أصحاب الفيل.. قصةٌ تتكرر في كل عصر
بقلم الشيخ/ عبدالناصر التيمي *
حينما يشعر الطغيان بأنه بلغ أقصى درجات القوة والاستبداد، بسبب امتلاكه لوسائل القوة المادية، فإنه في تلك اللحظة تُخيل له نفسه بأنه قد صار إلهًا آخر، حيث ينسى خالقه الذي منحه أسباب القوة امتحانًا واختبارًا له، أيسعى بها في إعمار الأرض ونشر الخير، أم يسعى في الخراب وإهلاك الحرث والنسل.
ومن يتمعن القران الكريم يجد الحديث عن هذا الصنف قد تفردت به سورة من سوره، ففي سورة الفيل قصة لهذا النموذج، فحينما بلغ أبرهة الأشرم مبلغه من الطغيان، قرر التوجه نحو مكة قاصدًا هدم البيت الحرام، حيث مهوى قلوب البشر، ردًا على قيام احد العرب بتلطيخ البيت الذي أراد به أن يصد به عن بيت الله، ويجعله بديلًا عنه، مستعينًا بقوته وجبروته، على حسب بعض الروايات، وبحسب بعض الروايات الأخرى فقد كان الهدف هو قتل ذلك المولود التي تواترت أخبار كهنة ورهبان الروم بقرب ميلاده في مكة، كما تخبر به كتبهم السماوية السابقة، فصدرت الأوامر إلى أبرهة من بلاد الروم التي كانت في ذلك الزمان مركز النظام الاستكباري المتسلط على العالم، وما أبرهة سوى غلام من غلمان هذا النظام الاستكباري، فاتجه أبرهة الحبشي بجيش عرمرم تتقدمه الفيلة، والتي كانت بمثابة أحدث الآلات العسكرية الحديثة في ذلك الحين، والتي لم تكن تعرفها الجزيرة العربية في حروبها آن ذاك.
وما أن وصل هذا الجيش الذي أرهب الجزيرة العربية إلى مشارف مكة، وبعد هرب أهلها باستثناء سيدنا العارف بالله الواثق به عبد المطلب جد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والذي ذهب إلى أبرهة غير مكترثٍ به، مطالبًا بعيره التي نهبها جيش أبرهة، والتي لم تكن العير الوحيدة التي نهبها ذلك الجيش، فجيش أبرهة ومنذ انطلاق مسيرته لم يترك عيرًا في الطريق إلا سلبه أهله، دون أن يجرؤ أحدٌ على الاعتراض عليه، فما بالك بمطالبته برد ما نهبه.
لكن الشجاعة الهاشمية المستغرقة في توحيد الله، أبت ذلك الخنوع، فاتجه بمفرده، تكسوه من الهيبة والثقة بالله ما جعل تلكم الفيلة التي كانت مصدر فخر وعزة أبرهة تعلن الخضوع له، وتخر ساجدة له، وما أن دخل مجلس أبرهة، حيث كان يتربع على عرشٍ دعائمه الكبر والغرور، فلا ينزل منه أثناء لقائه بزائريه، فإذا به تغشاه حالةٌ من الهلع والخوف أجبرته على الهبوط من ذلك العرش، الذي كاد أن يُلقي به إن لم ينزل عنه لاستقبال سيد قريش، و بحفاوةٍ لم تُعهد منه استقبل أبرهة سيدنا عبدالمطلب، وعندما سئل سيدنا عبد المطلب عن سبب زيارته، أجابه بقلبٍ يفيض بالثقة بالله: جئت أطلب استرداد إبلي التي نهبها جيشك، وهنا كانت البطولة التي لم تكن لتتنازل عن الحق خوفًا وجبنًا، وتترك ما هو في نطاق المسؤولية، فهو على يقين وإيمان راسخ، لا تزعزعه الظنون بأن الله لن يترك بيته الحرام لعبث هؤلاء الظلمة.
وبعد عودة هذا البطل من لقاء أبرهة الذي كانت القبائل تهاب لقائه لمدحه والثناء عليه، فكيف بمن يريد استرداد ما نهبه جيشه، ففي حين هرب شيوخ قريش وكبراؤها إلى شعاب مكة، تاركين أموالهم ودورهم لأبرهة، انطلق الشيخ الهاشمي يبحث عما سُلب منه.
وما كاد سيدنا عبد المطلب يدخل مكة عائدًا من ذلك اللقاء، حتى بدأت أصوات الطيور تملأ السماء معلنةً وصول الغارة الربانية على جيش الطغيان، الذي ظن أن وسائل القوة التي منحها الله إياها قد نصبته إلهًا في الأرض؛ فكانت عاقبة ذلك الطغيان والكيد الضلال والخسران والهلاك.
ونحن اليوم إذ يكاد المشهد أن يتكرر في اليمن، حيث جاء أبرهة نجد، بناءً على أوامر النظام الاستكباري المتسلط على العالم اليوم، بجيشه وفيله المتمثلة بأحدث الدبابات والمصفحات، يريد وئد النور المحمدي الذي ظهرت شمسه من هذا البلد المبارك، رافضًا الهيمنة والتبعية والوصاية الخارجية المرتهنة للمشروع الدجالي.
فظن أبرهة بني سعود كما ظن سلفه أبرهة الحبشي، بأنه وبفيله الجديدة (البرامز – البرادلي – والأباتشي – والإف 16 وأخواتها وغيرها من وسائل الحرب الحديثة) قد أصبح المتصرف في الكون، يحيي ويميت، ويعز ويذل، لقد نسي وتناسا وحُجب عن معرفة أن قوة الله وعقابه ستناله كما نالت من سبقه من الطغاة المتبخترين المغرورين بما منحهم الله من المال أو القوة.
وهاهي اليوم فيلهم الجديدة تتهاوى تحت طلقات أسود الله التي قهرت أسلحتهم وكأنها حجارة من سجيل، تحيل تلكم الآلات العسكرية إلى حطام، والمرتزقة إلى عصفٍ مأكول، (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، فليل الطغيان وإن طال، فإنه ولا بد لشمس الحق أن تُشرق لتبدد ذلك الظلام، ولكل أبرهةٍ حجارةٌ، يرسلها الله فيجعل بها كيد الطغاة في تضليل، ومظاهر قوته في خسران.
*نائب رئيس ملتقى التصوف