الخبر وما وراء الخبر

الانحدار بتركيا.. أردوغان والقرضاوي

141

نظام مارديني

أسئلة عديدة يطرحها المراقبون لوقائع فشل الانقلاب التركي والإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعند ملاحظة هذا الكم من الاجتثاث يتأكد هؤلاء إلى أين سيمضي أردوغان بثقافة العلمانية التي تعتبر دستور البلاد.. أنظروا كيف أن ثقافة الاجتثاث هذه تطال 2880 قاضياً!

لم يأتِ الانقلابيون من فراغ، بل من الفراغ. وكان السؤال أين هي منظومتهم الفكرية والفلسفية التي كان يجب أن تتولى صياغة الشخصية السوسيولوجية للمجتمع التركي الجديد؟ أجل، سيلقي التاريخ باللائمة على القرضاوي. وإذا كان على الجيش التركي رفع الصوت تذكيراً بالإبادة التي تعرّض لها على يد أردوغان منذ تسلُّم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا في العالم 2002، فإن الأتراك تعرضوا لما هو أكثر مأسوية بكثير: كذبة الإسلام السياسي.

انظروا كيف استخدم اردوغان الرموز «الإخوانية» في تحريض الناس ودفع جمهوره للخروج من الجوامع، وعلى هذا النحو الفوضوي، ولذلك دلالات كبيرة تشبه إلى حدٍّ معين ما قام به إخوان مصر، هؤلاء الذين ما إن تسلّموا السلطة حتى حاولوا إلغاء كل مَن هو خارج ظلاميتهم.

ولكن إذا كان الجيش المصري نجح في خلع محمد مرسي، فلأنه شكّل كتلة واحدة خلف السيسي، إضافة إلى أن القسم الأكبر من المجتمع المصري دعم الجيش في انقلابه هذا، فإن المجموعة التي قامت بالانقلاب التركي افتقرت لدعم الجيش وقطعاته، كما أن «مسرحية» الإخراج التي قام بها «أبطال» الانقلاب لم تصل الشعب، ولذلك عزف جمهور الأحزاب العلمانية وشرائح كبيرة من الشعب التركي عن تأييد هذا الانقلاب، ليس لأن الشعب التركي نزل بكل قواه إلى الشارع تأييداً لأردوغان، كما حاولت أن توحي بذلك بعض وسائل الإعلام، إضافة إلى ذلك، إن عدم اعتقال أردوغان وعدم وقف خدمات الإنترنت وعدم حجب وسائل التواصل الاجتماعي عوامل ساهمت بفشل الانقلاب.

قال لي مراقب للوضع التركي: ألا ترى أن الشعب التركي يدور الآن حول الزمن، كما لو أنه يدور حول جثة تركيا، وهو سيبقى في هذا التضليل الإسلامي الذي أراد له أن يعيش لحظة الغرائز المذهبية، حتى قيام الجيش التركي بانقلابه الثاني.

ربّما حملت الواقعية، الواقعية الكارثية، الأتراك إلى التأمل في ما قاله ونستون تشرشل غداة انتصار الفيلد مارشال مونتغمري على «ثعلب الصحراء» اروين رومل في معركة العلمين «لم نصل إلى النهاية، ولا الى بداية النهاية. في أحسن الأحوال ربما نكون قد وصلنا الى نهاية البداية».

سيبقى تنظيم الاخوان يحفر في عباءة الأتراك.. بل وفي عظامهم.. المقاربة الأمنية وحدها لا تجدي أمام هذه الظاهرة، فيما الأنظمة المحيطة تقترب، بكل قبليتها، من الهاوية..!

سيقول الأتراك بعد فترة لا نجرؤ على أن نلقي بمسؤولية فشل الانقلاب على الله.. نكتفي بأن نلقي بهذه المسؤولية على.. القرضاوي الذي رأى محاولة الانقلاب حراماشرعاً، واصفاً إياه بالحق في مواجهة الباطل!

أنظروا مَن يُفتي لأردوغان كي تتأكدوا إلى أي انحدار تسير تركيا؟

نقلا عن جريدة البناء