الخبر وما وراء الخبر

الراتب .. ومعركة تركيع اليمنيين

158

بقلم / عباس السيد

تعود أولى محاولات استخدام الراتب كسلاح لتركيع اليمنيين ، إلى النصف الثاني من عام 2014 ، حينما اعلن مسؤولون في حكومة خالد بحاح في أكثر من مناسبة ، عدم قدرة الحكومة على دفع مرتبات الموظفين . وكان الجدل يدور فقط حول ما إذا كان العجز سيبدأ في الأشهر الأخيرة من 2014 ، أم من يناير 2015م.
وقد شارك المبعوث الدولي السابق الى اليمن ، جمال بنعمر، في تكرار نفس التوقعات في أكثر من تصريح ، وكان بمثابة مكبر الصوت لتلك التحذيرات كي يتم أخذها على محمل الجد .
وفي مقال لوزيرة الإعلام آنذاك ، نادية السقاف ، نشر في صحيفة الجمهورية ، أوشكت السقاف أن تختتم مقالها بجملة ” لله يا محسنين ” لكنها استبدلتها بـ ” السعودية لن تتخلى عنا ” .
المثير أن تلك التحذيرات والتوقعات جاءت في الوقت الذي كانت فيه الحكومة اليمنية تحظى بتأييد ودعم دولي لم تنله أي سلطة يمنية من قبل ، وفي ظل سيطرة الدولة وإدارتها لكل ثرواتها ومواردها .
فما حقيقة تلك التحذيرات والتوقعات ، ماهي أهدافها في تلك المرحلة ، وما علاقتها بأزمة المرتبات الحالية .؟!.
وبمقارنة الأوضاع الاقتصادية الحالية بالتي كانت سائدة آواخر 2014 ، يمكن القول أن تلك التحذيرات كانت جزءا من الخطة التي يسعى الخارج لتنفيذها ، عبر حلفائه في السلطة ، وكان الراتب فيها ، وسيلة ابتزاز وإلهاء لتمرير مخطط الأقلمة ومشروع الدستور  بهدوء ودون ضجيج .
فحين تعجز الحكومة عن دفع الرواتب ، وتتولى المملكة دفعها ، سيلتزم الجميع الصمت ويحمدون الله والمملكة ، ولن يجرؤ أحد على معارضة ما يتم الاتفاق عليه في كواليس الداخل والخارج . فهو بمثابة مريض ، عليه أن يمتثل لما يقرره أطباء السياسة الخبثاء .
أحبطت ثورة 21 سبتمبر 2014 ذلك المخطط، لكن السلطة التي باتت في حضن حلفائها في الخارج عادوا مرة أخرى إلى نفس الوسيلة ـ الابتزاز بالراتب ـ لاستكمال تنفيذ نفس المخطط ، بعد أكثر من عام ونصف من استخدام القوة العسكرية .
وبغض النظر عن إمكانيات السلطة الحالية التي يقودها المجلس السياسي الأعلى وقدرتها على استئناف دفع المرتبات من عدمها ، فالمشكلة الاقتصادية والعجز في تسليم الرواتب مشكلة معقدة، وهي فوق طاقة أي حكومة وأي جماعة تدير بلدا . كما أن أسباب المشكلة وأطرافها الداخلية والخارجية معروفة للجميع.
والمثير للاستغراب، أن يطالب البعض بالراتب بمعزل عن كل تلك الأسباب وأطرافها ، وأن يعتبرها آخرون مجرد ذرائع للتنصل من المسؤولية وابتزاز لمن يطالبون برواتبهم ، وكأن العدوان والحصار الشامل المفروض على الوطن مجرد مسلسل تراجيدي يعرض على التليفزيون منذ قرابة عامين .
وبدلا من المشاركة في تقديم حلول ومقترحات، انضم كثير من الإعلاميين والسياسيين إلى طابور المطالبين بالرواتب ، وعلى طريقة : إحلبي وِلّا السكين.
نعم الراتب شيء مهم.. وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق . ولكننا  أمام عدو يقطع الاثنين معا . يهلك الحرث والنسل . يقتل الغني والفقير ، الكبير والصغير يدمر المساكن والمقابر .
متى يعي هؤلاء أنه لولا التضحيات التي يقدمها الأبطال في الجبهات لكانت مطالبهم الآن مختلفة جدا فيما لو تمكن الأعداء من اقتحام المدن واستباحة كل شيء فيها .
لم نستوعب بعد حجم المحنة التي يمر بها وطننا ، والتي لم يسبقه اليها أي بلد في العالم . ومن سخرية الأقدار أن يختزلها البعض بتأخر صرف الراتب فيبدو مثل رضيع يصرخ حين تسقط زجاجة الحليب من فمه.