الخبر وما وراء الخبر

الجزائر في عيد استقلالها… هل ينسى التاريخ !؟

162

هشام الهبيشان

في مثل هذه الأيام يحتفل الأشقاء في الجزائر بذكرى استقلالهم، هذا الاستقلال هو عبارة عن أسطورة لم يعرف لها العالم مثيلاً، ولا التاريخ البشري لها أنموذجاً. هذه الملحمة هي عبارة عن أسطورة وحكاية طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية وطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليوناً ونصف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أُهرقت في ميادين المقاومة، وفي المساجد، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون الاستعمار بكل تجلياته.

وفي التفاصيل أن في عام 1830 نزلت القوات الفرنسية في شبه جزيرة سيدي فرج غرب العاصمة الجزائر، بعد أن أعدت جيشاً يضم 40 ألف جندي من المشاة والخيالة، مزودين بأحدث أدوات الحرب، وأسطول يتكون من 700 سفينة، وقد اختارالفرنسيون هذا الموقع لحرصهم على مباغتة مدينة الجزائر بالهجوم عليها براً، نظراًَ إلى صعوبة احتلالها من البحر، فقد صمدت طيلة قرون أمام الأساطيل الغازية، وبمجرد أن وطأت الجيوش الفرنسية أرض الجزائر، هبّ الشعب الجزائري الرافض للسيطرة الأجنبية للدفاع عن أرضه، قائماً إلى جهاد نادت إليه الحكومة المركزية، وطبقة العلماء والأعيان في الجزائر.

وقد تركزت المقاومة الجزائرية في البداية على محاولة وقف عمليات الاحتلال، وضمان بقاء الدولة لكن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل نظراً إلى عدم توازن القوى، وتشتّت الثورات جغرافياً أمام الجيوش الفرنسية المنظمة التي ظلت تتزايد وتتضاعف لديها الإمدادات، وقد استمر صمود الجزائريين طوال فترة الغزو متمثلاً في مقاومات شعبية تواصلت طيلة القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين ومن أهم الثورات المسلحة خلال هذه الفترة.

– مقاومة الأمير عبد القادر والتي امتدت من 1832 إلى 1847 وشملت كلاً من المدية وبسكرة ومليانة ومعسكر وتلمسان.

– ثورة محمد بن عبد الله الملقب بومعزة، من 1845 إلى 1847 بالشلف والحضنة والتيطري.

– ثورة أولاد سيدي الشيخ من 1864 إلى 1880 بواحة البيض وجبل عمور ومنطقة التيطري، سور الغزلان وتيارت بقيادة سليمان بن حمزة، أحمد بن حمزة، سي لتعلي.

وفي بداية القرن العشرين، بلغت السيطرة الاستعمارية في الجزائر ذروتها على رغم المقاومة الشعبية التي شملت كامل أنحاء الجزائر تقريباً، وبدا دوي المعارك يخفّ في الأرياف ليفتح المجال أمام أسلوب جديد من المقاومة وهو النضال السياسي الذي انطلق من المدن، ويعود الفضل في ذلك إلى ظهور جيل من الشباب المثقف الذي تخرج من جوامع الزيتونة والأزهر والقرويين، ومراكز الحجاز، وعمل على نشر إفكار الإصلاح الاجتماعي والديني، كذلك دفعات من الطلاب الجزائريين الذين تابعوا تعليمهم باللغة الفرنسية، واقتبسوا من الثقافة الغربية طرقاً جديدة في التفكير لإنجاح نضالهم وفكرهم في الوصول إلى حقوقهم واستقلالهم.

واستمر النضال السياسي والمسلح المقاوم في كل الميادين فقد ظهرت حركات سياسية عدة في تلك الفترة، فقد نشطت الحركة الوطنية على الصعيد السياسي، فاتحة المجال أمام تكوين منظمات سياسية تمثلت في ظهور تيارات وطنية شعبية وتأسيس أحزاب سياسية من أهمها، حركة الأمير خالد، حزب نجم شمال أفريقيا 1926 وحزب الشعب الجزائري 1937 وجمعية العلماء المسلمين 1931، وبالتوازي يعمل كل طرف للوصول إلى اللحظة التاريخية التي يعلن فيها استقلال الجزائر وقد وصلوا فعلاً إلى غايتهم، وأعلن استقلال الجزائر بشكل كامل عن المستعمر الفرنسي ولكن بعد تضحيات جسام نذكر منها هنا.

-مجزرة عام 1945 مجزرة رهيبة شملت مدن سطيف وقالمة وخراطة، سقط خلالها ما يزيد عن 45.000 شهيد.

-إبادة قبيلة العوفية بوادي الحراش ومصادرة ممتلكاتها عام 1832.

-إبادة قبيلة بني صبيح، إبادة قبيلة أولاد رياح بجبال الظهرة.

– إبادة سكان واحة الزعاطشة 1849.

وكشاهد حي على كل هذه المجازر يقول أحد القادة العسكريين الفرنسيين بالجزائر وهو السفاح ديمونتنياك الذي اشتهر كقاطع للرؤوس، ويسجل في كتابه رسائل جندي: «إننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق والقتل والتدمير والتخريب حتى تركنا البلاد قاعاً صفصفاً، إن بعض القبائل مازالت تقاومنا لكننا نطاردها من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب، ويضيف أيضاً قائلاً: «ينبغي أن نقتل كل الرجال والأطفال وأن نضعهم في السفن ونبعث بهم إلى جزر المركيز أو غيرها، وبكلمة مختصرة، ينبغي أن نقضي على كل من لا يركع أمامنا.

لقد كان الاستعمار الفرنسي يهدف من خلال حديث هذا السفاح المدعو ديمونتنياك إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعاً لفرنسا لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيد تهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، إضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.

لقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحاً عميقة في بناء المجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر مئة واثنتين وثلاثين سنة، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدته القبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقده الإسلامي، وأحياء كنيسة أفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة «أن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين.

ولكن شاءت الأقدار الإلهية وإرادة الشعب الجزائري أن يكون اليوم الذي بدا فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر هو نفس اليوم الذي استقلت فيه غير أن الفارق الزمني بينهما 132 سنة امتلأت بالأحداث والشهداء، أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وبالخراب والدمار الواسع لبلد أنهكه الاستعمار، بلد وشعب عاشا لحظات الألم والأمل، فقد ضحى الشعب الجزائري خلال 132 سنة بكل ما يملك في سبيل الوصول إلى غايته بالتخلص من استعمار دموي أقل ما يمكن تشبيه بالاستعمار النازي الفاشي الصهيوني بقدر ما ارتكب بحق هذا الشعب من مجازر ومذابح تشوّه تاريخ البشرية.

ختاماً، وفي عام 1962 تجلى عزم الشعب الجزائري على نيل الاستقلال عبر نتائج الاستقلال عبر نتائج الاستفتاء التي كانت نسبتها 99.7 في المئة نعم، وتم إعلان استقلال الجزائر يوم 3 تموز 1962 واختير يوم 5 تموز عيداً للاستقلال، عيداً لاستذكار تضحيات مليون ونصف المليون شهيد، عيداً لاستذكار ملاحم الآباء والأجداد، عيداً لاستذكار وحدة الجزائر الجغرافية والديمغرافية، فهذه هي الجزائر بلد الشهداء وبلد الكرامة والعزة والشموخ، دامت بخير ودام شعبها متمسكاً بوحدته محافظاً على تاريخ الآباء والأجداد.

*كاتب وناشط سياسي – الأردن.

نقلا عن رأي اليوم