السعودية تفقد توازنها – ناصر قنديل
ناصر قنديل – صحيفة “البناء”
– نَدَرَ أن تكون السعودية في يوم واحد محور، كلام وردّ كلام وتوضيح وتوضيح للتوضيح، وفي ثلاثة مواضيع منفصلة، في يوم واحد، وهذا أمر نادر الحدوث مع دولة كرتونية فاقدة للتقاليد والحصافة، ويقودها أولاد مراهقون ومبتدئون في السياسة، وأقلّ ما يوصف به مسؤولو دولة تصاب بهذا النوع من الهذيان بالخفة وقلة الأهلية، والصبيانية وانعدام الخبرة، أو إذا كانت الدولة من الدول المعروفة بمحافظتها وبرودتها وصعوبة النطق لديها، فيكون الحال هو الإصابة بالهستيريا، وفقدان الأعصاب، وانعدام السيطرة على الموقف، والإصابة بالارتجاف، واصطكاك الركب، وميلان محور العين، وارتخاء الشفة، وهي أعراض الشلل الارتعاشي، الذي يصيب السعودية مع خسارة أموالها وجاهها في مقامرَتَيْ سورية واليمن.
– في يوم واحد غرّد القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري، قائلاً: «وزير خارجية لبنان جان عبيد حكيم وزراء الخارجية العرب»، مستذكراً فيها ما قاله سابقاً وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، ليعود ويوضح بتغريدة أخرى أنّ ما قاله حول جان عبيد كان «في إطار توثيق سلسلة من الأقوال المأثورة لسمو الأمير سعود الفيصل لا يحتمل الكثير من الاجتهادات». وبعد أن شغلت التغريدة الأولى والتوضيح الذي تبعها الأوساط الاعلامية والسياسية والتفاعل الكبير الذي رافقهما على وسائل التواصل، قام البخاري بحذف التغريدة واستبدلها بأخرى قال فيها: «لقد تمّ حذف التغريدة بسبب سوء تفسيرها وخروجها عن مقاصدها» والتوضيح وتوضيح التوضيح ليسا إلا علامة التخبّط في كيفية مقاربة حركة الرئيس سعد الحريري نحو ترشيح العماد ميشال عون، والقول بادّعاء الحرفة بما لا يشبه السلوك السعودي أنّ الحريري يغرّد خارج السرب، وإلا مَن يصدّق قيام القائم بالأعمال بتوثيق الأعمال الكاملة لوزيره الراحل بتغريدات على «تويتر»؟
– في اليوم نفسه نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول حكومي مصري قوله إنّ شركة «أرامكو» الحكومية السعودية للطاقة أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية شفهياً بالتوقف عن إمدادها بالمواد النفطية. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه في اتصال هاتفي مع وكالة رويترز: «أرامكو أبلغت الهيئة العامة للبترول بعدم قدرتها على إمداد مصر بشحنات المواد النفطية»، ولم يخض المسؤول في أيّ تفاصيل عن أسباب توقف «أرامكو» عن تزويد مصر باحتياجاتها النفطية أو المدّة المتوقّعة وفقاً لرويترز، إلا أنه تابع: «مصر ستطرح عدداً من المناقصات لشراء احتياجات السوق المحلي من الوقود. هيئة البترول في مصر ستعمل على تدبير أكثر من 500 مليون دولار مع البنك المركزي لشراء الاحتياجات، ويأتي القرار السعودي مصاحباً لحملة سعودية شعواء ضدّ مصر افتتحها الممثل السعودي في نيويورك على خلفية موقف مصر المتمايز عن السعودية تجاه سورية بعد تصويت المندوب المصري إلى جانب مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن. وبعد ساعات من انتشار النبأ، أصدرت أرامكو توضيحاً تقول إنّ خبر التوقف عن تزويد مصر بالنفط ليس صحيحاً، مبدياً أسفه لانتشار هذا الخبر وتصديق بعض المسؤولين المصريين لإمكانية قيام السعودية بوقف إمداد مصر بالنفط وهي تعلم حاجتها الماسة في هذه الأوقات، وما تعانيه من شحّ نفطي ونقص في الموارد، والتوضيح بذاته كافٍ لكشف صحة الخبر.
– في اليوم ذاته أيضاً، طلبت وسائل الإعلام المموَّلة والمشغَّلة من السعودية، خصوصاً القنوات الفضائية التي تحمل شعار «أن تعرف أكثر» بالحديث عن سيناريوات مختلقة لتفسير المجزرة السوداء التي ارتكبتها الطائرات السعودية في غاراتها على قاعة العزاء في صنعاء، ونظمت حملة عن مطالبات دولية ويمنية بالتحقيق لكشف الملابسات، والميل لتبني رواية التفجير المحلي الناتج عن خلافات يمنية يمنية. وصدر موقف للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي قبض مالاً سابقاً من الرياض لرفع اسمها من اللوائح السوداء الأممية في قضيتي استهداف المدنيين، وإلحاق الأذى بالأطفال. وقال بان كي مون إنّ الكارثة كبيرة، وإنّ السعودية ارتكبت جريمة حرب، وإنّ الإنكار لا يفيد، وإنّ الأدلة دامغة وأكثر من قوية، فقرّر الإعلام القائم على نظرية «أن تعرف أكثر» بتجاهل التصريح والخبر والأمين العام والأمم المتحدة، وبقي يتحدّث عن أنّ أهالي ضحايا العزاء لا يصدّقون تحريض الحوثيين والرئيس السابق، ضدّ السعودية ويطالبون بتحقيق.
– في يوم واحد تسقط السعودية، «دون أن يسمّي عليها أحد»، وتتخبّط وتنكشف فضيحة الهستيريا التي تعيشها منذ تجميد الأرصدة في أميركا، ليتبيّن أنّ مصدر التفكير والتوازن والمهابة، يأتي من كيس المال وليس من مكان آخر، بدا فارغاً خاوياً، تعصف فيه الريح عندما شحّ المال.