الخبر وما وراء الخبر

السجال الروسي الأميركي إلى أين؟

166

ناصر قنديل

– تبدو جولة سجال أميركية روسية علنية بنبرة تعلو تدريجياً وتبدو وتيرتها قيد الارتفاع أكثر ومحورها الوضع في سورية، فعندما يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنّ صبر حكومته يكاد ينفد من تلكّؤ موسكو في تحديد موعد لرحيل الرئيس السوري، يكون الردّ من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مزدوجاً، فمن جهة يقول إنّ بحثاً حول مصير الرئيس السوري لم يكن بين واشنطن وموسكو، وإن لا تعهّدات روسية بتحديد موعد لرحيل الرئيس السوري، بل إنّ واشنطن تعرف موقف موسكو القائم على أنّ الفوضى ستعمّ المنطقة مع سورية بدون الرئيس بشار الأسد، ومن جهة ثانية يقول إنّ على الوزير كيري أن يتعلّم المزيد من الصبر لأنه سيحتاجه أكثر في الأيام المقبلة، لا يمكن القول إنّ الأمر انتهى هنا، لأنه عندما يطلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً في اليوم التالي بمناسبة مؤتمر اقتصادي، ليقول إنّ موسكو ترى مقترح واشنطن بمشاركة بعض المعارضين في الحكومة السورية الحالية مفيداً، وتردّ واشنطن فوراً بأنها لم تقترح شيئاً مماثلاً على موسكو، علينا أن نستنتج من مستوى الرسائل المتبادلة ومن يطلقها، انّ السجال مقبل على السخونة فالمزيد من السخونة.

– الواضح هنا درجة الجدية، عندما يصير الرئيس الروسي طرفاً مباشراً في السجال وتردّ واشنطن بإنكار ما نسب إليها، بعد شهور من التعاون وتبادل الإشادات بالتعاون، رغم سنوات التباين والمواجهات التي سبقت، والواضح أنّ السجال هو تعبير عن تفاوض علني يدور أمام الحلفاء والخصوم، له وظيفة في رسم السقوف التي يرسو عليها قبل دخول غرف التفاوض المغلقة وصعود الدخان الأبيض الذي يعلن التفاهم الجديد، المفترض أن يستبق استحقاقي شهر آب المعلن من موسكو واشنطن كسقف لانطلاق العملية السياسية، والاستحقاق الأهمّ وهو انطلاق السباق إلى البيت البيض، وحاجة واشنطن لإنجاز تضعه بيد مرشحها الديمقراطي في وضع انتخابي حرج، وهو إنجاز غير متاح في ملفّ تقديم الحلول السياسية للصراع العربي ـ «الإسرائيلي» من بوابة تفاهم فلسطيني ـ «إسرائيلي»، ولا في ملف الصراع مع إيران، ويبدو بابه الوحيد بعد عملية أورلاندو، الحرب على «داعش»، وهي حرب فشلت رهانات واشنطن على تحقيق اختراقات ذات قيمة فيها بالرهان على قدراتها ومن معها، من وراء ظهر روسيا وحلفائها.

– تأتي وثيقة الدبلوماسيين الأميركيين الداعية للتدخل العسكري الأميركي في سورية ضدّ الدولة وجيشها ورئيسها، كحاجة غبّ الطلب لإدارة الرئيس أوباما لتصوير التلكّؤ في تنفيذ الالتزامات المتفق عليها في التفاهمات السابقة، لجهة فك التشابك بين «جبهة النصرة» ومسلحي الجماعات المحسوبة على المعارضة وفقاً لتصنيف واشنطن، كنتيجة لتعرّض الإدارة لضغوط لا تستطيع تجاهلها رغم معرفة واشنطن وموسكو باليد السعودية الخفية في تمويل الموقعين على الوثيقة بالتزامن مع زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن ومناقشة الملف السوري في لقاءاته، فتتذرّع واشنطن بالوثيقة وتعلن عزمها على دراستها والإيحاء أنها تحرجها في لحظة انتخابية دقيقة وحرجة، وتستدعي تفهّماً من موسكو، وهذا معنى دخول أمر التداخل بين «النصرة» والجماعات المسلحة المعلق منذ شهور على خط السجال، فتعلن واشنطن احتجاجاً على استهداف موسكو لجماعات معارضة مدعومة منها، وتردّ موسكو فوراً أنّ ذلك بات طبيعياً بعد استحالة التمييز بين هذه المعارضات و«جبهة النصرة».

– يرتسم أفق مغلق أمام أيّ تصعيد، تعرف واشنطن ذلك جيداً، فهي ليست في وضع يسمح لها بالإصغاء لمحمد بن سلمان ولا لعادل الجبير والذهاب إلى حرب ضدّ سورية، أحجمت عنها يوم كانت أساطيلها قد تحرّكت في البحر المتوسط، ولم تكن قد وقّعت التفاهم على الملفّ النووي الإيراني، ولا روسيا كانت قد تموضعت في سورية، ولا السعودية تورّطت وغرقت وفشلت في اليمن، وكان شعار الحرب مسوّقاً ما فيه الكفاية تحت عنوان قانوني اسمه استخدام السلاح الكيميائي، فلن تذهب إليها اليوم وقد تغيّر كلّ شيء في غير اتجاه كما شرح بالتفصيل مدير المخابرات الأميركية جو برينان، والقضية اليوم انتخابية، وتحتاج نصراً على «داعش» لا تورّطاً في حرب قال الرئيس الأميركي باراك اوباما أنّ عدم قبوله خوضها هو الشيء الأهمّ الذي يفتخر به رغم تحريض الحلفاء وبعض الداخل، لأنه يعلم أنها كانت ستصبح مستنقعاً وفخاً لدولته وإدارته.

– البدء من سقفين واضحين متباينين يعني تفاوضاً ساخناً، سقف يدعو لتحييد الجماعات المسلحة من الغارات الجوية والحرب البرية وهي في تشابك مع «النصرة» ويطالب بوضع مصير الرئيس السوري على الطاولة، ومقابله سقف يقول باستحالة تحييد من لا يخرج من مناطق سيطرة «النصرة» وبأنّ المعروض هو المشاركة في حكومة تحت ظلّ الرئيس السوري، ووسط تجاذبات سياسية وإعلامية ومعارك عسكرية تدور شمال وجنوب سورية ووسطها سترتسم خلال شهر صورة مشهد من التوازنات، تقول بأنّ انتخابات رئاسية مبكرة خلال عامين في ظلّ رقابة أممية، سبق للرئيس السوري أن أعلن استعداده لها ضمن تفاهم شامل، هي الحلّ الذي يمكن لواشنطن أن تهديه لحلفائها وحلفاء حلفائها لتقول لهم إنها تثق بما يقولونه عن قدرتهم الشعبية وقد ضمنت لهم شروطاً منصفة لتسييلها في المنافسة في صناديق الاقتراع، وتدعو لانطلاق جنيف لتشكيل حكومة تشرف على تعديل الدستور والتحضير للانتخابات، ومن ضمنه فك التشابك بين الجماعات المشاركة في جنيف والتشكيلات الإرهابية.

 

نقلا عن جريدة البناء