الخبر وما وراء الخبر

رسائل الرئيس .. في حضرة الشعب

163

بقلم / علي احمد جاحز

في الوقت الذي بدا النظام العالمي المتواطئ مع جرائم العدوان على اليمن قلقا متوترا من الاتفاق السياسي والخطوات الدستورية التي تلته واثمرت مجلسا سياسيا اعلى ورئيسا للمجلس السياسي الاعلى يقف على راس هرم السلطة التي تشكلت وفقا للمشروعية الشعبية التي باركتها دستوريا شرعية البرلمان المستمدة من الشعب ، خرج الشعب اليمني دفعة واحدة ليقول كلمته امام العالم الذي ” أعماه النفط ” .

*** الخروج الكبير الذي شهده ميدان السبعين والاحياء المحيطة به على امتداد قلب العاصمة النابض بالحياة ، يعد استفتاء جماهيريا كبيرا يفوق في دلالته على الشرعية الشعبية اي استفتاء اخر من تلك الاستفتاءات الزائفة الصورية التي فرضتها قوى الوصاية والهيمنة على اليمن في مراحل سابقة ، وعبر اطر غير وطنية مثل المبادرة الخليجية التي انتجت هذا الواقع المأزوم .

*** ولعل الاتفاق السياسي الوطني الذي تم توقيعه قبل اسابيع قليلة واثمر مجلسا سياسيا اعلى تسلم رئاسته ورئاسة الجمهورية اليمنية فيه الاستاذ صالح الصماد ، يمكن ان يثمر واقعا سياسيا وامنيا سويا ، سيما وان ثمة فروق واسعة وجوهرية بين الاتفاق السياسي الوطني وبين المبادرة الخليجية ، أهمها ان الاتفاق السياسي جاء يمنيا خالصا بارادة يمنية خالصة وبدون وصاية من اي طرف خارجي وهو ما يجعله قرارا سياديا يمنيا مستقلا يثمر نتائج يمنية خالصة بعكس المبادرة الخليجية التي جاءت بقرار خارجي و استجابة لضغوط الوصاية الخارجية .

*** كما ان الاتفاق السياسي أتى انطلاقا من الحاجة الوطنية البحتة للاستقلال والاستقرار ، بينما المبادرة الخليجية اتت انطلاقا من رغبة خارجية و حاجة خارجية لتكريس الوصاية وخوفا من خروج اليمن من تحت السيطرة ، كما ان الاتفاق السياسي اتى ليترجم رغبة جماهير اليمن المتراصة الصفوف والمتكاتفة بوجه العدوان و الذائبة في بعضها كجبهة وطنية كبرى ، بينما المبادرة الخليجية اتت لتعزز تقاسم السلطة والبلد بين اطراف متناحرة و جمعت في داخلها تناقضات اطماع داخلية وخارجية.

*** كما ان خروج الجماهير الكبيرة اليوم لمباركة الاتفاق والمجلس ورئيس المجلس ليحكم البلد في هذه المرحلة يفوق باضعاف ما يمكن ان نسميه استفتاء على مخرجات المبادرة الخليجية الكارثية التي انتجت الخائن هادي و عصابته ، سواء من حيث العدد او من حيث الاجراء الشكلي ، فالاقتراع على رئاسة هادي كمرشح وحيد لم تحض بجمهور عريض كالذي يمثله ويتكلم باسمه جمهور السبعين صباح امس ، مع الاخذ في الاعتبار ان الخروج للاقتراع اسهل مشقة بكثير عن الخروج في تظاهرة كبيرة وقطع مئات الكيلومترات للوصول الى ساحة الاحتشاد ، كما ان الاحتشاد تحت القصف وتحليق الطائرات له معنى ودلالة عميقة على جدية ووعي و حماس المشاركين فيه ، فيما لا يعدو الخروج للاقتراع الهزلي في انتخابات هادي مجرد اسقاط واجب او ” مخارجة ” كما يقال .

*** امام هذه الصورة الجلية الواضحة نستحضر خطاب الرئيس صالح الصماد في اول مناسبة جماهيرية تزكيه و تدعمه و تباركه ، لنجد انفسنا امام العديد من الرسائل القوية والهامة والمحورية الموجهة للداخل والخارج ، حيث اعتبر خروج الجماهير ومباركتها هو المشروعية الحقيقية ، كما انه في سياق وصفه للجماهير العريضة التي احتشدت عرض الى ان المحتشدين يعادلون سكان عدد من دول الخليج مجتمعين ، في سخرية من تلك الدويلات التي تحارب اليمن و هي لاشيء امام تظاهرة فما بالك بحجمها امام الشعب اليمني كله ، وهي رسالة لهم ان اعرفوا قدر انفسكم ، بل قالها صراحة ” من انتم حتى تاتون لمحاربة هذا الشعب العظيم ” ، ويمكن قراءة هذا الكلام بكونه رسائل مهمة عن البعد الشعبي والديموقراطي الذي يشكله الخروج مقارنة بعدم امتلاك انظمة الخليج القمعية اي مشروعية شعبية سيما وهي لا تستطيع ان تحشد المئات من تلك الشعوب القليلة اصلا ، بل انها تخاف من ان تحتشد تلك الجماهير التي لا تساوي في مجملها تظاهرة واحدة في اليمن .

*** الرئيس في خطابه وعد الشعب اليمني بوعود وصفها بـ ” الموضوعية ” ولم يشطح كما اعتاد الناس وهو مؤشر على مصداقية ونوايا صادقة تجاه المسؤلية التي يستشعرها الرئيس والسلطة التي يرأسها ، اذ ان لاشيء مستحيل غير ان ثمة مراحل ومعيقات ستواجه تحقيق طموحات الشعب في الخروج الى بر الامان ، وكان كشف الرئيس عن قرب تشكيل الحكومة احد اهم ما بشر به ، وهو حلم طال انتظاره ، ولعل تحقق تشكيل الحكومة سيكون له انعكاساته السريعة على كل الاصعدة داخليا وخارجيا .

*** وللخارج ، ارسل الرئيس رسائل عدة اهمها للامم المتحدة التي وقفت عاجزة امام الوفاء بما التزمت به بخصوص عودة الوفد الوطني ، حيث اعتبرها الرئيس غير جديرة بان تنجح في حل مشكلة بحجم العدوان على اليمن والحصار الجائر عليه ، وفي توجيه هو الاول للوفد الوطني المقيم في عمان حاليا طالب الرئيس الوفد بالعودة فورا وعدم الجلوس مجددا مع المبعوث الدولي باعتباره شخصا غير اهل للجلوس معه ، وهو ما يمكن ان يقرأ بان القرار فيما يخص المشاورات والمفاوضات لم يعد قرار مكونات سياسية بل قرار دولة ***

وفي سياق رسائله للخارج ، دعا الرئيس الصماد العالم ان ينظر الى الجماهير و الى ما يرتكبه العدوان من مجازر و الى الشرعية الشعبية التي تواجه هذا العدوان ، وسألهم ساخرا ” هل اعماكم النفط ؟” ، في تهكم القوي الواثق بشعبه وارضه ، منطلقا من حقائق هامة ابرزها انفضاح الامم المتحدة في مسألة القائمة السوداء وايضا مؤخرا في اعطائها المهلة تلو المهلة للعدوان ليرتكب المزيد من الجرائم خلال الاسبوعين الماضيين ، و اخيرا عجز الامم المتحدة ومبعوثها في تنفيذ ضماناتها بعودة الوفد الوطني الى ارض الوطن وفقا للمواثيق الدولية ، وهذه الرسائل تعتبر مؤشرا على ان التعاطي الان سيصبح مختلفا مع كل الاطراف الدولية والاقليمية فقد اصبح لزاما على العالم ان يخاطب دولة و مؤسسات و شرعية دستورية في اي قضية تتعلق باليمن .