اليمن يصنع معجزات إضافية
بقلم / علي أحمد جاحز
لم يعد ثمة شيء جديد يمكن أن يجربه العدوان على اليمن في سبيل تحقيق ما عجز عن تحقيقه طوال ما يقارب عاماً ونصف، فالتهديدات التي يطلقها العدوان وآخرها تهديد عسيري الأخير، إنما هي مناورات بائسة و يائسة تعكس الخيبة وتعترف وتقر بالفشل وتعطي دلالات واضحة على المأزق الذي باتوا غارقين فيه وحوله .
اليمن ، الدولة المفككة والاقتصاد المنهار، لاتزال هي اليمن بالشعب القوي الصامد الشجاع الذي أحدث خللا في موازين القوى وأربك معادلات وحسابات العالم، وهذا ما لم يكن ضمن حسابات الأغبياء على مستوى حكام الخليج الذين جربوا تجربة قد خاضتها إمبراطوريات في اليمن، أو على مستوى حكومات الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا، فبعد تلك الشهور الطويلة من الأداء العدواني المغرور البلطجي على اليمن لم تأت النتيجة في حدود ما يمكن تسميته ” عكس التوقعات ” بل تجاوزت تلك الحدود لتكون النتيجة فوق المألوف.
وفي حين كان المتوقع في عقلية العدوان أن ينهار اليمن و يستسلم، فإن التوقع الطبيعي في عقلية محايدة أن يصمد اليمنيون ويبقوا على قيد الحياة في أسوأ الحالات إن لم ينهزموا، غير أن الذي حصل هو أن العدوان بتحالفه المدعوم أمريكيا والمسكوت عنه أممياً بات يبحث عن مخرج من المستنقع اليمني ومدد لإيقاف الزحف اليمني على الحدود السعودية بينما الجيش واللجان اليمنيون يتقدمون في جبهات الداخل بشكل حثيث ويستعيدون السيطرة على مديريات بكاملها في تعز ومارب والجوف إضافة إلى إسقاط مساحات واسعة داخل أراضي السعودية ونقل ميدان المعركة بين الحين والآخر الى العمق السعودي، و فوق ذلك القيام بخطوات وترتيبات سياسية وإدارية في العاصمة صنعاء.
هذه ليست مجرد إنجازات اعتيادية نتناولها بشكل عابر أو نحتفل بها كما لو أننا أنجزنا شيئا في معركة متكافئة الأطراف، بل هذه معجزات تاريخية لا يصنعها إلا اليمن واليمنيون عبر التاريخ البشري باختلاف مراحله وأدواته وظروفه، فالإنسان اليمني ليس محتاجا اليوم أن يثبت بأنه وحده من يصنع معجزات التاريخ و خوارقه فقد أثبت ذلك في حقب مختلفة وإنما هو اليوم يضيف صفحة مشعة في صفحات التاريخ اليمني المشع.
من المفترض أن نراجع أداءنا الإعلامي بالدرجة الأولى حين نتعاطى مع ما يجري اليوم، لا ينبغي أن نتوقف على مجرد نشر الخبر و المشاهد كحدث آني وحسب، و انما يجب ان نقرأ أبعاد و معاني ودلالات ما وراء الحدث في صيغ عميقة تعطيه حقه من التناول و التحليل، فليس أمرا اعتياديا أن يأتي العالم بقضه وقضيضه ليقضي علينا و يجبرنا على الاستسلام ويحشد أعلى درجات الكم والكيف من السلاح والعتاد و المرتزقة في معركته معنا ثم لا يخسر وحسب ، بل ينتقل الى مربع الدفاع و الانهيار والتداعي.
لم تأت مبادرة كيري الأخيرة حرصا على سواد عيوننا ولا على سواد عيون المملكة، بل جاءت نتيجة شعور بالخطر من الفضيحة أولاً ومن الهزيمة ثانياً، وقد قالها كيري بنفسه في المؤتمر الصحفي الأخير بأن هناك خطراً على المملكة وعلى أمريكا مصدره العمليات التي ينفذها المقاتلون اليمنيون داخل أراضي المملكة وهو ما يعني ان الانجازات كبيرة تجاوزت مجرد الانتصار على العدوان بكونه فشل في تحقيق أهدافه التي نستطيع أن نقول إنه فشل في ذلك منذ الشهر الأول.
المكابرة و المقامرة التي تحكم مزاج العدوان تقف وراءها أمريكا الدولة التي تسيطر على العالم، وليست مجرد غباء سعودي ، فأمريكا تستثمر ذلك الغباء وتغذيه لتلعب لعبتها الكبيرة في المنطقة ، ونحن نعي تلك اللعبة الكبيرة ونتحرك في الأساس من منطلق مواجهتها منذ البداية، وهو ما تعيه أمريكا وتلمسه و ترى فيه خطورة بالغة عليها ، وهي تدرك أن أدواتها ضعيفة وإن عمدت إلى تقويتها بشتى السبل.
أمريكا ، وبعد أن أعطت السعودية وتحديدا بن سلمان ضوءاً اخضر لإفشال مشاورات الكويت و العودة للخيار العسكري في ما يشبه الفرصة ، هرعت الآن مجددا لتلعب دور المنقذ للسعودية لكن ليس عسكريا بل عبر مبادرة حل سياسي، وجرى على وقع ذلك تحريك ولد الشيخ الذي جاء متوسلا ان يوافق وفدنا الوطني على العودة لطاولة المشاورات مستخدما الوساطة العمانية .
ما حمله ولد الشيخ هو نفس مقترح كيري، بداخله إشارات وتنازلات ومطبات ومؤامرات، وهذا هو المتوقع وليس في ذلك مشكلة فهو مقترح مطروح للنقاش في كل الأحوال، لكن أن يأتي ولد الشيخ وقد تنازل عن الخطة السعودية السابقة فهذا بحد ذاته إقرار كاف بأن الميدان قلب الطاولة وغير المعادلة بشكل قوي واستراتيجي