الخبر وما وراء الخبر

كشف حساب أميركي سعودي تركي: داريا وجيزان والحسكة… والمصالح العليا

156

بقلم / ناصر قنديل

– لا يمكن النظر للأزمة اليمنية ومناقشة خطاب فريق منصور هادي إلا بالنظر لمترتبات علاقته بالسعودية، كذلك بالنسبة لخطاب الائتلاف السوري وعلاقته بالثنائي التركي السعودي، ومثلهما خطاب وحدات الحماية الكردية وعلاقته بالموقف الأميركي، فقد رفضت لجان الحماية الكردية التصرف كمكون سوري في أزمة الحسكة، رغم تاريخ التعاون الذي جمعها بالجيش السوري، ومنحت الأولوية لعلاقتها بالأميركيين. ومهما قالت اليوم اللجان عن مآخذها على العلاقة بالجيش السوري، سيكون الأفضل لها التزام الصمت، لأنها قررت طوعاً حرق الجسور وربط مصيرها بالرهان على وعود أميركية بالحماية والرعاية واستكانت لها، ولا يحق لها الادعاء بأي انتقاد تسوقه للجيش السوري في تبرير رهانها الخائب، بعدما باعها الأميركيون للأتراك وعاملوها بإذلال التابع الذي يتلقى الأوامر من المنابر، كما حصل مع كلام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وكلامه عن إلزام وحدات الحماية بالانسحاب إلى شرق الفرات.

– مثل وحدات الحماية، لا يحق للائتلاف السوري المعارض التحدث بعد ما جرى في داريا عن مظلومية، فلا هم قالوا يوماً إنهم يقومون بما أسموه ثورة رهاناً على أمم متحدة، كي يوجهوا اللوم إليها اليوم، ولا قالوا يوماً إنهم يتطلعون لاحترام القوانين الدولية من الجيش السوري، وهم قالوا فيه وبالنظام كلاماً لا يضيف إليه شيئاً ما يقولونه اليوم عن تهديد بالدمار وقتل المدنيين كتفسير للاستسلام. فقد بنوا معادلتهم على مقدراتهم لخوض حرب تنتهي بالنصر، وهم يقولون إن العالم غافل عنهم، وإن النظام الذي يقاتلونه لا يقيم حساباً للقوانين الدولية ولا للمحرمات ولا لحقوق الإنسان، كان رهانهم على تحالفاتهم وحساباتهم، وما سقط في داريا هي بالتحديد هذه الرهانات والتحالفات والحسابات، ولذلك وجبت محاسبتهم على ما فعلته أيديهم بداريا وأهلها. فما فعلوه اليوم كان ممكناً فعله منذ سنة وسنتين وثلاث، ولم يفعلوه وراكموا على الموت موتاً وعلى الألم ألماً، لأن لديهم رهانات وحسابات وتحالفات، وليس لأنهم فوجئوا اليوم بما يسمّونه عدم رحمة النظام ولا لأنهم فوجئوا بما يسمّونه اليوم غياب الأمم المتحدة.

– مثل كليهما، يقف جماعة منصور هادي بعد سنتين من القتل والخراب والدمار في اليمن ليقبلوا خطة وزير الخارجية الأميركية جون كيري، لأن معلمهم السعودي قد قبلها، ومحورها حكومة يمنية موحدة، طلبها المفاوضون عن القوى الوطنية في اليمن فردّ وزير خارجية منصور هادي عبد الملك المخلافي بالقول لا نعدكم بشيء ولا نناقش شيئاً قبل تسليم السلاح والانسحاب من المدن، وإلا كنا نمنح جائزة للانقلاب ونقوم بتشريعه، وفجأة بعد التعليمات الأميركية السعودية، يصير الأمر مقبولاً تحت شعار حقن دماء اليمنيين، وتسهيل الوصول للحل السياسي، فهل هبط الوحي وصحا الضمير فجأة، أم هو السقوط المفجع لوطنية مفقودة، ولحس معدوم بمعاناة الشعب الميني وتبعية مذلة لقرار ومال خارجيين.

– هذه نماذج لتبعية اللاعبين الذين يلبسون ثوب قضايا شعوبهم، لقرار خارجي لا يقيم لهم قيمة ولا اعتباراً، ويعاملهم كحملة أعلام بلادهم للسير أمام جيوش بلاده، فتحمل وحدات الحماية علماً كردياً حيث يريد الأميركي أن يرسل قواته، ويحمل الائتلاف العلم السوري المشوّه حيث يريد التركي إرسال جيشه، ويحمل جماعة منصور هادي العلم اليمني حيث يريد السعودي أن يتحرك جيشه، لكنها نماذج لبلوغ الحروب التي تدور في المنطقة لحظات حاسمة، تنسد فيها هوامش المناورة لحفظ ماء الوجه، فيضطر اللاعب الأكبر إلى التضحية بالأصغر، والأصغر يضحي بالأصغر منه. فعندما ينكشف السعودي والتركي بعجزهما عن الإنجاز في سورية واليمن يبيعهما الأميركي ولا يحفظ ماء وجههما، ولا يمانع بأن يمدّ يده مباشرة للأكراد والحوثيين، من وراء ظهر تركيا والسعودية، وعندما يتفق الأميركي والروسي والإيراني لا يحفظ لا مقعداً ولا ماء وجه للسعودي والتركي، وهكذا عندنا تتهدّد مصالح تركيا بخطر نشوء شريط أمني كردي على الحدود، لا تقيم حساباً لجيش حرّ ولا ائتلاف ولا داريا ولا حلب، وعندما تتهدد السعودية باقتطاع اليمنيين محافظاتهم الحدودية المحتلة، والخاضعة للسعودية، جيزان ونجران وعسير، لا يعود ثمة قيمة لمنصور هادي ولا حكومته، ولا تعز ولا صنعاء، فتنحني السعودية للمبادرة الأميركية لأن المصلحة العليا أهم.

– عندما تبدأ الانهيارات والهزائم يسهل تقاذف كرة المسؤولية، لأن الهزيمة يتيمة، ويسهل تبني الانتصار، لكن الأمر لا يحتاج تدقيقاً، لنكتشف من انحطاط الخطاب وتلعثم اللغة، حجم التغيير الكبير الذي بدأ يحصل للتوّ والذي سيواصل الحصول بالتكرار، والتراكم حتى يصير كرة ثلج لا يملك أحد القدرة على وقفها، لأن التحولات الكبرى لا تحدث إلا هكذا.