في ذكرى وفاته ال 17 البردوني فكر يتوهج في اُفق الابداع
بقلم / نبيهة محضور
” لم أعترف بالعمى في أي لحظة في حياتي “.
عبارة قالها شاعر يمني تحدا الإعاقة ليعبر حدود الزمان والمكان
ان دلت على شيء فعلى روح يسكنها الاصرار والتحدي والصمود (البردوني ) شخصية استقرت في ذاكرة التاريخ ، تصدح كلماته مترجمة واقع غاب عنه منذ زمن ، شاعر مفعم بالأمل تطلع الى مجتمع يسوده العدالة والسلام والديمقراطية وحمل بين جوانحه امة و وطن ..هذا هو البردوني الانسان الذي يحمل تورة الفكر السياسي والفلسفي لزمن عاصره ومضى وحاضر لا زالت كلماته تترجم وقائعه وكانه يعيشه .
(البردوني) شخصية مفعمة بالإرادة لم تثنيها الاعاقة ولم تهبط من معنوياتها لذلك استحق ان تصدر الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز واثبت وجوده ليصبح رمزا من رموز الادب والثقافة .
فهاهو بعد 17 عشر عاما من رحيله لازال شعلة تتوهج في افق الادب اليمني والعربي ، الكاتب والناقد والمؤرخ الشاعر اليمني الكبير عبد الله بن صالح بن عبد الله بن حسن الذي اشتهر بلقب (البردُّوني) نسبة الى بلدته (البردُّون) التي ولد فيها ..هذه القامة الادبية الذي اثرت الساحة الثقافية برصيد لا يقدر بثمن رغم المعاناة التي عاشها، فقد أصيب بمرض الجدري وهو طفل في عام 1933 فأدى الى فَقْد بصره ولم يكد يتجاوز الخامسة من عمره.. ولكنه لم يستسلم ولم يسجن ذاته خلف قضبان الاعاقة ..فانطلقت ملكات فكره لتحلق في افق الابداع الفكري فكان الشاعر والناقد والمؤرخ والفيلسوف ..عمل مدرساً في دار العلوم للأدب خلال الفترة (1953 – 1962) تم التحق للعمل في الاذاعة كمدير للبرامج الثقافية ، ويعتبر البردوني أبرز مؤسسي اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين, وقد انتخب رئيساً له في مؤتمره الأول عام 70م ، ترك البردوني ارث تقافي استقر في ذاكرة الثقافة اليمنية والعربية فله عشرة دواوين شعرية ما بين الفترة (61- 94 ) وست دراسات . . صدرت دراسته الأولى عام 1972م “رحلة في الشعر قديمه وحديثه ” والمئات من المقالات الثقافية والاجتماعية والسياسية ..وارث اكبر لم ينشر بعد يمثل ثورة في عالم الثقافة والادب.
تميزت قصائده بالنقد الواعي والعميق للأوضاع السياسية بشكل غير مباشر تميل الى الرمزية والسخرية من الواقع وتتسم بالنضج والتوهج والتقنية النوعية التي تفرد بها وتميزه عن غيره من شعراء جيله ،
شاعر ثوري ناضل ضد الرجعية والديكتاتورية بقلم حر ثائر يحمل في اعماق شعره هموم وانات المجتمع اليمني والعربي رغم ما يعانيه من هموم ..سكن الوطن في حدقات عينيه وفي حنايا روحه يظهر ذلك في شعره المتخم بحب الوطن ..الذي رسم معاناته مع كل قطرة حبر ترجمه احساسه نحو الوطن
عرف بشاعر الانسانية .. شعره الكلاسيكي المشحون بالعاطفة الجياشة يتصف بالتجديد المتجاوز للتقليد اللغوي والموضوعي فأستحدث اساليب فنية حديثة اضافة نوع من الحداثة والتوجه العصري فادخل اسلوب الحوار في قصائده ووظفها بشكل متميز دون ان يخل بالبناء اللغوي للقصيدة فقدمها بقالب يتصف بالعصرية لذلك بقي حياً لواقع معاش يستحضر كلماته مع مرور الزمن . تاركا ارث ثقافي يحاكي الماضي والحاضر وفلسفة لا تمحيها الايام ليبقى اسمه محفورا في جدار الزمن وواحد من اشهر عمالقة الشعر في القرن العشرين .