الدور المناط بالجامعات في تحويل التحدّي إلى فرصة
بقلم / أحمد يحيى الديلمي
أمام عدوان همجي وغاشم طال كل مقومات البلد ومقدراته الإنتاجية والاستثمارية والتنموية، وحصار بري وجوي وبحري، ووضع اقتصادي صعب؛ تظل مسؤوليات الاكاديميين والمتخصصين في الشأن الاقتصادي ضرورة ملحة في توحيد الصفوف وتكامل الجهود ضمن جبهة الاقتصادية لمواجهة العدوان على بلدنا، والاستفادة من تلك التحدّيات الصعبة والظروف القاسية وتجاوزها بوضع الاسس السلمية لبناء اقتصاد قوي ومسقل لليمن الحبيب.
من المعلوم أن من وظائف الجامعات هي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وبهذا فإن الدور الرئيس المنوط بالجامعات وما تحتويه من خبرات أكاديمية وبحثية أن تنهض بمسؤوليتها وأن تتجه صوب تنفيذ وظائفها (البحث العلمي وخدمة المجتمع) بالمشاركة الفاعلة في إدارة الحاضر وتقييمه والاستفادة من تلك التحدّيات الصعبة والظروف القاسية وصناعة المستقبل بوضع الاسس السلمية لبناء اقتصاد قوي ومسقل لليمن الحبيب وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والعسكرية والتجارية، من خلال إعداد رؤية وطنية موحدة للمواجهة في كافة المجالات يكون أساسها البحث العلمي والتطوير المؤسسي والتكنولوجي، وذلك من منطلق الدور الوطني المناط بها في مواجهة العدوان الغاشم والحصار الجائر، فلا يخفى على أحد أن العدوان الأمريكي السعودي الصهيوني قد أمعن في استهداف وتدمير البنية التحتية للاقتصاد اليمني والمنشئات الاقتصادية والانتاجية للقطاعين العام والخاص وما صاحب ذلك من اجراءات تعسفية بتجريد البنك المركزي من الايرادات الرئيسة في سياق الاتجاه نحو التدمير الممنهج للاقْتصاد الوطني.
وكما أشار السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطاباته السابقة إلى أن اليمنيين معنيون بالتحرك على كافة المستويات، وأشار إلى أن هناك الكثير من الأمم الغير مسلمة تحركت وولدت من مخاض أحداث كبرى وأوجاع كبرى ومجاعات وقتل وحروب وواقع أسوأ مما نحن فيه، مخاطباً الأكاديميين أن ينشطوا في النشاط الميداني بين أَوْسَاط المجتمع ووفق رؤية مدروسة وتحرك واضح، ليقدموا الدروس والعبر والأمثلة والشواهد للأمم الأُخـرى، وأن يتحركوا بجّدية عالية في الاسهام في كُل المجالات بحكم اختصاصاتهم وعلى المستوى الاقتصادي من منطلق تحويل التحدّي إلى فرصة كما فعلت ذلك شعوبٌ سابقة ونجحت.
وفي سياق تجارب الشعوب السابقة؛ فقد كانت التجربة اليابانية ضمن عدة تجارب أخرى أبرز مثال تطبيقي في تحويل التحدّي إلى فرصة، فالكل يعلم أن اليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي مدمرة بشكل كامل، لا اقتصاد، لا موارد، لا بنية نحتية، ولم تبق لهم الحرب أي شيء، ولكن الشعب الياباني سطر أحرف من نور في تاريخه على الرغم من ما كانوا فيه من بؤس ودمار في ذلك الوقت، وسرعان ما خرج من معركته التاريخية المجحفة متعافياً حين حاول تضميد جراحه، وأصبح الشعب المضطهد يقهر أعداءه في المجال الاقتصادي واعتلى الصدارة في الاستثمار والإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي الياباني، ووصلت حدود هذه النهضة إلى مستوى جعل المنتج الياباني يفرض نفسـة عالميا حتى في الأسواق الأمريكية نفسها وهو الشعب المنكوب ولا يمتلك مقومات النهوض الاقتصادي نظرا لندرة موارده، وقلّة إمكانياته، وصعوبة الاستثمار في أراضيه التي لا تصلح للزراعة وليس فيها ثروات طبيعية كما هو الحال في اليمن والدول العربية والاسلامية؛ بيد أن القضية والمظلومية جعلت الرجال يزعون على شرفات المنازل وفي قوارب الصيد.
وكانت أهم الاسباب التي جعلت اليابانيين يتفوقون وجود قيادات تهتم ببناء شعوبها وتحرص على هويتها الوطنية وتعمل على تجسيد العداء للأعداء الذين دمروا حضارتهم وضربوا بلادهم فكانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، لاسيّما وأن الدافع ورائها نفحة الظلم والكبت الذي عاشه اليابانيين حين دفعوا ثمن حريتهم أكثر من نصف مليون نسمة بضربتين أمريكيتين نوويتين سحقت مُدنهم وناثرت منازلهم حيث بقيت آثارها ممتدة ومشاهده في الأجيال اللاحقة، لكنها كانت نفحة في وجهتها الصحيحة استطاعت أن تحّول التحدّي إلى فرصة.
وبالمثل عاش – ومازال يعيش – اليمنيين مظلومية حقيقية لم يسبق لشعوب العالم أن عاشتها خلال القرن الحادي والعشرين حيث عشرات المجازر الجماعية وأطنان من المتفجرات النيترونية والفراغية وسيول جرارة من الدماء البريئة والطاهرة التي سفكت دون وجه حق، فيما تظل شرايين الأحياء تنبض بالعزيمة والاصرار وقد اُعيدت لها بعضا من هويتها الغائبة وكرامتها المسلوبة وانطلقت بهمّة أكبر وصمود اعظم باحثة عن مكامن القوّة وعوامل الانتصار وكأن لسان حالها يقول: سننتصر رغماً عن النصر ذاته.