الخبر وما وراء الخبر

صنعاء الرسالة .. فمن يكتبها؟

181

حمود عبدالله الأهنومي

باتت صنعاء تحتضن كل اليمن في هناء وسلام وأمن واستقرار، وأصبحت حاراتها ومطاعمها وشوارعها تكتظ باليمنيين من جميع محافظات الجمهورية، ولا سيما من تلك المناطق المنكوبة بالعدوان، في الجنوب والشرق والشمال.

صنعاء لا تميز بين يمني وآخر، تعتبر الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي، والجبلي والتهامي، والمدني والريفي أبناء متساويين، ولا تجد فيها من يستغرب من اللهجة العدنية، ويفهم الصنعاني القح لهجة أهل رازح وخولان صعدة، ويعتاد الطفل فيها على أولئك الذين يلبسون المعاوز البيضانية واللحجية، وكأنهم من صميم أهلها المتحدرين من غابر التاريخ، صنعاء الرحيمة بكل اليمنيين حتى أولئك الذين يرتلون حديث الارتزاق والاقتحام لها من الأوباش بشكل يومي، وربما تجد بعضا منهم فيها وإن غلفوا ذلك الحديث بنوع من التباكي على السلام، ورددوا معزوفة تعز تحاصر.

صنعاء معشوقة التاريخ، ومهوى أفئدة الرحالة العرب والمسلمين، ودار سلام اليمنيين، في هذا العام شد إليها اليمنيون الرحال حتى في خضم موجات القنابل النتروجينية والعنقودية التي قذفها العدوان السعودي الأمريكي على أحيائها السكنية. منذ شهور عديدة أطالب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس الخاصة بتقديم مدينة صنعاء كنموذجٍ أصيل في الأمن، والعدالة، والانضباط الوظيفي، وسرعة الفصل في القضايا المدنية والجنائية، والتربية والتعليم، والأوقاف، والمساجد، والمواصلات، وفي التعامل الحكومي الراقي للمواطنين، وفي الجامعات والمدارس والمرافق الحكومية، وفي المؤسسات العامة والخاصة، والمتاجر والأسواق، وفي النظاقة والماء والخدمات وفي التثيقف والتوعية.

أرى بأن تقديم المدينة العاصيمة بشكل حضاري وراق كنموذج يمكن تطبيقه في اليمن جميعا، لهو أمر مهم ويجب أن يتم التخطيط له والتنفيذ بشكل هادف ودقيق وقوي وفاعل، وهو نجاح يشير إلى نوع الدولة التي نحن مقبلون عليها، ونسعى من أجل إقامتها، لا سيما وقد نجح الأمن في توطيد الأمن بشكل مشهود له.

هذه اليمن في صنعاء، وهؤلاء سفراء المحافظات فيها ساقتهم الأقدار إليها، وهم من سينقلون هذه التجربة وأثارها إلى محافظاتهم ومناطقهم حينما يرون نجاعتها ونجاحها ورقيها، ولا بد أن نعطيهم الأمل الكبير في انتصار اليمن على هذا النحو، ليس على العدوان السعودي الأمريكي المدمر، ولكن أيضا على الظلم، وعلى التخلف، وعلى الجهل، وعلى الجفوة، والقساوة، والكسل، وسوء التعامل، وقساوة روتين المرافق الحكومية، والتلاعب والتقصير في الخدمات العامة لا سيما الضرورية منها. على أقطاب السلطة في صنعاء أن يقرروا اتخاذ خطوة كهذه، فإن لها آثارا محمودة على المستوى المرحلي والاستراتيجي، ويكفي أنها ستكون الرد الحاسم والجازم على كل المبشرين من كذبة العدوان باقتحامها، وحرمة المساس بها، كما ستكتسب قدسية أكبر وأعظم، باحتضانها الجميل والراقي لكل اليمنيين، ومن ثم سيصعب على المرتزقة وإعلام العدوان التجرؤ حتى على القول بدخولها، وستكون الرد العملي بالفرق الواضح والصريح بين المدينة التي يديرها اليمنيون والمدينة التي يسلبها الاحتلال حريتها وكرامتها كعدن والمكلا ومأرب.

لقد كرر الشهيد القائد أهمية تقديم النموذج المكاني للآخرين، بالتركيز على منطقة من المناطق وجعلها نموذجا يحتذى بين المناطق الأخرى، أما حين تكون صنعاء اليمن هي النموذج المقترح وفي هذه المرحلة فإن ذلك يعد من ألزم اللوازم، وأوجب الواجبات.

صنعاء هي رسالتكم إلى اليمن والإقليم والعالم، فاكتبوها حروفا من نورٍ، وعدلٍ، وإحسانٍ، ورقيٍّ، ومعروفٍ، وكرامة، وعدالة، وإنجاز، وإصلاحٍ. لتكن صنعاء بمعانيها الفخمة وجمالها الآسر وسرها العميق رسالتكم إلى الجميع.