الخبر وما وراء الخبر

إخراج الموتى من قبورهم وحرقهم.. منهج أموي

317

بقلم / حسن فرحان المالكي

سيتعب غلاة السلفيين في الدفاع عن بني أمية والتستر عليهم في كل مرة بنسبة جرائمهم – الباقية فينا إلى اليوم -إلى الخوارج، فكل ما تفعله داعش اليوم هو أموي أصيل الأموية، بينما لم يجرؤ الخوارج على فعل ما فعله بنو أمية، وخاصة الأمور الشنيعة مثل
– هدم الكعبة بالمنجنيق
– وتدنيس المسجد النبوي
– ونبش قبور الصالحين وإحراقهم أو التمثيل بجثثهم
– أو ذبح الأطفال
– أو صلب النساء العابرات عاريات
– أو سبي النسي المسلمات واغتصابهن.
كل هذه الشائع من إبداعات بني أمية لا الخوارج
والغلاة يحبون بني أمية لا الخوارج
والغلاة يعتمدون على السنن الأموية والتراث الأموي لا تراث الخوارج
والغلاة يعظمون العلماء ذوي الميول الأموية -كابن تيمية-لا علماء الخوارج.
فقصة داعش أموية لا خارجية.
إذا تذكروا أن ما فعله الغلاة اليوم من نبش القبور، كما فعلوا بقبر الصحابي حجر بن عدي الكندي بمرج عذراء في سوريا، وما فعلوه بقبر الولي جمال الدين الجنيد الصوفي بقرية الصراري بتعز، هو منهج أموي لا خارجي ولا حتى جاهلي، إنما هو من إبداعات بني أمية، التي لم يسبقهم إليها الجاهليون فيما أعلم، وعلى هذه السنة سار النواصب ثم قلدهم العباسيون بقبور بني أمية، وهو مستنكر أيضًا وإن كان الفرق أن العباسيين نبشوا قبور ظلمة أما الأمويون وأتباعهم فينبشون قبور من كان ضد بني أمية سواء في أيام جاهليتهم انتقامًا لأحقاد بدرية وأحدية، فنبشوا قبر حمزة وشهداء أحد ونبش المتوكل الناصبين قبر الحسين ونبش النواصب المعاصرون قبر حجر بن عدي وعمار بن ياسر وأمثالهم، وهددوا بنبش قبر زينب بنت فاطمة وقبر الإمام علي، وفجروا قبور العسكريين بسامراء، فهي سنة أموية ضد قبور مخالفيهم من الصالحين، وقد نظر لهم ابن تيمية وأمثاله النفور من الصالحين وقبورهم، فأفعالهم تبع لهذه الثقافة التي هي في الأصل ثقافة أموية لا خارجية.
إذًا فأول من فتق هذه السنة القبيحة هو معاوية، وأشرف على ذلك بنفسه، عندما عمل ذلك الداهية على الاحتيال لنبش قبور شهداء أحد، والتمثيل بهم كما سيأتي في المصادر السنية الصرفة، ورواها الصحابة والتابعون، الذين استنكروا هذه الشنائع ولكن لا حول ولهم ولا قوة، فتم نبش قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، بل وتم ضربه بالفؤوس فثعب دمًا وكانت معجزة هزت بقية الصحابة والتابعين بالمدينة، وقال بعض الصحابة بعد ذلك: (لا ينكر منكر بعد اليوم).
القصة والتوثيق والتصحيح:
أمر معاوية بن أبي سفيان بنبش قبور شهداء أحد – وسيأتي توثيق هذه القصة – وقد تم له ما أراد كما سيأتي، وتمكن من ذلك وضربوا قدم حمزة بالمسحاة فانبعث دمًا، فهل كان هذا انتقام من بني هاشم لقتلهم قرابته يوم بدر؟ هل هذا لأجل أن حمزة قتل جده لأمه عتبة بن ربيعة يوم بدر؟ يحتاج لبحث.
السبب الظاهر الذي أظهره (داهية العرب) معاوية أنه يريد أن يجرى عينًا إلى قصره، ولم يجد لمجرى النهر إلا من فوق جثث شهداء أحد! – مع أن من يعرف مسار العين وأماكن قبور الشهداء سيجد سعة كبيرة لا تحتاج لهذا الالتفاف، المهم أن معاوية أجرى الماء على شهداء أحد في غفلة من أهل المدينة، ثم لما تفاجأوا بالآية التي ظهرت في انبعاث الدم من قدم حمزة وخرج الشهداء كما وضعوا -يتثنون- هزهم المشهد فصرخوا في أهل المدينة ليحملوا شهداءهم من بين الأوحال يتثنون، حتى أن أبا سعيد الخدري قال (لا يُنكر بعد هذا منكر أبدًا).
وكلمة أبي سعيد تدل على أنه قد عرف قصد معاوية من هذا العمل الدنيء، إلا أن مغفلي الصالحين جعلوا هذا العبث بجثث شهداء أحد من دلائل فقه معاوية واحتجوا به في كتب الفقه في مسألة نقل الموتى للمصلحة العامة! مع أن المصلحة هنا خاصة، وهي عين لمعاوية يريد أن يجريها لأحد قصوره، ولم يكن هناك داعٍ أن يجريها من فوق قبور الشهداء، فهلا كانت دعوتهم لأهل المدينة قبل! لكن أهل الغفلة لا يكتشفون دهاء الظالمين، ولا صدق الصالحين، فتراهم خلف كل ظالم نافرين عن كل عادل، وهذه عقوبة إلهية للمغفلين الذين يعطلون نعم الله عليهم من عقول وقلوب؛ فيقع ضحية لمكر ودهاء الماكرين.
توثيق الحديث:
والحديث عند ابن إسحاق في المغازي، وابن المبارك في الجهاد، والواقدي في المغازي، وعبد الرزاق في المصنف، وهو في مصنف ابن أبي شيبة، والطبقات الكبرى لابن سعد، وعيون الأخبار لابن قتيبة (ج 1 / ص 255)، وتفسير الثعالبي (ج 1 / ص 333)، ودلائل النبوة للبيهقي، وفي صفة الصفوة لابن الجوزي، وهو في البحوث العلمية، (5 / 243) دار الإفتاء بالسعودية، وفي سير أعلام النبلاء (ج 1 / ص 326)، وذكرها السفاريني الحنبلي في كتابه العقائدي لوامع الأنوار البهية (2 / 368)، وغير هذا كثير.
وقد توسعنا في هذا العمل ودلالاته في كتابنا عن معاوية، وسننتقي منها الأصح والأكثر شهرة.
وسيأتي التفصيل والتوثيق.
تاريخ القصة:
هذه الحادثة حادثة نبش قبور شهداء أحد والتمثيل بجثة حمزة كانت سنة 50هـ كما سيأتي، أي بعد ست وأربعين سنة من وقعة أحد (حسب الأشهر)، وهي تتفق مع السياق الأموي في الثارات والأحقاد من أكل أمه هند لكبد حمزة، وتمثيل أبي سفيان بجثته يوم أحد، ثم رفسه قبره في خلافة عثمان.
التفصيل والتوثيق:
روى عبد الرزاق بسند صحيح -على شرط مسلم- في كتابه (مصنف عبد الرزاق – ج 3/ ص 547) عن ابن عيينة عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لما أراد معاوية أن يجري الكظامة قال من كان له قتيل فليأت قتيله – يعني قتلى أحد – قال فأخرجهم (يعني معاوية) رطابا يتثنون قال فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانفطرت دما فقال أبو سعيد لا ينكر بعد هذا منكر أبدا أ.هـ.
وسنده صحيح على شرط مسلم، والرجل الذي عبثوا بجثته وقطعوا قدمه هو سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه من رواية أبي الزبير عن جابر من طريق آخر (قال أبو عمر ابن عبد البر: الذي أصابت المسحاة إصبعه هو حمزة – رضي الله عنه – رواه عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا عبد الجبار يعني ابن الورد قال: سمعت أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نُوَّم حتى إذا أصابت المسحاة قدم حمزة – رضي الله عنه – فانبثقت دمًا)، لكن سفيان بن عيينة كان فيه نصب فأخفى ذكر حمزة، وذكره غيره.
ومن يعرف معاوية يعرف تمامًا أن هذا لم يحدث صدفة، وأنه نبش القبور بحجة أنه يريد إجراء عين من ذلك المكان! وربما كان قصده الرئيس التمثيل بجثة حمزة فهذا يتفق مع سلوك معاوية وولاته مع قبور الصالحين، وكان ولاته كمروان يتهم كبار الصحابة كأبي أيوب الأنصاري وأسامة بن زيد بالشرك عندما يضع أحدهم خده على قبر رسول الله – وقد أحيا ابن تيمية سنتهم هذه في اتهام الناس بالشرك لهذا السبب، مع أن أحمد بن حنبل كان يراه ولا يمنع منه.
المهم أنه عندما انبعث الدم من قدم حمزة رطبًا، وبعد أعبث العمال والوالي بهذه الجثث الشريفة، نادوا في أهل المدينة مستصرخين! أي بعد أن نبشوا بعض القبور وتعمدوا ضرب قدم حمزة، ولذلك قال أبو سعيد: لا ينكر منكر بعد هذا أبدًا!
ولو كان الأمر مجرد خطأ ما قال أبو سعيد الخدري هذا الكلام، فهذا فهم السلف الصالح لمعاوية يا أتباع السلف!
لماذا حمزة؟ وهل كان معاوية يجهل قبر حمزة؟
معاوية واشياعه يعرفون قبر حمزة تمامًا، والدليل أنه قبل ذلك رفسه أبو سفيان في عهد عثمان قائلًا: (قد عدنا يا حمزة، والأمر الذي اجتلدنا عليه وصل إلى غلماننا فهم يتلعبون بالملك) أو نحو هذا، وكان أبو سفيان وقتها أعمى ولكنه بعد تولي عثمان الخلافة طلب من يدله على قبر حمزة، ومن المتوقع أن يكون معه معاوية – لأن معاوية كان حاضرًا مقتل عمر وبيعة عثمان-
فبنو أمية يعرفون قبر حمزة جيدًا، وصبروا عشرين سنة حتى وجدوا فرصتهم في رد كرامتهم -زعموا- وعادات العرب صعبة، فلا ينسون الأحقاد؛ ولأجل هذه العلة أخفى الحسن والحسين قبر الإمام علي حتى لا يجري معاوية عينًا بالنجف أيضًا، ويعبث بجثة الإمام علي كما عبث هو وأبوه وأمه بجثة حمزة.
وهذا الحقد الأموي السفياني على حمزة لأنه قتل عتبة بن ربيعة جد معاوية لأمه، فكيف بحقد هذه العائلة على علي وقد قتل حنظلة بن أبي سفيان أخا معاوية، وأسر أخاه الآخر عمرو بن أبي سفيان يوم بدر، وقتل الوليد بن عتبة خال معاوية يوم بدر، واشترك في قتل عتبة بن ربيعة نفسه، فلا بد هنا أن يكون بغضهم للإمام علي أكثر بكثير من بغضهم لحمزة.
وهذه العائلة ماكرة لا يفهمها المغفلون، وقد ذكر القرآن الكريم عن مكر قريش (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)، وغير ذلك مما يهمله المغفلون، ولا يحبون ذكره حتى ولو كان قرآنًا، وما بقي إلا أن يتهموا الله بالتشيع! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والأمويون إضافة إلى ذلك متوحشون، يمثلون بالموتى، ويرفسون القبور، ويأكلون الأكباد، ويقطعون المذاكير، ويتخذون من هذا وهذا خلاخل وخواتم، كما فعلت هند وجواريها بجثة حمزة، نعوذ بالله من هذا الانحطاط في الخلق والدين والمروءة.
ثم ما هذا الحفر العنيف؟ لدرجة أن تصاب رجل حمزة وتنبعث دمًا! تصور أنت لو أنك أنت تريد نقل جثة ميت هل سيحصل هذا؟ كلا! فمقاس اللحد معروف، والمسحاة يمكن أن تأخذ التراب شيئًا فشيئًا فهي ليست آلة كهربائية تقطع ما صادفها، وليس التراب صخرًا يحتاج كل هذه القوة! فيستطيع الحافر أن يراعي ذلك بسهولة بجذب التراب بطرف المسحاة، وقد اشتغلنا في المزارع قديمًا ونعرف أننا لو أردنا ألا نجرح نبتة أو فسيلة موز لاستطعنا ذلك بسهولة دون أن يصيبها أدنى جرح، لكن حسن الظن السلفي -وأحيانًا السني عامة- بالأشرار، وإساءة ظنهم بالأخيار، أدى إلى البرودة في تفسير الموقف بل تسويغها -كما سيأتي- ضاربين بقول أبي سعيد الخدري وفهم السلف عرض الحائط.
ففي [مواهب الجليل على مختصر خليل]، على قول خليل: (والقبر حبس، لا يمشى عليه، ولا ينبش إلا أن يشح رب كفن غصبه)، قال الحطاب: وكذلك إذا احتيج للمقبرة لمصالح المسلمين كما فعل سيدنا معاوية رضي الله عنه في شهداء أحد، عن جابر رضي الله عنه أ.هـ، هكذا معاوية سيدنا! أما جابر بن عبد الله الصحابي الكبير فيذكره بحفاف ناشف! وأصبح العابث بالشهداء فقيهًا مأجورًا كما أنه مأجور على كل مظالمه، وربما لو نجح في اغتيال النبي (ص) لكان مجتهدًا مخطئًا وله أجر على اجتهاده! – شارك في محاولة اغتيال النبي هو وأبوه وأخوه عتبة – و ربما يعللون ذلك بأنها قد اكتملت النبوة، ولا داعي لبقائه أكثر من هذا حتى لا تنزل تشريعات يعجز عنها المسلمون، فأجرى الله على يديه رحمة هذه الأمة! …الخ، هذه شنشنة نعرفها من القوم، وهي عقوبة من الله لهم، فمن عطل نعم الله ضربه الله بالغفلة والحماقة والقسوة والشدة على المؤمنين، والرحمة بالظالمين المحادين لله ورسوله، هذه عقوبات شديدة.