الخبر وما وراء الخبر

هل ” آرامكو ” سعودية؟ .. تحقيق يكشف المستور!

352

ذمار نيوز : الرابط

في مقابلة مع مجلة الإيكونومست البريطانية في 4 يناير 2016، أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي و”رئيس المجلس الأعلى لأرامكو السعودية” أن حكومة بلاده تدرس فكرة خصخصة الشركة المملوكة للدولة بطرح أسهمها للاكتتاب العام. بعد ذلك بأيام ، أصدرت “أرامكو-السعودية” بيانا بأنها تجري دراسة طرح “نسبة ملائمة” من أسهمها في “أسواق المال العالمية”، تبعه “توضيح” من رئيسها التنفيذي بعزم الحكومة السعودية، مبدئياً على الأقل، الاحتفاظ ب”حصة مسيطرة” من الأسهم.

لكن هناك حقائق تثير تساؤلات مشروعة تلقي ظلالاً من الشك على مدى صحة زعم الحكومة السعودية أن شركة آرامكو، ابتداء من 1980 تحوّلت من شركة أمريكية إلى مؤسسة البترول الوطنية التي تملكها وتديرها الحكومة السعوديه. وهذه الحقائق تشمل،على سبيل المثال، عدم إدراج أرامكو ضمن قائمة ميزانيات المؤسسات الحكومية في بنود الميزانية العامه للدولة، تصنيف الكونجرس الأمريكي وحيثيات أحكام قضائية صدرت من محاكم فيدرالية بما في ذلك المحكمة الفيدرالية العليا، أرامكو بأنها شركة أمريكية خاضعة للقوانين الأمريكية، كذلك استثناء أرامكو من تطبيق القوانين السعودية السارية على الشركات العامة والخاصة التي تعمل على أراضيها، والأهم عدم نشر النص الكامل لبنود اتفاقية 1980 وملاحقها المبرمة بين الحكومة السعودية ومالكي شركة أرامكو.

في 29 مايو 1933 أبرمت الحكومة السعوديه اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط مع شركة “سوكال” الأمريكية. ولهذا الغرض قامت سوكال في نوفمبر من نفس العام بتشكيل شركة “كاسوك” كذراع لها لتنفذ وتدير باسمها ما تم الاتفاق عليه مع الجانب السعودي. بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية في نهاية الثلاثينات،انضم إلى سوكال (المعروفة حاليا باسم شيفرون) ثلاث شركات نفط أمريكية أخرى عرفت فيما بعد ب تكساكو،اكسسون وموبل. وفي 1948 جرى تغيير اسم كاسوك إلى “شركة الزيت العربية الأمريكية” شكّلت الاحرف اللاتينيه الاولى (أرامكو- Aramco) الاسم الرسمي لأكبر شركة نفط في العالم. اتفاقيه 1933 التي أعلنت تفاصيلها ونشرت بنودها في حينه، منحت أرامكو حق امتياز 60 عاما للتنقيب عن وإنتاج وإدارة وتسويق النفط،الغاز الطبيعي والمعادن على مساحة 360 ألف ميل مربع،ما يعادل تقريبا نصف مساحة المملكة، تشمل كامل النصف الشرقي من البلاد والربع الخالي. في 1939 جرى التوقيع على اتفاقية ملحقة مدّدت فترة الامتياز إلى مدّة غير محددة ووسّعت مساحة الامتياز لتشمل تقريباً معظم الأقاليم البرية والبحرية الخاضعة للسيادة السعودية باستثناء أجزاء محيطة بمكة والمدينه في الحجاز.في المقابل تحصل الحكومة السعوديه على “رسوم تأجير” سنوية بالإضافة إلى نسبة من الأرباح بدأت ب 15% لتصل تدريجيا إلى 50% في بداية السبعينات.

تحت ضغط عمليات تأميم للمصالح الأجنبية التي اجتاحت عدداً من الدول العربية مع نهاية الخمسينات حدثت اضطرابات عمالية سعودية في منشآت الشركه نفسها، مما أجبر الحكومة السعودية في 1972 إلى الشروع، كبديل للتأميم، بالدخول في سلسلة مفاوضات طويلة مع أرامكو بهدف ” شراء أسهم” الشركة تدريجيا وانتهت في 1976 بتوقيع ما يعرف باسم “اتفاقية مشاركة” (أو اتفاقية عامة) تعطي السعوديه ملكية كاملة لها خلال أربع سنوات. في 5 سبتمبر 1980،أعلنت الحكومة السعوديه، من طرفها ، أنها استكملت شراء 100% من أصول شركة أرامكو. وعلى عكس اتفاقية الامتياز الأساسية لعام 1933، لم يتم الإعلان عن كامل نص بنود اتفاقية المشاركة حيث أخبررئيس مجلس إدارة والمدير التنفيذي لأرامكو آنذاك، السيد جنقرز، السفارة الأمريكية في جدة بأنها، أو بنود منها، ستبقى قيد “الكتمان”. وجاءت المعلومات المتوفرة عن هذه الاتفاقية بشكل أساسي من مصادر حكومية سعودية وصحفية أشارت أن أرامكو أصبحت منذ 1980 الشركة الوطنية للبترول في المملكة العربية السعودية. وما دعم هذا الانطباع هو صدور أمر ملكي في 1988 أعلن الاسم الجديد الرسمي للشركة “أرامكو-السعودية”. وفي ملاحظة ذات دلالة اتضحت فيما بعد، لم تحل كلمة “السعودية” أو تلغ الاسم الأول الأمريكي، بل جاءت بعده كمضاف إليه.

إلا أن نظرة تحليلية عميقة تكشف حقائق وتساؤلات تشكك في صحة زعم الحكومة السعودية والاعتقاد السائد في أوساط عالم الاقتصاد والإعلام، أن أرامكو حقا شركة وطنية سعودية تملكها الدولة السعودية،كلياً أو جزئياً، وتشير،بدلاً عن ذلك، أن “أرامكو” أو “أرامكو- السعودية” لا تزال،كما كانت دائما،شركة عابرة للحدود، أمريكية الأصل والمنشأ والجنسيّة، وتخضع حصريا للقوانين الأمريكية.

أولاً: ” أرامكو-السعودية” ،كما أرامكو قبل 1988،لا تدرج، ولم تدرج أبدا، ضمن بنود”ميزانيات القطاعات العامه” في ميزانية الدولة السعودية وهو ما يفترض أن يتم بخصوص أكبر وأهم المؤسسات الحكومية التي تدير أهم مصادر الدخل القومي للبلد.فعلى سبيل المثال نشرت وزارة المالية السعودية في موقعها الرسمي”قرار ميزانيات القطاعات العامة” الذي أصدره مجلس الوزراء بمصادقة ملكية مع إعلان ميزانية 2014-2015 يقتصر فقط على إيراد” المؤسسات العامة ذات الميزانيات الملحقة بالميزانية العامة للدولة” أل 57 بالاسم والتفصيل مثل الهيئة الملكيه للجبيل وينبع المتخصصة في صناعة البتروكيمائيات. إن عدم إلحاق ميزانية “أرامكو-السعوديه”، كمؤسسة عامة بالميزانية العامه، يعني أن لها ،في أحسن الاحوال، وضعاً قانونياً مبهماً ينفي عنها صفة كونها كياناً حكومياً مملوكاً للدولة. ويبدو أن عدم إدراجها في ميزانية الدولة السنوية يأتي وفقاً لبند وارد في اتفاقية المشاركة حيث كان هناك تعهّد في بداية المفاوضات من الحكومة السعودية بعدم إدراج الشركة في ميزانية الدولة العامة رغم معارضة شديده من قبل وزير المالية، كما أفاد رئيس فريق المفاوضين السعوديين، أحمد زكي اليماني، وزير البترول السعودي آنذاك.

ثانياً: تعريف الكونجرس الأمريكي وهو السلطة التشريعية في الولايات المتحدة، والمحاكم الفيدرالية، بما فيها المحكمة الفيدرالية العليا، لشركة أرامكو أنها شركة أمريكية تخضع للقوانين الأمريكية وذلك بعد مرور سنين طويلة على إعلان امتلاك الحكومة السعوديه لها . فالنشرة الرسمية للكونجرس، كونجراشينال كوارترلي، تصف شركة أرامكو بأنها ” أضخم استثمارأمريكي فردي فيما وراء البحار”. وفي منتصف 1991، أي بعد مرور أكثر من عشرات سنوات على إعلان الحكومة السعوديه بتملكها الكامل لشركة أرامكو، صدر حكمان قضائيان، على الأقل، من المحاكم الفيدرالية الأمريكية في قضيتين منفصلتين كانت “أرامكو” طرفا فيهما. تضمنت حيثيات كلا الحكمين تعريفا صريحا بأن أرامكو شركة قائمة أمريكية المنشأ والجنسية تخضع للقوانين الأمريكية. ولم يكن هذا نقطة خلاف في القضيتين المنظورتين،كما أن الحكومة السعودية لم تدخل طرفا في أي منهما.

ففي القضية الأولى، أصدرت المحكمة الفيدرالية العليا في الولايات المتحده رأيها في 26 مارس 1991 في قضية رفعها مواطن أمريكي ضد شركة أرامكو بأنه كانت ضحية تمييز، عندما كان يعمل في إحدى منشآتها في السعودية. وقد عرّف رأي المحكمه المدعى عليها،أرامكو وفرعها شركة أرامكو للخدمات ،بأن كلاً منهما 🙁 رب عمل أو مشغّل أمريكي) وأنهما: ” شركتان مسجلتان في ولاية ديلاوير، شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) قاعدتها الرئيسيه في الظهران، المملكة العربية السعودية، وفرعها شركة أرامكو للخدمات (ASC) قاعدتها الرئيسيه في هيوستن، تكساس”.

وفي قضية تالية بتاريخ 30 أغسطس 1991 رفعت أرامكو قضية ضد أحد المتعاقدين الأمريكيين معها. وقد عرّف أرامكو، بصفة المدعي، نفسها أنها شركة أمريكية مسجلة في الولايات المتحدة. وفي حكمها لم تكتف محكمة الاستئناف الفيدرالية للمقاطعة الحاديه عشرة بتأكيد أنها شركة أمريكية بل، وهو الأهم ، أشارت إلى السبب القانوني أيضا: ” أرامكو هي شركة مسجلة في ولاية ديلاوير قاعدتها الرئيسيه الظهران، المملكة العربية السعوديه…في الثمانينات اكتسبت السعودية ملكية مفيدة لمعظم أسهم ومنشآت أرامكو. أرامكو احتفظت بالملكية القانونية للأصول المرتبطة بالتنقيب، التنجيم وإنتاج الزيت، وكذلك بمسئولية إدارة هذه الأصول لفائدة المملكة العربية السعودية مقابل رسوم لهذه الخدمة”. وقد بنت المحكمة، كما ورد في نص الحكم، تعريفها هذا بناء على وثائق قانونية أساسية عرضها”استدعاء رقم 60″ القاضي بالحصول على: ” نسخ من كل الاتفاقات التي أبرمت بين مجموعة الشركات الأمريكية، ملاّك شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) المالكين الأصليين للأسهم وبين المملكة العربية السعودية ووكلائها أو ممثليها الملكيين أو أعضاء العائلة الملكيه”.

يصنف الحكمان القضائيان كلاهما أرامكو كشركة أمريكية وليست سعودية أو ثنائية الجنسيه. ويكشف الحكم الثاني أن الحكومة السعوديه تملك أغلبية، وليس جميع أصول الشركة، و أنها تدار من قبل الشركة مقابل رسوم تدفعها لها الحكومة السعوديه. ويبدو أن هذه الرسوم،التي لم يتم تحديد قيمتها، تخصم من “الأرباح” التي تدفعها الشركة للحكومة السعودية، والتي حددها أحد الخبراء السعوديين، الذي كان حتى عهد قريب مسؤولاً كبيراً في إدارة التخطيط والميزانية في الشركة، ب85%. والأهم من كل ذلك، فإن الحكم القضائي الثاني يؤكد أن شركة أرامكو احتفظت بحق الامتياز الحصري الذي حصلت عليه في 1933 و1939 للتنقيب عن وإنتاج النفط والغاز الطبيعي والمعادن على أراضي المملكه السعوديه، وكذلك أيضا مسؤولية إدارة الأصول (الأسهم و المنشآت) التي اكتسبتها الحكومة السعودية، كمالك مستفيد، نتيجة اتفاقية 1976 مقابل أجر تدفعه الحكومه السعوديه للشركه يخصم من نسبة الأرباح التي تجنيها من الشركة. وعليه لا يحق، وفق بنود الاتفاقيه، للحكومة السعودية أن تمنح أي امتياز للتنقيب وإنتاج النفط والمعادن وإدارتها وتسويقها لأي شركة أخرى، سعوديه أو أجنبيه، في أي منطقة خاضعة لامتياز أرامكو التي، كما ذكرنا، تغطي معظم الأقاليم البرية والبحرية الخاضعة للدولة السعودية. وهذا قد يشكل، وفق قواعد القانون الدولي، انتقاصاً من سيادة الدولة على مصادر ثرواتها الطبيعيه، فضلاً عن كونه يشكل مخالفة صريحة للمواد ذات العلاقه (بما فيها المادة 14) في النظام الأساسي للحكم (الدستور) السعودي.

وبالتالي يتضح جلياً أن هذه الاتفاقية كانت، كما يستدل من اسمها، اتفاق مشاركة بين كيانين قانونيين مستقلين،لم يؤد إبرامها إلى إلغاء وجود طرف على حساب الآخر. فبموجب الاتفاقية اصبحت أرامكو، في أحسن الأحوال من وجهة النظر السعودية، شريكا للدولة السعوديه وليس جزءاً منها. بل إن اتفاقية المشاركة لعام 1976 تشكّل ، مثل اتفاقية 1939، اتفاقية ملحقة أخرى لاتفاقية الامتياز الأساسية لعام 1933.

ثالثاً: مما يدعم أمريكية أرامكو هو أن القانون السعودي، كما يظهر، لا يسرى على، أوعلى الأقل لا يطبق في حق الشركة حيث يقع مقرها الرئيسي وأصولها الثابته. فبينما لا تتردد الشركة بتنفيذ استدعاءات المحاكم الأمريكية المرفوعة ضدها، أو رفعها هي لقضايا ضد أشخاص أو هيئات، في قضايا حدثت على أراضي السعودية، نجد أن أرامكو تتجاهل تماماً حضور أي استدعاءات مماثلة تبلغ لها من الجهات الحكومية السعودية بما فيها الهيئات القضائية والتحكيمية، أو تنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقها ولا تكلّف نفسها حتى بإصدار بيان لتبرير سلوكها. وبدورها تتجاهل تماما الحكومة السعودية الالتماسات المرفوعة من الأطراف المدعيّة والمتضررة بإجبار الشركة على حضور الجلسات أو تنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقها.والإعلام السعودي مليء بتقارير تؤكد هذه الحصانة الخاصة التي تتمتع بها الشركة داخل البلاد. وتتجلى هذه الحصانة القانونيه في مناطق امتياز الشركة على كافة الأراضي السعودية. فبينما تمنع الأنظمة السعودية الاختلاط بين الجنسين وظهور المرأة بدون عباءة وحجاب في الأماكن العامه ومنعها من قيادة السيارة نشاهد عكس هذا تماما يمارس بشكل عادي في كل “مدن أرامكو” والمنتجعات والتجمعات السكنيه التابعة لأرامكو المنتشرة على سواحل الخليج (الفارسي) والبحر الأحمر وفي الداخل، والتي تبدو على شكل قرى أمريكيه تشاهد في أي ولاية من الولايات الأمريكيه.فضلا عن أن هذه التجمعات الأمريكيه تتمتع بأجهزتها الأمنية والخدمية المستقلة الخاصة بها مثل الشرطة،المرور والإطفاء وغيرها. وفي محضر “سري للغايه” للجنة وزارية عليا، سرّبه ويكيليس، تجري مناقشة تنفيذ “توجيهات الأمر السامي رقم 10214/ب وتاريخ 19/2/1431هـ المتعلق بالمحاذير الأمنيه الداخلية لزيارة الإعلاميين والرحالة والباحثين لمنطقة الربع الخالي” ويشير أن زيارات “وسائل اِلإعلام الغربية والأمريكية تحديداً يتم الترتيب لها عبر شركة آرامكو”، وليس من صلاحيات الجهات الأمنيه والاستخباراتية السعودية. كما أن الزيارات الخارجيه التي يقوم بها كبار مسؤولي الدولة من أعضاء الأسرة الحاكمه، تشمل ربما الملك نفسه تتم بغرض الحماية، على متن طائرات تابعة أو مسجلة باسم أرامكو أو بإشارات رمزية مسجلة مع هيئة الطيران المدني الأمريكي على أنها وسائل نقل أمريكيه ومنها كمثال، المستخدمة من قبل وزيري الخارجية والبترول. وبينما تمتنع عن إجبار أرامكو على تنفيذ أحكام قضائية سعوديه صادرة ضدها، لا تتأخر البتة الحكومه السعوديه في تنفيذ مطالب الشركة ضد أجهزتها الرسمية كما حدث، على سبيل الماثل ، في بداية عام 2015 عندما سحبت، دون الرجوع الى أمر قضائي، أراضي شاسعة جنوب مدينة الرياض من مشروع وزارة الإسكان لبناء وحدات سكنيه لذوي الدخل المحدود، وسلمتها للشركة لأنها تشكل جزء من منطقة تملكها تمتد جنوبا حتى الربع الخالي وشرقا حتى ساحل الخليج (الفارسي).

وبخصوص الوضع القانوني لشركة أرامكو على الأراضي السعوديه، لعله من المهم الإشارة إلى برقية عاجلة خلال المفاوضات موجهة من القنصلية الأمريكية في الظهران، مقر أرامكو، إلى وزارة الخارجيه في واشنطن، تستفسر عن الوضع القانوني للأشخاص من منسوبي الشركة من حملة تصاريح الإقامة الدائمة الأمريكيه، تقدموا بطلبات الحصول على الجنسية الأمريكية في حال إبرام اتفاقية المشاركة وسريانها وهم لا يزالون على الأراضي السعودية. وتسأل البرقيه عما إذا كانوا سيضطرون للعودة إلى الولايات المتحدة حتى لا تلغى تصاريح إقامتهم الدائمة في حال بقائهم فترة تجاوزت ستة أشهر خارج الأراضي الأمريكية كما يقتضي قانون الهجره والتجنيس الأمريكي. ويفهم من نص البرقية أنه كان، على الأقل حتى وقت إبرام الاتفاقية في 1976، يحق لموظفي أرامكو العاملين (غير الأمريكيين بمن فيهم السعوديين) في منشآتها على الأراضي السعودية التقدم بطلب الحصول على تصريح إقامة دائمة في الولايات المتحدة على أساس أنهم كانوا يعملون ويعيشون على أرض أمريكية. وكذلك أن الذين كانوا قد حصلواعلى تصاريح إقامة دائمة داخل الولايات المتحده والتحقوا بالعمل في أرامكو في السعوديه، لا يحتاجون إلى العوده الى أمريكا قبل انقضاء فترة غياب الستة أشهر التي يشترطها قانون الهجرة والتجنيس، كونهم أصلا متواجدين على أرض أمريكية.

رابعاً: الهيكل الإداري القائم للقيادة العليا لشركة “أرامكو- السعودية” المنشور على موقعها الرسمي، لا يتضمن ولا يشير إلى “المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعوديه-أرامكو السعودية” المعروف ب “مجلس أرامكو الأعلى” الذي يرأسه ولي ولي العهد السعودي، الذي أنشئ في مايو 2015 ليحل محل “المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن”، والذي كان يرأسه الملك، كونه هيئة حكومية سعودية، إذ لا تربطه، على ما يبدو، علاقة قانونية مباشرة بالشركة عدا كون رئيس مجلس إدارتها أحد أعضائه. لكن الهيكل الإداري يبيّن بوضوح أن منصب “المستشارالعام وسكرتير الشركة” يحتل المرتبة الثانية تراتبيا والأول من حيث الأهمية ويشغله دائما شخص أمريكي الجنسيه، يتم ترشيحه وتعيينه من قبل “مجلس الإدارة” ولاعلاقة للحكومة السعودية بهذا الموضوع البتة. والمستشار العام سكرتير الشركة ، حالياً السيد ديفيد كيلتجن، هو المدير الفعلي للشركة، يدير شؤونها اليومية، يصيغ ويراجع عقودها ومشاريعها ويقرر أجندتها لعرضها على مجلس الإدارة في اجتماعاته الدورية للموافقة عليها. وهو مسؤول شكلياً أمام رئيسه المباشر “الرئيس والمدير التنفيذي للشركة” وهو سعودي الجنسيه الذي قد يحمل أيضا الجنسية الأمريكية. وهو حاليا أمين حسن ناصر، وجرى تعيينه إثر إعادة التشكيل الأخير لمجلس الإدارة. وكان يعمل قبل ذلك نائب الرئيس للتنقيب والإنتاج. وتكشف وثائق ويكيليكس أنه خلال منصبه السابق كانت تربطه علاقة حميمة مع موظفي السفارة الأمريكية وقنصليتها في الظهران تصنفه كمصدر يحمي المعلومات عن السياسة النفطية للحكومة السعودية. أما منصب “رئيس مجلس الإدارة” كان يحتله حتى قريبا وزير النفط السعودي، فهو منصب رمزي بحت يشغله حالياً وزير الصحة السعودي الذي لا يرد اسم منصبه ضمن تشكيل الهيكل الإداري للقيادة العليا للشركة.

خامساً: كان أول قرار ل”مجلس أرامكو الأعلى” بعد إعادة تشكليه في مايو 2015 هو “فصل ارتباط” الشركة بوزارة البترول والثروة المعدنيه السعودية تحت مبرّر”إعطاء مقدار أكبر من الاستقلالية”لأرامكو. لكن الحقيقة أن وزارة البترول، كأي هيئة حكومية أخرى بما فيها مجلس الوزراء،السلطة التشريعية والتنفيذية في السعودية، لم و لا تمارس أي نفوذ أو ضغط على السياسات والقرارات الاستراتيجية للشركة. بل ربما العكس هو الأقرب إلى الحقيقة فيما يتعلق بوزارة البترول التي لم تكن يوما أكثر من مكتب ارتباط بين الشركة والحكومة السعودية منذ بداية إنشائها في أوائل الخمسينات كإدارة مناجم ونفط ملحقة بوزارة الماليه يديرها بضعة موظفين منهم أحمد زكي اليماني وهشام ناظر مهمتهم الأساسية الإشراف على استقبال نصيب الحكومة من أرباح النفط لتسليمه نقداً للملك السعودي. كما أن من أرامكو يخرج ويتم ترشيح وتعيين وزراء البترول والثروة المعدنيه أنفسهم بدءاً من أول وزير لها ،عبدالله الطريقي،الذي كان أيضا يحمل الجنسية الأمريكية حتى وزيرها الحالي.ولم يكن هذا مجرد تقليد، بل، وكما يشير تقرير أمريكي سري حديث صادرمن السفارة الأمريكية في الرياض(2008) سربته ويكيليس عن”قسم دعم الخدمات الإدارية يديره غربيون،معظمهم أمريكيون” مهمته الأساسية ملء المناصب العليا وخصوصا نواب الرئيس السبعة التي منها يأتي الرئيس والمدير التنفيذي وكذلك رئيس مجلس الإدارة وحتى وزير البترول، كما في حال الوزير الحالي النعيمي،وتصدر القرارات الحكوميه المناسبة بتعيينهم رسمياً كإجراء شكلي روتيني . وهذا ما يفسّر أن التغييرات الوزاريه المتكررة والمتعاقبه في الحكومة السعوديه نادراً ما تعرّضت لمنصب وزارة البترول والمعادن التي لم يتولاها سوى أربعة،كلهم من موظفي أرامكو، منذ تأسيس الوزارة قبل اكثر من 55 عاما.

وأخيراً، بعد أن كانت الحكومة السعوديه قد “اشترت”، وعلى مراحل، أسهم شركة أرامكو بدأت في 1972 واكتملت في 1976باتفاقية المشاركة، يبدو أنها قد قررت،بدءا من 2016 ب”إعادة بيعها” على مراحل.وبما أن عملية البيع هذه ستتم ” في الأسواق المالية العالمية” وليس المحلية، كما أكد تصريح الشركة ورئيسها، فإن معظم، إن لم يكن كامل ما يطرح للاكتتاب سينتهي إلى ملكية شركات النفط العالمية والأمريكية تحديداً بحكم الارتباط العضوي الخاص بين “أرامكو” و شركات النفط الامريكية والعلاقة التاريخية بين البلدين . ومن المحتمل جداً أن تعود أسهم شركة أرامكو عن طريق “إعادة شراء” إلى”الأخوات الأربع”،أكبر شركات النفط الأمريكية ” و ملاك الشركة الأصليين ليعود الوضع بعد 2016 إلى ما كان عليه قبل 1976 مما يعني أنه لم يحدث أي تغيير جذري في العلاقة القانونية والفعلية بين شركة أرامكو والدولة السعودية منذ توقيع اتفاقية الامتياز الأصلية في 1933.