الخبر وما وراء الخبر

العراب الفلسطيني والتحالف السعودي الاسرائيلي

153

بقلم / صابر عارف

عندما كنا نحذر من خطورة ومستقبل العلاقات الاسرائيلية الخليجية السعودية طيلة السنوات الماضية وخاصة منذ العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز العام 2006 م ، حيث تضامنت السعودية ودول الخليج العربي مع العدوان واعلنت رغبتها باستمرار الحرب على لبنان وعلى حزب الله المقاوم حتى القضاء عليه ، وجعلت من ادواتها اللبنانية رأس حربة للإعلان الصريح عن ذلك … عندما كنا ندعوا للحذر واليقظة ولا سيما خلال العامين الأخيرين كان الكثيرون يتهموننا بالتجني والمغالاة والتطرف ونكران الجميل السعودي الدولة العربية الاولى بالوفاء بتسديد الالتزامات المالية العربية لقيادة الأمر الواقع ، متجاهلين ان هذا أمر وقرار أمريكي اسرائيلي أساسا لإعالة وإعاشة السلطة الامنية الفلسطينية التي اوجدتها لحماية الاحتلال ، ويتهموننا بالعدمية والجهل السياسي الذي يفترض العمل لزيادة الأصدقاء وتقليص دائرة الاعداء ، ويزايدون علينا بعدم الوعي لحقيقة وعمق التناقضات والصراعات الدينية ، فالسعودية مهد الإسلام وعاصمته لا يمكن ان تبيع اراض وقف اسلامية لبني يهود ، ولا يمكن ان تتصالح معهم منذ خيبر والى يوم الدين . وباختصار ها قد حصل يا سادة القوم ويا عباقرة زمانكم ما كنا نحذر منه ونخشاه ، فماذا انتم فاعلون ؟!
فقد زار وقضى عراب العلاقات السعودية الإسرائيلية الجنرال المتقاعد من القوات المسلحة السعودية أنور عشقي على رأس وفد سعودي يضم رجال أعمال وأكاديميين عدة أيام في مدينة القدس الغربية ، والتقى عددا من المسؤولين في الدولة العبرية، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأحد الماضي بشكل رسمي وبوضوح تام لا لبس فيه ، ،، إن الجنرال عشقي الذي ترأس وفدا سعوديا، عقد اجتماعا مع المدير العام للخارجية الإسرائيلية دوري غولد المقرب من نتانياهو في فندق الملك داوود الفخم في القدس الغربية ،، وكان الاصرار على ذكر المكان مقصودا !! . وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة الإسرائيلية إيمانويل نحشون إن هذا اللقاء لم يكن الأول بين الرجلين، إذ أنهما التقيا في واشنطن في السابق قبل أن يتولى غولد منصبه الحالي.
والتقى عشقي أيضا على غير المتوقع ودون معرفة الاسباب الحقيقية وراء اللقاء الميجور جنرال يواف مردخاي رئيس الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية والمسؤولة عن تنسيق أنشطة الجيش في الأراضي الفلسطينية ، والمسؤولة استطرادا عن سلطة محمود عباس. كما تتواصل الاستعدادات والتحضيرات على قدم وساق لترتيب زيارة لنواب اسرائيليين الى المملكة العربية السعودية قريبا .
وكانت قد أكدت صحيفة جيروسلم بوست الإسرائيلية بأن عشقي جاء في مهمة “للترويج” لمبادرة السلام العربية. ولم تنف او تتنصل اية مصادر او جهات سعودية من هذه الزيارة ، ويقول مراقبون ووسائل إعلام إسرائيلية إن زيارة الجنرال عشقي إلى القدس لم تكن ممكنة من دون موافقة السلطات السعودية التي لم تصدر بدورها أي تعليق على الزيارة حتى الآن. الأمر الذي يؤكد الطابع الاسرائيلي للزيارة ويدحض تأويلات وتحريفات العشقي من انه ” لم يقم بزيارة إسرائيل، بل ذهبت لرام الله بدعوة من الفلسطينيين، واجتمعنا مع أسر الشهداء وواسيناهم، وحضرنا زفاف ابن مروان البرغوثي، أحد المعتقلين ورمز القضية الفلسطينية”. !! . واقسم بان الشهداء لو علموا بان انور عشقي سيزور أهاليهم لما استشهدوا في سبيل أنبل قضية بشرية يمتطيها أكذب وارذل بني البشر . وما اظن ان المناضل الكبير مروان البرغوثي كان سعيدا بتهنئة ابنه التي جاءت للتغطية على الاهداف الحقيقية للزيارة .
بدون مقدمات وبدون لف أو دوران قالها العشقي وبصريح العبارة ،، أنه إذا أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه يقبل المبادرة العربية، فالمملكة سوف تبدأ على الفور في إنشاء سفارة لها في تل أبيب . لاحظ كلمة على الفور ! ! فالدفع سلفا ومقدما وليس بعد انجاز واتمام التسوية والحل الذي يدعون السعي لتحقيقه ، قالها وهو يعلم علم اليقين كضابط مخابرات وكمدير لمركز ابحاث يقدم نفسه على انه مفكر ملهم ، يعلم علم اليقين بثقافة وتاريخ المفاوض اليهودي منذ ان فاوض ربه على البقرة !!!! ، ويعرف جيدا انهم لا يتنازلون عن نقير تمرة .
صرح بهذا الموقف الذي لا يستطيع ان يعلنه احد دون صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في المملكة السعودية ، ولا يستطيع ان يدلي بتصريح كهذا وبهذه الثقة واللغة الواضحة القاطعة رجل وزائر عادي ، يحمل صفة الدراسات والابحاث فقط !! ليؤكد للقاصي والداني بان الزيارة فتح جديد في تاريخ العلاقات الاسرائيلية الصهيونية ، وستفتح الطريق واسعا لاقامة تحالف سعودي اسرائيلي وطيد لمواجهة ايران وأي تيار عربي تحرري تنويري او مقاوم . تحت شعارات وتضليل زائفين مفضوحين ، بان الخطر الرئيسي المنتظر الذي يهدد الأمتين العربية والاسلامية هو خطر التشيع الايراني ، لصرف الأنظار عن الخطر الحقيقي الصهيوني القائم والمتحقق فعلا على الارض .!! انه الجنون بعينه ، بل انها الارادة والتعليمات الامريكية الصهيونية .
بهذه المزايدات والسخافات والاستهتار بعقولنا ، وبادعاء مواساة أسر الشهداء ، تمرر كل التفاهات العربية ، وما يدمي القلب ويثير الأسى والشجن ان يكون العراب الحقيقي الذي يغطى على هذه المهازل والجرائم هو الفلسطيني الذي يمثل قيادة الامر الواقع ، وللتضليل فقد التقى الوفد السّعوديّ بالرّئيس الفلسطينيّ، محمود عبّاس، ومع شخصيّات من القيادات الفلسطينيّة. وخاصة جبريل الرجوب التي اصرت وسائل الاعلام الاسرائيلي على انزال صورة خاصة له تجمعه والوفد الاسرائيلي السعودي المشترك . وكما هو معلوم ومعروف بان الرجوب طامع بالرئاسة وبان يكون خليفة محمود عباس ، ويتنافس في ذلك على كسب ود ومال دول الخليج مع محمد دحلان المقيم في الامارات كمستشار امني وسياسي لها ، وعراب متعدد الاتجاهات والاهداف !! . فالمشكلة الاساسية عندنا نحن الفلسطينين الذين نوفر الغطاء لهذه السياسات والمواقف المتخاذلة .
صحيح ان دول وحكام الخليج والسعودية لا يتآمرون على فلسطين فحسب ، بل وعلى كل بلاد الشام التي يدمرون ، بحقد أعمى مستوحى من حقد الجمل المشهود الذي يشكل موروثهم الثقافي والحضاري ، حيث يعانون من عقدة نقص أمام الحضارة المدنية الشامية مقابل حضارة البادية وثقافة الجمل الحقود ، ولكنهم ما كانوا ليفعلوا ما يفعلون لو ان الوضع الفلسطيني في حال غير هذا الحال الذي اوصلنا اليه محمود عباس ونظامه السياسي وادواته القيادية .

نقلا عن : رأي اليوم