الخبر وما وراء الخبر

التماهي السعودي «الإسرائيلي»

167

بقلم / د. محمد بكر

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

تتوالى ثمرات التعاون السعودي «الاسرائيلي» بالنضوج تباعاً، نتلمّس يقيناً أنّ اللقاءات بين مسؤولين سعوديين ونظرائهم «الإسرائيليين» لم تأتِ من فراغٍ مطلقاً، لا من حيث التوقيت ولا حتى في المضمون. لن يقنعنا كلّ ما قدّمه السيد أنور عشقي من مبرّرات وذرائع لجهة أنّ زيارته للأراضي المحتلة كانت بصفة شخصية أو لحضور فرح لابن مروان البرغوثي كما قيل، أو حتى لمناقشة مبادرة السلام العربية مع السلطة في رام الله، فـ»الظاهر» أعظم، وجملة الممارسات والسلوكيات السياسية التي تبديها المملكة تشي بالضرورة عن سيل من الخطوات، تمّت المباشرة بها فعلياً على الأرض للذهاب بعيداً إلى حيث جرّ المنطقة إلى سيناريوات خطيرة، مساراتها ووجهتها الجغرافية الإيرانية تحديداً، مصدر مطلع كان قد كشف لصحيفة «المنار» المقدسية نقلاً عن تقارير أمنية بأنّ مناورات سعودية «إسرائيلية» جرت قرب الحدود الأردنية بالتوازي مع مناورات «إسرائيلية» أميركية في النقب، وأنّ طائرات «إسرائيلية» تحط بالجملة في قواعد عسكرية في السعودية، هذه المناورات التي لن تجلب لنا أيّ قناعة أيضاً بأنّ هدفها هو القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» أو حتى مواجهة الإرهاب، فكلا الطرفين يتحدثان بزخم، وفي مناسبة وغير مناسبة عن الخطر الإيراني ونفوذه المتغلغل في المنطقة، وكيف ترى العربية السعودية في الجمهورية الإسلامية «داعماً للإرهاب نتيجة تدخلاتها في الشؤون العربية»، وكذلك أعلن المسؤولون «الإسرائيليون» غير مرة أنّ إيران تشكل تهديداً لـ«إسرائيل» أشدّ من تهديد «داعش»، لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عندما وجدوا أنّ الأخيرة لا تشكل أيّ تهديد حقيقي في المرحلة الحالية للمصالح «الإسرائيلية».

في الملف السوري كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العامل الرئيس في نسف أيّ نجاح سعودي على الأرض، وكذلك في الملف اليمني الذي بات كمسلسل الرعب الذي يجثم على الصدر السعودي لجهة مآلاته المحرجة جداً للعربية السعودية وتحالفها في اليمن، من هنا تقرّر السعودية ربما وعبر البوابة «الإسرائيلية» نقل المعركة إلى جبهة إيران، ولا سيما بعد الخذلان الأميركي للرغبات السعودية في توجيه ضربة عسكرية للدولة السورية خلال أحداث الغوطة والقصف الكيماوي للمنطقة، وما شكله الاتفاق النووي الإيراني من نكسة للسياسة السعودية، وما استولده من تحوّل في لهجة الخطاب الغربي اتجاه إيران، هذا القرار الذي يبدو بالفعل بمثابة «ردّ فعل المهزوم» الذي غالباً ما يهرول أمام هزائمه باتجاه مطارح خطرة جداً، فالتحوّل في الاستهداف وصولاً لجبهة إيران يعني اشتعال المنطقة برمّتها وهي المشتعلة أصلاً، ولكن نقصد امتدادات نيرانها وانتشارها، ومن هنا نقرأ ونفهم الاتهام الإيراني الرسمي للمملكة بأنها ترسل الإرهاب إلى إيران عبر إربيل، وذلك خلال العملية الأمنية الأخيرة لطهران، التي أجهضت خلالها محاولة كبرى لتنفيذ سلسلة تفجيرات في الداخل الإيراني، وإنّ كلّ الأحداث والمشاهد الأمنية التي يتمّ الإعلان عنها داخل إيران هي بمنزلة الإيذان لنقل الفوضى إلى الداخل الإيراني، وما سيشكله من أرضية ممهّدة في المستقبل لاستهداف مباشر.

النقطة الأهمّ في اعتقادنا في تلك الجزئية هو ما ستفرزه الانتخابات الأميركية، لا سيما أنّ محللين ومراقبين كانوا قد أكدوا أنّ السعوديين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء ولاية أوباما.

نعتقد أنّ نظرية تركي الفيصل في ما سماه العقل العربي والمال اليهودي قد بدأت تؤتي أُكلها، وأنّ الحماسة والاندفاعة التي أبداها الفيصل خلال مؤتمر المعارضة الإيرانية في فرنسا، والتي تجاوزت كثيراً في مستوياتها ومعدلاتها قيمة مثيلاتها في نفوس المعارضين الإيرانيين أنفسهم، قد بدأت ترسم خطواتها قدماً.

ربما لن يطول الزمن حتى تمزق إيران الاتفاق النووي، كما أعلن سابقاً مرشد الثورة إذا ما أخلّت به الولايات المتحدة والتي يبقى هدفها ثابتاً أي أميركا في إسقاط النظام الإيراني، لكن التكتيك يختلف، بحسب ما وجده ممثل المرشد علي سعيدي، فالحضور الإيراني القوي في جبهة سورية والعراق، قد يُصرف ثمناً باهظاً في الداخل الإيراني غير البعيد عن العين الأميركية لجهة استهدافه والعبث به، وبرغم مما تباهي به طهران من قدرات صاروخية نوعية لن تعرف في اعتقادنا قاعدة المكان والوقت المناسبين إذا ما تعرّض الداخل الإيراني لهزات كبيرة، إلا أنّ عليها أن تقلق.

نقلا عن جريدة البناء