الخبر وما وراء الخبر

الصراري جرح جديد في الجسد اليمني

194

بقلم / أ٠د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

لكي نفهم القصة عن قرب علينا \ان نعرف حكاية الأسر التي سكنت هذه القرى ، فالمكان عبارة عن مُنحدر في سفح جبل صبر بُني عليها عدد من القرى المتناثرة ويقطنها العديد من الأسر اليمنية المتجاورة والمتآخية منذ أزمان بعيدة ، سَكَنت بها أسر يمنية مترحلة ومتنقلة كحال العديد من الأسر اليمنية منذ قرون خلت  ، وهنا بالتحديد سكنت الأسرة الهاشمية الكريمة من آل الجنيد التي وفدت الى المكان قادمة من وادي حضرموت شرق اليمن قبل مايزيد عن ستة قرون بحسب من التقيناهم من إبنائها المهتمين والمتخصصين وبحسب إفادات الرواه أيضاً ، وكغيرها من الأسر اليمنية المتنقلة بين منطقة وأخرى بإعتبار ان الأرض هي أرض مُشاعة لجميع اليمنيين ، كما وفد الى هذه المنطقة أسرة آل السروري الهاشمية القادمة من جبل السريرة من مضارب الصبيحة في جنوب اليمن ، وهي الأخرى حالها حال كل الأسر المتنقلة بين حاضرة يمنية وأخرى على أمتداد طول وعرض اليمن ٠

كلتا الأسرتين إستقرتا في هذه المنطقة وطاب لها المقام هنا قبل قرون من الزمان ، وهي بالمناسبة تنحدران من الطائفة الإسلامية السنية  الشافعية ، وأختار السلف منهم منهج المدرسة الصوفية المعتدلة بكل تعاليمها وطقوسها الدينية المعروفة ، وتتموضع جغرافيتها في قلب تجمع سكني مدني مسالم ، بمعنى انها ليست في خط التماس الجغرافي السياسي او العسكري او القتالي٠

هذه هي القصة السردية لقُرى وعُزل الصراري بإيجازٍ شديد ، لكنها كغيرها من الأسر والمناطق والقبائل اليمنية التي رفضت العدوان البربري لدول حلف العدوان بقيادة السعودية ، وهنا معنى القصة التي بدئنا بها المقال ، وقد يكونوا عددٍ من أُسر آل الجنيد وأل السروري أرسلوا من أبنائها إلى جبهات القتال للدفاع عن كرامة وعزة أرض اليمن وشعبها الكريم في وجه العدوان ، وربما حدد عددٍ  من شيوخها ووجاهاتها السياسية والإجتماعية موقفاً مسانداً مع الجبهة الوطنية  الداخلية بقيادة المؤتمر الشعبي العام وحزب أنصار الله  ( الحوثيين )  ، كل ذلك ممكناً خاصة بعد ان شطّر جريمة العدوان الهمجي الشعب اليمني الى شطرين:

الشطر الأول :  هي تلك القوى السياسية المناهضة  للعدوان وفي مقدمتها أنصار الله الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام وبقية القوى الشعبية الصامده ضد العدوان ، وهذه القوى تعيش في حاضن إجتماعي شعبي مقاوم ٠

الشطر الثاني : هي القوى التي بررت للعدوان السعودي حربه وجريمته ، وساعدته بمجاميع المرتزقة ، كالتجمع اليمني للإصلاح ( الأخوان المسلمين ) وقيادات بقايا متناثرة من الإشتراكيين ، الناصريين ، البعثيين والحراك الجنوبي وحكومة     ( الشرعية المهاجرة ) بالرياض ، ومقاتلي وحدات عسكرية مٰنظمة من داعش والقاعدة والسلفيين ٠

مُنذ عام ونيف وهذه القرى مُحاصرة من المجاميع المسلحة الداعمة للعدوان ، وفي يوم الثلاثاء بتاريخ 26مارس2016م فجراً إقتحمت المجاميع المسلحة قرى الصراري وتناقلت وسائل الإعلام الحدث بطريقتين فقناة الجزيرة القطرية والعربية الحدث السعودية ومشتقاتها إعتبرت الإقتحام انتصاراً للجيش اليمني (الوطني) الممول من قبل دول التحالف بقيادة السعودية ، وانه حدث تطهير وتصفية للقوات الحوثية الروافض والمجوس وان (الحُسينية) الوحيدة ويقصد به مسجد القرية تم تدميرها وبذلك انتهت رمزية ( مران التعزية ) والى الأبد ، وبالمقابل تواردت الأنباء من القنوات اليمنية كقناة اليمن الفضائية من اليمن ، ومن قناة اليمن اليوم والمسيرة والساحات ومواقع التواصل الاجتماعي نقلت الآتي :

تم اقتحام قرى الصراري وقتل عدد من المواطنيين المدنيين من آل الجنيد وآل السروري وخطف العديد من أُسرهم  من نساء وأطفال وشيوخ وتدمير مسجد الولي / جمال الدين الجنيد الصوفي الذي يقدر عمره ب 500عام ، وتم نبش قبره الطاهر وإحراق رفاته ، وإحراق المكتبة الصوفية الوحيدة بالقرية وإحراق خمسين منزلاً ، ونهب كل ممتلكات هذه القرى بما فيها المواشي من الأغنام والعجول أما الأبقار الكبيرة فكانوا يرمونها حية من على سفوح الجبال وهذه المعلومات سمعناها مباشرة من شهادات حيةٍ من المواطنين هناك ، وللتذكير وقبل أشهر مضت بان الرآي العام اليمني والعربي ومنظمات حقوق الانسان الدولية يتذكرون  بحسرة ووجع لما وقع من عمل إجرامي وإرهابي بحق أسرة الرميمة الهاشمية الكريمة في ذات المحافظة المنكوبة  ٠

لم نكتفي بما تناولته وسائل الإعلام ولا شبكات التواصل الإجتماعي ، بل ولمزيد من التأكيد فانني قمت بالتواصل مع العديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية الإجتماعية والسياسية القريبين من الحدث والموقع وأكدوا صحة هذه الأخبار٠

إذاً ماهي الأهداف المتوخاة من إختيار قرى الصراري لإرتكاب جريمة دول العدوان ومرتزقتهم وماهي التداعيات اللاحقة من هذا الفعل القبيح :

الهدف الأول :

هو إحداث فتنة طائفية وعرقية قادمة مقيته ، يُراد لها ان تستمر حتى بعد طَي صفحة العدوان ، وادخال عنصر الصراع الدموي التصفوي بين الأسر الهاشمية الشريفة وبقية القبائل والتجمعات السكانية ٠

الهدف الثاني :

هو تذكيرنا جميعاً بان تدمير الأضرحة لأولياء الله الصالحين هي منهج إعتمده غُلاة التطرف والتشدد من حاملي (جرثومة) فكر التطرف الوهابي الإرهابي لم ولن تتوقف عند مدينة او قرية او حتى في الخلى الخالي  ، وأنها رسالتهم و ( عقيدتهم ) في تدمير كل ماله صلة بتراثنا الإسلامي الصوفي في كلٍ من عدن ولحج وشبوه وحضرموت وتعز ٠

الهدف الثالث :

دول العدوان تبحث عن نصر معنوي إعلامي ، كونهم يُهزمون في كل جبهات القتال وتتلقى الهزائم المميته في كل مناطق التماس ، وفي عمق جبهة الإراضي السعودية ، ولهذا بحث المرتزقة عن جبهة مدنية لتحقيق نصر معنوي ، ولكنه للأسف نصرٌ على النساء والأطفال والشيوخ في ( جبهة ) قرى الصراري ٠

الهدف الرابع :

حينما يتم الإنقضاض على القرية الصغيرة ويتم توجه المقاتلين ( الأشاوس )  ونبش قبر احد رموزها الدينية الصوفية وإحراق رفاته ، والتوجه نحو المكتبة الصوفية الوحيدة بالقرية وإحراقها ، هذا يهدف الى تعميم ونشر المذهب الوهابي لقادم الأيام في كل الوطن ، لأن مُعتنق ذلك الديانة يتوهم بانه الخلف النقي للسلف الصالح والمكلف بنشر الدين القويم !!! ، هذا الحدث الأليم يذكرنا بتاريخ إجتياح بغداد عاصمة الخلافة العباسية حينما انهزم جيش المسلمين على أسوار بغداد ودخل التتار وأحرق مكتبات وكتب المسلمين عالية القيمة ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، وحُزني على يومي كحزني على أمسي  ٠

الهدف الخامس :

إرسال رسائل تخويفية واضحه لكل المناطق والمدن والقرى بان من يقف ضد العدوان ومرتزقته المأجورين ، سيتم معاملته بتلك الطرق الوحشية البربرية ، وشاهدنا معاً قبل أشهر خلت في شوارع مدينة تعز بانهم يرقصون فرحاً ويهللون طرباً ، وهم يسحلون جثامين خصومهم بوساطة السيارات والدراجات النارية بين الأزقة والحواري والطرقات العامة ، ولاقى بعض جنود الجيش واللجان التمثيل الوحشي بأجسادهم الطاهرة ، والهدف من كل ما ذُكر هو إدخال الخوف والرعب في قلوب مخالفيهم حتى وان سلموا انفسهم ٠

الخلاصة مما سبق فهذه الحرب العدوانية البشعة التي نفذتها وقادتها المملكة السعودية بكل جبروتها وعدتها ونفوذها المالي الهائل وإستأجارها لطابور طويل من المرتزقة القدامى منهم والجدد قد خلقت واقعاً جديداً على الأ رض وفي وعي ووجدان اليمنيين جميعاً ، والمواطن البسيط الذي نظر ذات يوم بإنبهار جم للعديد من الشخصيات السياسية والثقافية والحزبية ، والتي كانت تحرص على الظهور المتكرر من على الشاشة الفضية ومن على صفحات الجرائد اليومية ، وعبر الأثير للتعبير ( والحذلقة الكلامية ) لتوجيه الرسائل والنصائح للشعب ، إفتقدها اليوم ولم يعد يسمع لها ( نخس ) ولا صوت ، ويسأل أينهم من إدانة العدوان٠

أينهم من كل الجرائم التي تحدث في قُرى الصراري وفي تعز وفي عدن وصنعاء ومأرب والحديدة وشبوه وذمار ؟  اينهم من قصف طيران العدوان ومن غدر المرتزقة بالداخل؟

كيف سيجيبون على كل هذه التساؤلات المباشرة ؟

وستضل مثل هذه التساؤلات سهامٍ ناريةٍ موجهة لذوي الضمائر المُسترخية او المحايدة من كل ما يحدث من نزيف في الجسد اليمني المُثخن بالجراح ، والله أعلم منا جميعاً ٠

﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

محافظ مدينة عدن