الخبر وما وراء الخبر

ماهي نقطة قوة التنظيمات الإرهابية؟ وماهي أسس التحصين الجيوستراتيجي العربي والإسلامي؟

215

د صلاح الداوودي

بالنظر إلى كل الأحداث الإرهابية والمتغيرات الإقليمية التي جدت وتتالت في منطقتنا، لاحظنا أن أغلب الخبراء والمحللين كما أغلب التصريحات والتقارير ومواقف المنظمات الدولية وما يتقاطع معها من خرائط جيوستراتيجية فيها ما ينشر وفيها ما يعمل عليه، مضافا عليها ما يتقاطع فيه الأصدقاء والأعداء ، لا حظنا أنه يكاد يكون هنالك شبه إجماع على تشابك العوامل الداخلية والخارجية إذا جاز التفصيل أو المحلية والمعولمة في نفس الوقت. إلا أنه لا بد علينا من التأكيد ، مرة واحدة، إننا حيال حرب جيوستراتيجية كبرى هذه سنواتها الخمس الأولى. حيث تشارف المرحلة الأولى، مرحلة تحضير الميدان، على إدراك نهايتها دون قطيعة قاطعة وإنما بدخول مرحلة ثانية كبرى من تحتها وفي نفس احشاءها وبنفس الأدوات ، هي مرحلة ترتيب الميدان. إن أخطر ما في هذه المرحلة الأولى أن السلاح الأول أي سلاح الإرهاب المركز على بعض الدول والإقليمي الشامل بدرجة ثانية والمعولم بدرجة ثالثة، أن هذا السلاح أدير بالأنظمة المورطة في لعبة الإرهاب ومن داخل هذه الأنظمة نفسها ونجح نجاحا كبيرا كنظام أنظمة يربطه خيط جامع هو خيط كتلة الاختراق الاستخباراتي المندمج الذي أدى إلى كل هذا الاحتراق وتشابك بين دفاعات وداخليات ووكالات استخبارات وغرف عمليات عدة دول وأسواق وشركات وعدد كبير من أمراء حرب الجماعات الإرهابية تدعمه عدة عوامل بما فيها قوى سياسية وإعلامية حاكمة أو قريبة من الحكم ومعارضة للحكم في عديد الأحيان، ما جعلنا نفكر أكثر من مرة أننا أمام وحدة أضداد وتوأمة للوحشيات.

ومعك ذلك كله، وبشكل واضح ودقيق، كان الاختراق الاستخباراتي هو العامل الأبرز ونقطة قوة الإرهاب الأولى من مجرد التسريب إلى حمل السلاح وتنفيذ الهجومات الإرهابية وحتى صناعة الرواية الرسمية وقتل الحقائق . ونحن نظن أن نقطة القوة هذه وهي الإختراق تنطبق على ما وقع في الأردن وفي تركيا وفي السعودية. كما تنطبق على ما وقع في فرنسا وبروكسل وأميركا وتونس وتنطبق بشكل أكثر خطورة على ما وقع في عدة مناطق في سوريا والعراق وهنا نتكلم عن ذروة الاختراق أي الخيانة الصريحة.

ومن هذه المنطلقات، أو من وجهة النظر المعصوفة الموجزة هذه، يمكننا التأكيد على أن المرحلة الأولى والثانية من هذه الحرب الجيوستراتيجية الكبرى تتعلقان بالجانب الجيوسياسي وقد استخدمت فيهما أغلب الأسلحة كما قلنا. واما المرحلة الثالثة والمرحلة الرابعة من هذا الرسم المنطقي العام الحامل لهذا التفكير الإستراتيجي الذي نحن بصدده، فتتعلقان مباشرة بالجانب الجيوستراتيجي بمعنى زعزعة القوى والعلاقات والمشاريع الجيوستراتيجية للقوى الاقليمية وحلفاءها كعنوان المرحلة الثالثة وبالهيمنة الجيوستراتيجية واحتكار النفوذ كعنوان للمرحلة الرابعة.

كل هذه المراحل مترابطة ومتكاملة بداهة وتستعمل فيها جميع الأسلحة وعلى رأسها الإرهاب الموجه توجيها جيوستراتيجيا. في مراحل هذه المعركة الأولى والثانية، لم تكن منطقتنا جاهزة بما فيه الكفاية لأنها ببساطة، في محور مقاومتها، لم تكن تخطط للعدوان والهيمنة ولا هي تعمل عليه أو مقتنعة به ولا هو من وارد عقيدتها الإستراتيجية .

إلا أنها سرعان ما تداركت لتضع كل مقدراتها في السياسة والميدان دفاعا عن هذه الأمة وتحالفا مع من تدارك أمره لأنه لم ينتهز تدافع وتداخل السيناريوهات، ونقصد هنا روسيا وقوة أخرى وهي بدورها مستهدفة وإن كانت المرحلتان الاخيرتان أكثر توجيها لهذا الصوب من دون أن لا تكونا بتحضير من المرحلتين الأوليين.

هنالك أمر يهمنا هنا أن نلفت إليه الانتباه قبل المرور إلى أهم ما من أجله نكتب هذه الورقة. هو موضوع العودة الإسرائيلية الواضحة إلى عنوان معركتها القديم أي الخمسينيات وما بعدها بتحضير سعودي خليجي وعربي وهو عنوان محاصرة العرب بالاتراك والافارقة وإن أمكن بالاعراق والطوائف بعدما دخلت إيران بقوة مرحلة ما بعد الشاه منذ وقت طويل وكسرت جزء من خطة إسرائيل الوجودية إلى الأبد. هذا التكتيك القديم الجديد نعبر عنه بالبنغريونية الجديدة وما طوفات اردوغان وبعده نتانياهو في إفريقيا إلا أكبر دليل ولنفس الأسباب وهي ضم مصر إلى الأردن كقوة ميتة ومحاصرتها ومحاصرة الجزائر وليبيا…الخ.

بهذا المشروع وإذا أمكن بمشروع شمال إفريقيا الجديد. على هذا الأساس نرى أن نقطة التمفصل الإستراتيجي هي إسرائيل وهي نقطة القوة والضعف في آن واحد ومعبر مرور كل المخططات في آن معا. إسرائيل من النقطة الأولى والأساس في صراع الإستراتيجيات هذا الذي يتمحور في قلب مشروع حرب جيوستراتيجي كبير علينا أن ننظر إليه في شموليته ومراحله وتقلباته الآتية حتى إذا سلمنا أن لا عقل يملك نسخة أصلية طبق الأصل لهكذا مشروع أو مشروع مشروع جاهز متكامل.

لعل أساس كل الأسس في مبدأ وبمبدأ التحصين والتعزيز الاستراتيجيين إستكمال المحافظة على جيوش المقاومة في بلاد الشام باعتبار لبنان تعزيزها في إيران والعراق واليمن لأنها الأكثر جهوزية والأكثر قوة في مواجهة الإختراق الذي تكلمنا عنه منذ البداية، رغم أنها في وقت ما كادت تقضي على مقدراتنا الاستراتيجية لولا التدارك العظيم الذي باركته دماء الشهداء، و إستكمال بناء معادلة الجيوش والشعوب والمقاومات موحدة متكاملة لا متحاربة مشتتة. هذا الأساس هو أيضا بوابة استراتيجية شاملة جامعة كبرى وإن بدت متعددة ومتدرجة أو اتخذت شكل استراتيجيات تفصيلية تخضع للتعديل المستمر. هم الآن يريدون تركيا ونريد مصر ولا رهان على السعودية الآن ولا نتطلع من تركيا والسعودية سوى كف أياديهما الآثمة.

هذا ولا يجب أن يأخذوا منا مصر التي عليها أن تنقذ نفسها كإحدى النماذج الناجحة في التصدي للإختراق مهما كان نسبيا ولن ينفعها كل كل تقوم به مع إسرائيل وهي أكبر عامل مساعد على صمود غزة وعلى صمود ليبيا قبل الانهيار الكامل الذي يريدونه لها.

نصارع على السعودية التي تحاربنا وتحارب نفسها بنفسها ولن تنفعها لا إسرائيل ولا أميركا ولا التوجيه الجيوستراتيجي الذي ظهرت بعض ملامحه في برنامج 2030 وهي ليست إلى الآن مثلها مثل مصر والجزائر وليبيا معفية من محاولات التقسيم والهز من الداخل حتى الانهيار بل هي مرشحة أكثر من مصر كما الجزائر مرشحة أكثر من ليبيا والمؤشرات تقول ان مصر والجزائر أكثر جهوزية وأهلية للتصدي وفي نفس الوقت أكثر استهدافا لنفس قوة أهميتهما الاستراتيجية.

وهكذا نخلص الى المعادلة الرباعية التاريخية التي نعمل عليها وهي مرهونة بالتحصين، ألا وهي معادلة الدول الأربع الكبرى اي إيران والعراق ومصر والسعودية أو المعادلة الخماسية بإضافة تركيا وهي معادلة مرشحة التطور ثلاثيا بإيران والعراق ومصر زائدا دول محور المقاومة لوقت ليس بقصير بانتظار ما ستؤول إليه المتغيرات بتركيا التي لن تستفيد لا من إسرائيل ولا من وأوروبا على المستوى البعيد والسعودية المترشحة في المدى المتوسط لتغيير كبير.

في المبدأ وفي النهاية أي في الواقع وفي الأساس الإستراتيجي المضاد يبقى عنوان مواجهة الاختراق الاستخباراتي بالأساس رهاننا الأكبر والأوحد.