الخبر وما وراء الخبر

أعراب القرن الحادي والعشرين

197

بقلم / مصطفى عامر

في ٢٦ مارس ٢٠١٥م، حينما بدأ العدوان على اليمن، أعلنت نصف الدول العربيّة تحالفها مع السّعوديّة، وفي شرم الشّيخ ارتدت جامعة الدّول العربيّة خلخالها كعادتها منذ حرب الخليج الثّانية، تبعتها منظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت اليمن وحدها آنئذٍ، رافعة رأسها في أقصى الخريطة، لم تُحنِهِ. فهي على أيّة حالٍ لم تتعوّد أن تُحنِهِ لغير بارئها. ثمّ.. في الوقت الذي وصل فيه اليمنيّ الشّجاع إلى أعلى جبال نجران، كان التّاريخ إلى جواره، وكانا يقفان معًا في أعلى قمّةٍ للفخر، وتحت أقدامهما كان يمكنك مشاهدة كرامة سلمان، وماء وجه التّحالف العربي، وأمين عام جامعة الدّول العربيّة، وأمساخٌ كثيرةٌ تستعصي على الحصر. وحينما همّ اليمنيّ الشّجاع بإحراق كرامة كافّة العرب الذين وقفوا ضدّه في هذه الحرب، فإنّه لم يجد أرخص من ولاعة سجائر للقيام بهذه المهمة. لقد كان محقًّا، فقيمة كرامة جامعة الدّول العربيّة أرخص من قيمة ولّاعة سجائره.

أمّا في القرن السّادس الميلادي، حينما ذهب أبرهة لهدم الكعبة، فقد كان دليله أعرابيٌّ من هُذيل، القبيلة ذاتها التي ينتمي إليها عادل الجبير؛ ولمّا وصل إلى مشارف مكة تفرّق القُرشيّون في شعابها، تركوا بيت الله الحرام وحيدًا، ومع استثناءاتٍ نادرةٍ لم يقف عربيٍّ واحدٌ في طريق إبرهة.

لقصّة الفيل فائدتين إذن:

الأولى: أن الله يتكفّل بحماية بيته الحرام.

الثانية: أنّك، فيما لو قررت تخريب الكعبة، فلن يقف في طريقك عربيٌّ واحد، ما دمت قويًّا.

نعم، ستلحقك لعنة السّماء، لكن العرب القاطنين في الأرض سيهربون إلى الشّعاب، وينتظرون نهاية المشهد. فقد وصل الحجّاج بن يوسف ذات يومٍ إلى أطراف مكّة، هناك حيث تحصّن عبدالله بن الزّبير، قصف البيت الحرام بالمنجنيق، تصدّع جدار الكعبة، عاد إلى بيته، حكم العراق إلى ما شاء الله، ولم ينبس أحدٌ ببنت شفة.

مرّت بعد حادثة الحجّاج مئات السّنين، ثمّ سقطت رافعةٌ فوق جسرٍ يمرّ فوق البيت الحرام، مات أناسٌ في بيت الله الحرام، ولو سقط الجسرُ لسقط البيت، قبلة المسلمين، اتّضح فيما بعد أن الحادثة مُدبّرة، ولم تقل جامعة الدول العربية أن ما حدث أمرٌ مشين.

وفي فترةٍ ما، في العصر الأموي، كان الوليد بن يزيد يشرب الخمر، تأخذه النّشوة فيضرب المصحف بالسّهام، يمزّقه، يقول شعرًا قبيحًا في كافّة مقدّسات المسلمين.

ولأنّ الوليد كان في ذلك الوقت هو الخليفة، فقد كان الفقهاء يقولون بأنّ طاعته واجبة. وكان النّاس يقولون آمين. مرّ وقتٌ طويل بعد وفاة الوليد، وسقطت القدس، ثمّ كان أن مات بيريز صاحب مجزرة قانا، وذهب العربُ للبكاء عليه، عباس بالذّات- والسفير المصري- كانا يبكيان بحرقة.

صعد نتنياهو فيما بعد إلى المنصة، رحّب بالحاضرين جميعًا، التفت نصف التفاتةٍ إلى جيرانه العرب، قال بهدوء العارفين: عفوًا.. وجودكم غير مُرحّبٍ به. هؤلاء هم العرب. يمكننا سرد حكاياتهم حتّى الصّباح، وهي بالمناسبة سلسلةٌ طويلةٌ من الحكايات المُخزية. فحينما دخل المغول إلى بغداد، على سبيل المثال، كان العرب يمارسون رياضة الركوع أمام هولاكو، وحينما ذهبت أميركا إلى بغداد كانوا أيضًا يمارسون رياضة الرّكوع أمام جورج بوش الأب، وأمام جورج بوش الإبن، وغدًا سوف يمارسون الرّياضة ذاتها أمام جورج بوش الحفيد. هم فقط، بين الفينة والأخرى، يجتمعون صفًّا ضدّ العرب الآخرين، الذين لا يركعون. ولهذا فقد اجتمعوا علينا لعامين متتاليين، واجتمعوا على سوريا لسنواتٍ عديدة، وما الذي سيفعلونه بعدُ؟ لا شيء باستثناء أنهم سوف يذهبون إلى الجحيم. وتبقى اليمن، وتبقى سورّيا. هذه مسألةٌ محسومة. ثمّ أنّ اليمنييّن لن يستهدفوا مكة والمدينة. هذه أيضًا مسألةٌ محسومة. ليس لأنّهم يخافون منكم، يا سكان جامعة الدول العربيّة، فأنتم لا تخيفون أحد. فقد حدث في بدايات القرن العشرين أن ثارت مشكلة الحدود بين أمراء الخليج، نفد صبر السّير بيرسي كوكس، المندوب السّامي البريطاني، جمعهم في منطقة العقير، عنّفهم، كان عبدالعزيز آل سعود بالذّات يبكي أمام المندوب السّامي مثل طفلٍ عنّفهُ أبيه، فيما بعد أخذ السير بيرسي كوكس عصًا، رسم خطّا على خريطةٍ مرسومةٍ على الرّمال، وقال للجميع: هذه حدودكم، والآن انصرفوا.