرار ، ويستخدمها الواثق بأن من حوله سينفذها (حرفياً) ، وبالتالي توحي بأنها تقول للموظفين : انجزوا هذه المعاملة على راحتكم .. ومن ناحية اخرى يمكن ان يُنظر لاستخدام هذه الجملة من منظور عدم الوثوق في المنفذين, بحيث ان كتابتها تلزم الموظف ان يلتزم بالإجراءات القانونية الرسمية, بحيث ان عدم كتابتها قد توحي للموظف ان يقوم باتخاذ اجراءات غير رسمية او غير قانونية لإكمال المعاملة. المحزن أنها جملة “حسب النظام” هي الأكثر تردداً على الاوراق ، والمفرح أنها تضعف وتصاب بالهشاشة ، ثم تتكسر وتتلاشى أمام صاحبة الفخامة .. اعني أمام كلمة “يتم” , “يُصرف” … التي فيها قوة وبريق آسر ، لا أحد يستطيع الوقوف أمامها ، أو حتى يحاول وضع العراقيل في مجراها ، لذا يحبها كثير من الناس ويبتهجون حين يرونها تزين أوراق معاملاتهم ، وأظن أنها ستستمر “حسب النظام” معنا إلى ما بعد عصر التكنولوجيا ، ويستخدمها الموظف والمسؤول عندما يمرّ بمأزق فني صعب .. أي يستخدمها إذا كان لا يفقه شيئاً في الاجراءات ، ويريد أن ينهي المشكلة على نحو يحفظ ماء وجهه ، فهي جملة لا فائدة منها ، ولا داعي لها البتة ، لأنها أشبه بالجريمة الفادحة على الاوراق الرسمية ، والسبب في ذلك أنه ليس هناك من يسير على (حسب غير النظام).. وكفى! والامر الاخر, عندما تخرج المعاملة من مكتب المسئول الاول بعبارة “حسب النظام” يقوم المدراء الاخرين بكتابة “للعمل بحسب التوجيه” وهكذا تمر المعاملة من مدير الى مدير بهذه العبارة الى ان تصل الى المختص “قاعدة الهرم الاداري” لينفذ التوجيهات فهو اكثر شخص يعرف النظام, وبدلاً من هذا كله, وبدلاً من مرور المعاملة لعدد كبير من المدراء, ينبغي ان تقدم المعاملة للمستوى الاداري الاوسط بدلاً من انتظار المسئول الاول ليكتب “حسب النظام”. من المعروف ان الادارة علم وفن في الوقت عينه, وجاءت العلوم الإدارية لمساعدة ومساهمة دعم الجانب الفني، لتصبح الإدارة مزيجاً متناغماً بين العلم والفن، ومع هذا يغفل كثيرون الجانب الفني كونه العنصر الإبداعي، ويتم التركيز على الجانب العلمي الذي يتسم غالباً بالجمود ولكنه أساساً في بعض العمليات الإدارية. في الوزارات والجهات الحكومية غالباً يتم تعيين بعض المسؤولين في المناصب القيادية في الإدارات العليا والوسطى دون وعي واهتمام بالجانب الإبداعي في العمل الإداري، وهنا تكمن أغلب المشكلات الإدارية التي تظهر للسطح نتيجة اختلال في وعي ومعرفة الممارسة الإدارية, ويمكن ان يقدم أي شخص نصيحة لأي مسئول بانه إذا تورط في أي معاملة يكتب عليها: لا مانع حسب النظام! فهذه الجملة تبين انه لا يمانع وفي الوقت نفسه المعاملة تسير حسب النظام، وهكذا يحمي نفسه إدارياً ومالياً من أي عواقب! فاذا كانت الاوامر الصادرة من المناصب القيادية تسير وفق العبارة أعلاه فهذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى مديرين وقيادات بل روبوتات آلية!

وفي الاخير, في اعتقادي ان اصدار التوجيهات يجب ان يكون واضحاً وصريحاً, ويوضح للمنفذين ماذا يعملون, والمدير الفذ هو من يستخدم “حسب النظام” في المعاملات الروتينية التي تتطلب اجراءات رسمية وقانونية, اما حل المشاكل فيتطلب اجراءات اخرى, وقد تتطلب اتخاذ اجراءات استثنائية, ولا ينطبق عليها عبارة “حسب النظام”