تجارة آل سعود بالكعبة
بقلم / سامح عسكر
أمس أعلن الجيش اليمني استهداف مطار الملك عبدالعزيز العسكري في مدينة جدة بصاروخ باليستي طراز بركان واحد، وعلى الفور كانت ردة الفعل السعودية حملة إعلامية ضخمة تزعم استهداف مدينة مكة بدلا من جدة ، والهدف معلوم صناعة..”حشد ديني”..يدعم عدوان السعودية على اليمن باعتبار أن اليمني هذه المرة على عداء مع مكة وكل ما ترمز له من قدسية عند المسلمين.
سيكولوجيا خرج الاتهام السعودي لليمن بنزعة تكفير وإقصاء رافقت بداية عاصفة الحزم، فقد اجتاح شعور التكفير هذا مصحوبا بحملة عسكرية ضخمة موازية للحشدين الديني والسياسي معا، والهدف كان إنجاز الحرب بأي شكل ووسيلة تمكنهم من القضاء على الحوثي وصالح في أسرع وقت ممكن ..وبأقل الخسائر، لكن الآن وبعد 19 شهرا من الحرب لا زالت المعارك مشتعلة ، هذه المرة داخل حدود المملكة نفسها، إضافة لهدم نظرية الأمن القومي السعودي باستباحة الصواريخ اليمنية لأجواء المملكة وكان آخرها مدينة الطائف واليوم جدة..
والسؤال الأول: ألم يكف السعوديين ما أحدثوه من دمار وخراب في اليمن حتى يفكروا في (تصعيد ديني) هذه المرة؟
منذ الوهلة الأولى وطبيعة حرب اليمن كانت بمدلول طائفي عقيم ساد خطاب الساسة والقادة الخليجيون وقتها، وقد دفع ذلك باكستان للاعتذار عن المعركة كون أكثر من ربع سكان باكستان من الطائفة الشيعية، وكذلك اعتذرت مصر عن خوص المعركة البرية واكتفت بدعم الحرب إعلاميا وسياسيا وبحريا، إضافة لبعض التطورات الأخرى كانخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصادية السعودية كل هذا شكّل ضغوط كبيرة على صانع القرار في المملكة حتى خرجت قراراتهم متخبطة.
فلا هم خرجوا من الحرب بشكل مشرف يحفظ لهم كرامتهم، ولا هم أنجزوا أي شئ عسكريا حتى طالت الحرب مدن السعودية في الجنوب، حتى مدينة عدن التي زعموا تحريرها أصبحت وباء للقاعدة وداعش وانفلات أمني واجتماعي ، وسقوط مهين للبنية التحتية في المدينة، حتى أضحت عدن عبئا ثقيلا على العدوان ومصدر كبير لاستنزاف موارد السعودية والإمارات بصفتهم ممولي الحرب الرئيسيين.
السؤال الثاني: ما الذي يغري اليمنيين باستهداف رمز ديني كمكة المكرمة ولديهم معسكرات الجيش السعودي ومطاراته والنقط الاستراتيجية كمحطات الكهرباء والمياه والتحلية..إلخ ؟!
أبسط جواب أنه لن يفعل ذلك سوى (مجنون أو أعمى)
السؤال الثالث: ما نتيجة زعم السعودية استهداف مكة بصاروخ على المستويات الدينية والإقليمية والعالمية؟
في تقديري أن المملكة ستخسر بهذا التصعيد الديني، كونها حرصت طوال 19 شهرا على (تلطيف) أجواء المعركة داخليا، خشية تعظيم الضغوط عليها لإيقاف الحرب، فهي المستفيدة لو ظهرت معركتها اليمن أقل خطورة على الدين وعلى الشعوب، لكن بهذا التصعيد يعني أن حرب اليمن وصلت (لمنطقة خطرة) وبالتالي أعباء داخلية وخارجية على صناع القرار تلزمهم بإيقاف الحرب قبل خروجها عن السيطرة.
السؤال الرابع: هل شيطنة السعودية للحوثي وصالح جديدة أم قديمة؟..وماذا كانت نتيجة شيطنتهم السابقة؟..وهل أثر ذلك على رفض المجتمع الدولي للحرب وتحول اليمن لقضية إنسانية؟
شئنا أم أبينا لن تصل صورة الحوثي وصالح وشعب اليمن الشمالي -والطائفة الزيدية تحديدا- لصورة أكثر قتامة مما هي عليه الآن في الإعلام الخليجي ، وفي المثل المصري ..”ضربوا الأعور على عينه قال ما هي خسرانة خسرانة”..لأن موازين المعركة تغيرت وأصبح الميدان العسكري هو الفيصل إضافة لامتلاك الحوثي وصالح تأييد الملايين في الشمال، وقد نقلت الفضائيات صور مظاهراتهم التي سجلت من أكبر وأعظم التجمعات السياسية في تاريخ العرب..
السؤال الخامس: ما نتيجة الزعم السعودي باستهداف مكة على (الإيمان الإسلامي) ؟
أرى أن التصريح السعودي خدم الإلحاد والملحدين بشكل أكبر ما يتوقعه البعض، سيقولون أين ربكم والملائكة عن الكعبة؟ ..وهو سؤال مشروع سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الملحد، فالقاعدة الإسلامية المشهورة (للبيت رب يحميه) لم تعد فقط متعلقة بزمان عبدالمطلب، بل تاريخ المسلمين يشهد على هدم الكعبة واستباحة مكة في العصرين الأموي والقرمطي، ومؤخرا إبان تكوين دولة ابن عبدالوهاب في القرن 18، أما اليوم فأصبح السؤال المثير..أين الله؟!
إن أبسط توصيف لرد الفعل السعودي على الصاروخ اليمني أنه (تجارة بالدين) كما هي سمة ملازمة للعقل السلفي التقليدي، ولما لا والمتحكم في المشهد السعودي الآن هم شيوخ الوهابية الذين أدمنوا التجارة بقيم ورموز أخرى كالصحابة في سبيل إشعال الفتن المذهبية.
شيء مقرف أن تصل عقلية آل سعود لهذا الانحدار ، فبعد جريمتهم الأخلاقية بقصف قاعة العزاء في صنعاء وقتل وإصابة 700 يمني كل ذنبهم أنهم (مُعزّين) جاءوا اليوم بجريمة أخرى وهي اتهام مسلمي اليمن باستهداف مكة، وكأن الشعب اليمني ليس مسلما أو لم يحج في حياته ولو مرة، والدارس (للعقلية الفتنوية) قصيرة النظر لا يستبعد هذا السلوك عن آل سعود، فهم أشعلوا الحرب على فقراء اليمن بحجة إيران، رغم أن إيران أقرب إلى الرياض من صنعاء، ولكن حين تسود العنصرية شعب كامل حتى يخرج منه أكبر عدد من الانتحاريين لا تسألني وقتها عن قدسية..لأنه لا أعظم قدسية من حُرمة الدماء وفي الأثر أن دم الإنسان أعظم عند الله من حرمة الكعبة.
أخيرا: لقد وصلت حرب اليمن لنقطة فاصلة فإما التمادي في العدوان والغي وإما تحكيم العقل قبل انفلات الأوضاع بمواجهات دينية صريحة وعلى نطاق أوسع