الخبر وما وراء الخبر

أميركا والعرب وخارطة الطريق

163

عبدالعزيز بدر القطان

المخطّط الذي رسمته دائرة التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون بالاشتراك مع إسرائيل وبمساهمةٍ أساسية من الأميركيين اليهود الذين يحملون الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية مخططٌ يغطّي المنطقة العربية بهدف تدمير العامل القومي الذي يشكّل رابطاً بين كافة الشعوب العربية ويشدّها لدعم شعب فلسطين ورفض إسرائيل.

قد يشعر المواطنون في الشرق الأوسط بنوعٍ من الضياع حول ما يدور على أرض المعارك، وما يدور في الرُدهات السياسية، وتفاقم العنف وامتداده إلى أوروبا والولايات المتحدة. والضياع يشمل عدم وجود تأكيد لوجودٍ عسكري ميداني مقاتل للولايات المتحدة في سوريا كما هو في العراق. وكذلك عن وجود أو عدم وجود قواعد مُقاتلة للأسلحة الفرنسية المختلفة، سلاح الجو، سلاح الصواريخ، المدفعية وسلاح الدبّابات.

وكذلك هنالك عدم وضوح لطبيعة الوجود العسكري البريطاني على أرض سوريا.

فما هي الحقيقة؟ وما هو المتوقّع؟

الصورة العامّة لم تختلف رغم كل المفاوضات والمباحثات والأخذ والرّد. ففي لحظاتٍ من قول الحقيقة، قبل أن يتمكّن الرئيس الأميركي باراك أوباما من إعادة بلعها قبل انتشارها، تبرز الحقيقة، وهي ضلوع الولايات المتحدة حتى أخمص قدميها وابتداءً من رأسها، في مخطّط يستهدف إنهاء آخر معقل عربي يدعو إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويعمل لتحرير الأرض ويرفض الاعتراف بإسرائيل. وهذا الموقع هو سوريا والعراق.

فقد ظنّ الأميركيون أن تصفية الجيش العراقي هي مع تصفية نظام حزب البعث في العراق، وهذا ما سوف يأتي بنظامٍ جديد وجيشٍ جديد، سيحتاج الأميركيون إلى عقود لبنائه وتثقيفه بسياسات غير مواجِهة لإسرائيل وتعترف بها وتنكفئ لمعالجة المصائب التي زرعها الأميركيون في العراق.

لكن حساباتهم جاءت مخالفة للواقع، فالقوى التي تسلّمت السلطة في البلاد، تقف موقفاً صلباً من إسرائيل وتؤيّد تأييداً قومياً القضية الفلسطينية وشعب فلسطين وتدعم نضاله. ولذلك تفنّن الأميركيون في تجويع العراق ونهب ثروته النفطية، هم وحلفاؤهم الأوروبيون وتركيا، وتعاونوا مع البرزاني في سرقة هذه الثروة، وتحوّل العراق الغني والذي يمتلك تحت أرضه أكبر مخزون نفطي في العالم، إلى متسوّل على أبواب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ويهود أميركا.

لكن المخطّط الذي رسمته دائرة التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون بالاشتراك مع إسرائيل وبمساهمةٍ أساسية من الأميركيين اليهود الذين يحملون الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية مخططٌ يغطّي المنطقة العربية، بهدف تدمير العامل القومي، الذي يشكّل رابطاً بين كافة الشعوب العربية ويشدّها لدعم شعب فلسطين ورفض إسرائيل.

ويركّز المخطّط على استخدام التنظيمات التي أسّسها سابقاً الاستعمار البريطاني في العشرينيات والثلاثينيات لنفس الهدف (منع الرابط القومي من توحيد العالم العربي)، لتنفيذ ما قرّره سايكس وبيكو… من دول يوزّع عليها العرب تحت أنظمة مرتبطة بالاستعمار الجديد والقديم المتصابي (كالاستعمار البريطاني).

ويجمع المُخطّط للأداة التي ستقوم بمهمّة التفتيش،القاعدة (أسّسها وموّلها الأميركيون وأفراد من العائلة الملكية في إحدى دول الخليج)، وكلّفوا أسامة بن لادن بقيادتها لمحاربة الروس “الكفّار” في أفغانستان، والأخوان المسلمون الذين أسّستهم بريطانيا (أخوية الإسلام)، والتي ارتبطت على مدى العقود بتنفيذ مخطّطات الاستعمار البريطاني، ضدّ الأمة العربية ووحدتها، والوهّابيون الذين أسّسهم الاستعمار البريطاني في العشرينيات للقضاء على الثورة العربية الكبرى، التي رفعت شعار الاستقلال من الاستعمار التركي وشعار الوحدة العربية.

هذه الأداة كُلّفت بإشعال الصراع الطائفي وتفتيت البلدان العربية إلى إمارات طائفية وعرقية، تجعل منها أبعد ما تكون عن الدفاع عن نفسها، فكيف بموقفها من القومية العربية والوحدة العربية وقضية فلسطين. وتُركت الاحتمالات مفتوحة :

قد يتم تقسيم مصر إلى ثلاث أو أربع إمارات.

وقد يتم تقسيم سوريا إلى ثلاث أو أربع إمارات.

وقد يتم تقسيم العراق إلى ثلاث أو أربع إمارات.

واطّلعت أنظمة حليفة لواشنطن على هذا وطُلب منها الانضمام.

كانت تركيا أول المنضمين، وفي ذهن أردوغان هدفان:

– الأول هيمنة تركيا على النظام الإسلامي الذي قد ينشأ على طريقة الدولة العثمانية.

– والثاني كسب المغانم والمرابح من النفط العراقي والسوري المُهرّب إلى تركيا، والتلاعب على أكراد العراق لضرب أكراد تركيا وسوريا، وضمّ شريط حدود شمال سوريا، طالما كانت عين الأتراك عليه، ويشمل الهيمنة على حلب.

أما النظام السعودي فكان بذهنه أن يُهيمن الوهّابيون على المنطقة، بدلاً من تركيا، وكان هذا حلم وهدف الوهّابيين، الذي رسمه الاستعمار البريطاني، الذي تصدّى لإبراهيم باشا (ابن علي باشا الكبير)، والذي تمكّن من هزيمة آل سعود والوهّابيين، وذلك كان بطلب من الأستانة.

وعندما تابع إبراهيم باشا انتصاراته وحرّر بلاد الشام واقترب من تركيا، راحت أوروبا تحاربه رغم أنها كانت تخطّط لضرب الدولة العثمانية، فانتصار إبراهيم باشا، كان يعني هزيمة للأتراك والوهابيين الذين أسّسهم ورسم دورهم المستعمرون البريطانيون.

تصدّوا لإبراهيم باشا خشية من مشروع الاستقلال العربي والوحدة العربية، ولأن أداتهم لضرب هذه الوحدة واستقلال العرب كانت الحركة الوهّابية.

ورث الاستعمار الجديد مُمثلاً بالولايات المتحدة التركة الاستعمارية القديمة، فدعم وتحالف مع النظام السعودي الوهّابي، وتحالف مع الأنظمة التي صنعها البريطانيون، لتكون أدوات استعمارهم ونهبهم لثروات المنطقة.

لكنّ ثورة جمال عبد الناصر والمدّ القومي العربي، أفزع الاستعماريين القُدامى والجُدد، فتم وضع المخطّط لإعادة الحكم الطائفي وتفتيت الأمة العربية لطوائف، ولضرب حركة التحرّر العربي ولجعل منطقة الشرق الأوسط (بلاد العرب) خاضعةً لهيمنة القوة الإقليمية التي أسّسها الاستعمار القديم ودعمها الاستعمار الجديد (إسرائيل).

نعود لنقول أن المخطّط يستهدف القضاء على قضية العرب الأولى فلسطين من خلال تفتيت البلدان العربية وتقسيمها  طائفياً وزرع الصراع الدموي على أرضها لتتراجع عشرات السنين إلى الخلف، لتحتاج إلى عشرات السنين لإعادة بناء ما دمّرته حروب الاستعمار على أيدي عملائه.

أوباما عبّر عن نيّة الولايات المتحدة تحويل الحرب على الأرض السورية إلى حرب استنزاف طويلة المدى، والتي مارست الخِداع وما زالت في ما يتصل بمحاربة الإرهاب.

فهي في الحقيقة تساعد داعش تدريباً وتسليحاً وبشرياً، ونكشف هنا أن -المعلومات المؤكّدة تُشير إلى وجود رجال مقاتلين ينتمون إلى أكثر من دولة أوروبية-، وتؤكّد المعلومات من مصدر دبلوماسي غربي رفيع يقيم في أنقرة أنّ:

– مئات من الضبّاط والجنود البريطانيين يعملون في الميدان ضدّ الجيش العربي السوري، ويساندون جيش سوريا الحر وجيش الإسلام والنصرة.

– وأن أسلحة بريطانية (خاصةً المدفعية الثقيلة) قد أُرسلت إلى شمال سوريا.

– الفرنسيون أقاموا أكثر من قاعدة عسكرية في الشمال، ومنها قاعدة جويّة بتنسيقٍ مع تركيا. وعدد العسكريين الفرنسيين الضالعين في المعارك من دون تنسيق مع دمشق يبلغ أربعة آلاف بين ضابط وجندي وإداري وإتصالات وإسعاف.

– حكومة ألمانيا اتفقت مع تركيا على إبقاء دخول قوات ألمانية إلى شمال سوريا معلومةً سريّة.

لكن ميركل اتّخذت قراراً بإرسال قوات خاصة وضبّاط استشارة وأسلحة إلى مناطق في شمال سوريا تظن ميركل أنها قد تساعد في إيواء اللاجئين.

لكن الحقيقة التي أبلغها ضبّاط القوّة للمستشارة الألمانية هي أن اشتراكهم في القتال أمرٌ مقررٌ لطبيعة الأوضاع في تلك المناطق.

وتحت لواء الناتو  يشارك إسرائيليون وعسكريون من هولندا ودول اسكندنافية وإيطاليا في المعارك.

خلاصة هذه المعلومة هي أن الولايات المتحدة تخوض حرباً دولية ضدّ سوريا وجيشها العربي تحت شعار محاربة داعش.

وكانت الولايات المتحدة (أوباما وكيري) قد وعدت النظام السعودي بالتوصّل إلى حلٍ سياسي يرضيهم.

لذا فإن الولايات المتحدة تعود لتقول على السطح أن مستقبل سوريا السياسي يخلو من دورٍ لـ بشّار الأسد، وتسعى إلى إقامة نظامٍ طائفيٍ تتقاسم فيه الطوائف الحصص.

الولايات المتحدة هي العدوّ الأول والمحرّك الأول للقصف الدموي والضاغط على الجميع لتزويد الإرهابيين بالسلاح والذخائر، وأكبر حليفٍ لها في هذا الميدان هو تركيا، التي تُشكِّل  جسر الإمداد للإرهابيين .

ومن دون أن نغوص في تفاصيل أخرى، فإننا نرى وما نراه موثّق بأقوال المسؤولين الإسرائيلين، أن إسرائيل لعبت منذ البداية وما زالت تلعب دوراً متصاعداً في دعم الإرهابيين والاشتراك معهم في هذه  الحرب، مع تنسيقٍ إسرائيلي لهذه النشاطات مع تركيا والولايات المتحدة ودول عربية مجاورة.

الخطر الراهن يتركّز في محور الجنوب ( قنيطرة، درعا، السويداء،… والجولان)، ومحور الشمال ويتمثّل في حلب وإدلب، وكذلك في القلمون، محور لبنان.

وتتّبع هذه الأطراف تكتيكات عسكرية هدفها إنهاك القوات العربية السورية.

وهذا يُبرز أهمية العمل على تنظيف الجبهات، جبهةً وراء جبهة تنظيفاً كاملاً.

ومن المهم الإشارة هنا إلى ضرورة تصفية مخزن إدلب، فإدلب هي مخزن سلاح وذخيرة وإرهابيين ومرتزقة، يمدّ الجبهات بالمساعدة.

ولا بدّ من جعل طرق تركيا إلى شمال سوريا طرقاً حارقة مدمّرة، لا يجرؤ أحد على استخدامها لتهريب النفط والمرتزقة.

ولا بدّ من اتبّاع سياسة تكتيك الكمائن لتصفية كل من يتسلل عبر حدود درعا وحدود الجولان وحدود القلمون.

الحرب ستستمر ولا مجال للتهاون ونعني بذلك

– لا مجال لهدنةٍ يستخدمها الأميركيون لنُصرة النُصرة وداعش والإرهابيين.

– لا بد من اعتبار أي وجود عسكري أوروبي من دون موافقة الحكومة السورية هدفاً عسكرياً مشروعاً للجيش العربي السوري.

– الأخذ بعين الاعتبار أن معظم زعماء دكاكين الإرهاب على الأرض السورية، أصبحوا مرتبطين مصلحةً باستمرار المعارك، فهذا يدرّ عليهم أرباحاً طائلةً ثمناً للمرتزقة وثمناً للذخائر وثمناً للوقود وثمناً لزراعة الممنوعات وتصدير المخدّرات.

وهنالك أنظمة كالنظام السعودي ونظام قطر وغيرهما، جاهزة ومستمرة في ضخ الأموال،  ثمناً لتدمير سوريا العروبة، وتمكين إسرائيل من ابتلاع الجولان.

– إن مَن يقاتل ويكافح ضدّ مخطّط أميركا الإسرائيلي في سوريا، هو الذي يكافح لتحرير فلسطين، وهو الذي يكافح لاستقلال الأمة العربية ووحدتها. وحيثما كان المواطن العربي يستطيع أن يكافح ضد هذا المخطّط الذي لا شك لدينا، في أنّه سيُهزَم رغم الثمن الكبير الذي سندفعه لهذا الانتصار على العدو.