الخبر وما وراء الخبر

همسة حسينية لأهل المسيرة القرآنية

158

بقلم /هاشم أحمد شرف الدين

إلى كُلّ من هو من أهل المسيرة.. من أهل القرآن.. من ثقته بالله لا تهتز، وتصديقه بوعوده لا يداخله ارتياب..

إلى كُلّ من أقبل على المسيرة إقبال المحبين، لا طمعا في دنيا، ولا ابتغاء متاعها، ولا جريا وراء زائلها..

إلى كُلّ من يثق بأن الله ناصر أنصاره..

إلى عشاق الحسين عليه السلام..

إلى محبي الشهداء والطامحين للشهادة..

أقول:

لا تقلقوا.. فمن رحم الصبر يولد الفرج..

ودعوني وإياكم في هذه الأيام العاشورائية نستذكر السابقين للمسيرة فإن لنا فيهم عبرة تفيدنا في واقعنا اليوم، وما اشبه الليلة بالبارحة..

أولئك الذين كانوا يعانون شظف المعاش، غارقين في ذروة المشاق‏،‏ قليلا مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم‏؟

لكنهم لم يتراجعوا قيد أنملة عن مسيرتهم مهما كانت التضحيات..

اولئك الذين أدركوا عظمة المسيرة، واطمأنوا لقائدها المؤسس السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، الذي سكب في قلوبهم الهدى، صاقلا ضمائرهم بوهج محاضراته،‏ منيرا بصائرهم بسنا أخلاقه، فما حسبوا للآلام في سبيل الله ومسيرة القرآن حسابا‏..

وفي مقدمتهم “المكبرون” الذين كان يرسلهم السيد حسين إلى الجامع الكبير بصنعاء، الذين كانوا يتسابقون إلى الجامع ليهتفوا بشعار “الله أكبر – الموت لأمريكا – الموت لاسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام”، يذهبون راضين وهم يعلمون أن مصيرهم السجن والتعذيب، تماما كما كانت روحية من يرسلهم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله رسلا إلى المجتمعات وقادتها برسالة يدعوهم فيها للإسلام، فيمضي رسوله وهو يعلم أنه قد لا يعود بعدها، حيث أنها مهمة قد تكون فيها نهايته..

كانوا يمضون لتأدية المهمة، لأنهم آمنوا بالله ربا، وبه رسولا، وسعدوا برسالته‏، حيث أنقذهم من براثن الشرك والضلال..

حوصر أهل المسيرة في “صعدة”، ولوحقوا حيثما تواجدوا، وضيق عليهم في الرزق‏، ولاكتهم ألسنةُ الباطل في السمعة، وحوربوا ظلما وعدوانا، وأوذوا من الناس، وعانوا من ظلم ذوي القربى، ومع هذا ظلوا يحبون مسيرتهم، وكانوا من الصابرين الذين يدركون عاقبة الصبر، فهانت عندهم كُلّ تضحية، ورخصت بأعينهم الدنيا بأكملها..

شنت عليهم الحروب، قتل منهم الكثير، وأسر الكثير، منهم من تم سحله وسحبه بالسيارات على الازفلت، ومنهم من غيب في غياهب السجون، ومنهم من صار شريدا مطارداً في العراء‏..

منهم من ابتكر الظالمون أساليب جديدة في تعذيبه،‏ وتنافس السجانون في التنكيل به‏، ومع هذا ظلوا مرتبطين بمسيرتهم يحبونها كُلّ الحب‏.‏.

منهم من سلبت داره، ومنهم من قتل أهله أو أرغم على فراقهم، منهم من فقدت زوجها أو ابنها، منهم من فقدوا آبائهم فصاروا أيتاما، منهم من سرقت أمواله، وخسرت تجارته، منهم من حرم من إكمال دراسته، منهم من مات دون أن يتمكن أهله من نقله للمشافي أو جلب الدواء له بسبب الحصار، ومع هذا لم يفرطوا في مسيرتهم..

فرضت عليهم الحرب الأولى، فلم يتخاذل أحد، وما تخلف منهم رجل، جميعهم قدموا إلى المعركة مدافعين عن مسيرتهم دفاع الرجال الصناديد، يبرزون بروز الحق الكامل للباطل كامل، فإما نصر باندحار المعتدين أو نصر بالاستشهاد..

ورغم فارق العدة والعتاد والعدد، واجهوا الدبابة بالكلاشنكوف، والطائرة بالدعاء، فيما الأطفال والنساء والعجزة صامدون في منازلهم، لا ينزحون، ومنهم من شاركن في الدفاع بطريقة أو بأخرى، واثقين بالله مطمئنين لوعوده مؤمنين بقضيتهم ومسيرتهم، مهما كانت النتائج، حتى وهم

يزلزلون – في الحرب الأولى – زلزالا شديدا‏، وتبلغ منهم القلوب الحناجر، ويظنون بالله الظنونا‏، ومع هذا ظلوا حول قائد مسيرتهم مدافعين إلى الرمق الأخير مطمئنين لتثبيت الله صابرين، وبحكمته راضين، حتى نال السيد القائد “حسين العصر” الشهادة وثلة من رفاقه، فأنبتت تضحياتهم بساتين وارفة يتفيّأ ظلالَ أشجارها من بقي من أهل المسيرة من أولئك “السابقين” ومن لحقوا بهم بعدها، تحفهم الأخطار من كُلّ جانب، لكنهم يتجمعون حول القائد الحسيني الجديد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، وله يسلمون، مستبشرين به، متجاوزين مرارة الآلام من أجل مواصلة المسيرة، متناسين جميع المشاق والمعاناة ليكونوا إلى جانب علم الهدى، ‏ الذي رأوا فيه جميع أوصاف أولياء أهل البيت عليهم السلام، وعلامات الهدى والتقى، والعمل بالقرآن..

السيد القائد الذي أفاض على نفوسهم من اليقين ما جعل كُلّ ألم يصبح وقودا يشتعل فيها، فيندفع الجميع في ركب المسيرة أيما‏ اندفاع.‏.

ورغم الآلام التي جاءت بها الحروب التي تلت الحرب الأولى للقضاء على المسيرة القرآنية، كان هذا السيد الشاب يبرد غليل القلوب بانتصاراته، يزيدها ثقة بحكمته، يقوي ثباتها بتحركاته وجديته، ويبلسم جروحها بحنانه، حتى تعاظم شأن المسيرة القرآنية – يوما فيوم – وكثر الملتحقون بها، الذين وجدوا فيها إثلاج صدورهم، وإفعام أرواحهم، ومجالا يتحركون داخله في سبيل الله، وانتماءاً عملياً للإسلام، يتجسد جهاداً متنوعاً في الميدان، وولاءاً وبراءاً، وسلامة وأمنا في دينهم، يفدونها بأرواحهم ودمائهم وكل غال ونفيس، وما اكثرهم الشهداء..

حتى جاء زمن انتصار المستضعفين، وتمكين الله لهم، رغم كثرة المؤامرات التي حاكتها ونفذتها قوى الاستكبار العالمي، ومنها هذا العدوان السعودي الأمريكي الذي يشن على اليمن، والعاجز – منذ عام ونصف – عن تحقيق هدف رئيسي له هو القضاء على المسيرة القرآنية وأهلها، في محاولة لإطفاء نور الله، ولكن هذه المسيرة – المعبرة بصدق عن الدين الحق – مكتوب لها الغلبة، مكتوب لها الظهور في العالم كله وإن تآمر المتآمرون، ومهما كانت وحشية الجرائم التي يرتكبونها..

وانظروا كيف صارت المسيرة القرآنية وكيف برز قائدها، وكيف انتشر أهلها، ومنهجها حتى باتوا جميعا حديث العالم كله رغم هذا العدوان..

وتذكروا كيف كان حال أهل المسيرة في صعدة سابقا وكيف أصبح في اليمن عموما..

وأنظروا إلى حالنا اليوم في اليمن وتصوروا كيف سيصبح في العالم كله في المستقبل..

لكن.. لننتبه.. فالنصر مشروط بشكرنا لله تعالى، بأن يكون شكرا عمليا عبر تحرك جهادي مسئول واعي ومستمر في مواجهة العدوان، والاستجابة السريعة لكل دعوة يطلقها قائد المسيرة ومنها في الوقت الراهن بدعم البنك المركزي، لنبرهن عن حبنا لمسيرتنا القرآنية وانتماءنا لها، ولنؤكد تسليمنا لهذا القائد الذي نحمد الله تعالى على أن هيأه للأمة قائدا حسينيا في هذا الزمن يبغي الحرية والكرامة والعزة للمسلمين، فيقض مضاجع الظالمين وينتصر للدين والمستضعفين، فيتحقق النصر على يديه بإذن رب العالمين..

يقول تعالى:

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ..

ويقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ..

صدق الله العظيم

السلام على الحسين السبط..

السلام على حسين العصر..

السلام على السيد القائد..

السلام على الشهداء..

السلام عليكم أهل المسيرة القرآنية.