الخبر وما وراء الخبر

حملة التضامن مع البنك مدخل لإصلاحات هامة أخرى

164

عبد السلام يحيى المحطوري

ليست التبرعات والودائع هي وحدها الأكثر أهمية وفائدة في دعوة السيد عبدالملك الحوثي للتضامن مع البنك المركزي، ففي الجانب الآخر هناك مبالغ كبيرة وبالمليارات من العملات المحلية والأجنبية تخص المواطنين، مودعة في البريد وفي البنوك الأهلية( تجارية وإسلامية)، كانت قد بدأت تتعرض للسحب التدريجي خلال الأشهر الماضية واحتفظ التجار وأصحاب رؤوس الأموال بمدخراتهم وأموالهم في الخزنات الخاصة بدلاً عن حساباتهم في البنوك، كنتيجة للوضع المالي والنقدي الصعب للحكومة وللبنك المركزي على وجه التحديد، والناجم عن الحرب والحصار الاقتصادي الشامل ، وما نتج عن ذلك من عجز كبير في ميزانية الدولة، وتآكل مخزون البنك المركزي من العملة المحلية، وقرار الفار هادي المدعوم من تحالف العدوان، بنقل مهام وصلاحيات البنك المركزي من العاصمة صنعاء، والذي يأتي في سياق الحرب الاقتصادية، كل ذلك أسهم في شيوع حالة من القلق واهتزاز ثقة قطاع رجال المال والأعمال في البنك المركزي وفي البنوك الأهلية في ذات الوقت.

وفي ظل ذلك الوضع جاءت دعوة السيد عبدالملك الحوثي والتي قابلها الشعب اليمني العظيم باستجابة كبيرة قل نظيرها، لتزيل المخاوف والقلق لدى أصحاب رؤوس الأموال ولدى قطاع المودعين من مختلف المستويات، وتعيد الثقة مجددا في القطاع البنكي والمصرفي، وقبل ذلك في البنك المركزي اليمني، وكان من أهم نتائج تلك الدعوة أن بقيت الودائع والأموال في البنوك والبريد ولم تسحب، بل تم تعزيزها بإيداعات جديدة خلال حملة دعم البنك التي لازالت مستمرة إلى اليوم، ولولا تلك الدعوة لكانت النتيجة الحتمية انهيار منظومة البنوك بكاملها، ولشكلت أكبر كارثة وخسارة اقتصادية ومالية للاقتصاد الوطني بشكل عام، وكارثة اجتماعية لمئات الآلاف من المواطنين ممن لديهم أموال في القطاع البنكي والمصرفي بصفة خاصة وغالبيتهم من أصحاب الدخول المنخفضة، وكل ما يملكونه من مدخرات مودعة في البنوك المحلية.

ومع كل النتائج الإيجابية لدعوة السيد عبدالملك والتي أعادت الثقة للبنوك، إلا أن جوهر المشكلة في الوضع المالي والنقدي للاقتصاد اليمني يتمثل في العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، والذي تضاعف وتضخم بسبب الحرب والحصار ووصل في العام 2015م إلى (908) مليار ريال، ويمثل مبلغ العجز هذا ما نسبته 15% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنفس العام، وهي نسبة مرتفعة بكل المقاييس وتتجاوز الحدود الآمنة ولها انعكاساتها على الدين العام الحكومي الداخلي الذي سيكبر بنفس القدر، لولا أن هذا يأتي في ظروف الحرب الاستثنائية لما كان مقبولا بأي حال من الأحوال.  وفي سياق الحديث عن العجز ومخاطره يجمع الاقتصاديون على اختلاف مذاهبهم أن ضبط العجز في ميزانية الدولة يعد شرطا أساسيا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في أي بلد، وبدون ضبط العجز في حدوده الآمنة فستظل مخاطر حدوث أزمات مالية ونقدية واقتصادية واجتماعية قائمة، ستتعدى مظاهرها وآثارها مجرد عدم القدرة على دفع المرتبات والأجور إلى ذهاب الاقتصاد الوطني نحو كساد اقتصادي كبير، يشمل مجمل الأنشطة الاقتصادية، يتزايد معه أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، وتتراجع معدلات الاستثمار وتتوقف العديد من المشاريع والأنشطة الاقتصادية عن الإنتاج بسبب ذلك، وبسبب تراجع الانفاق العام من الموازنات العامة بصورة عامة، والذي يعد أحد أهم محركات الطلب الكلي على السلع والخدمات، ومن هنا تأتي أهمية الالتفات الجاد والسريع إلى المشكلة الجوهرية في الأزمة المالية والنقدية القائمة المتمثلة في عجز الموازنة وذلك من خلال:

– تحصيل مورد الموازنة العامة للدولة من الأوعية الضريبية وفقا للقوانين النافذة.

– بذل المزيد من الجهد في مكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي.

– أن يرافق ما سبق إجراء إصلاحات ضريبة وجمركية مدروسة واستثنائية يكون قطاع المال والأعمال مشاركا فيها ومعينا على تنفيذها في ذات الوقت باعتبار الجميع في سفينة واحدة، على ألا يترتب على تلك الإصلاحات أعباء إضافية على معيشة المواطنين ومتطلباتهم الأساسية، وتراعي في ذات الوقت متطلبات الأنشطة الاقتصادية من المواد الخام ومستلزمات الانتاج، وأن تهدف الإصلاحات إلى حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الخارجية غير العادلة ومواجهة سياسة الإغراق التجاري من السلع والبضائع الأجنبية والتي عمدت إليها السعودية والإمارات منذ سنوات، وأثرت بشكل كبير على الإنتاج المحلي، خاصة في ظل العدوان والحرب الاقتصادية والحصار الشامل المفروض على اليمن منذ ما يقارب العامين.