الدم مقابل القلق
حنان محمد السعيد
دائمًا ما يكون الإختبار هو المعيار الأهم للقيم والأخلاقيات، وهو الذي يبين الصادق من الكذاب، والخائن من الأمين والمنافق من المتسق مع نفسه ومع افكاره، وخلال الخمسة سنوات الماضية، مرّ العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا بتجارب واختبارات مؤلمة، فعلت بالمجتمع الدولي والشخصيات العامة ما تفعله النار بالمعادن، فمنهم من خرج لامعًا مصقولًا، وأفضل مما دخلها وقليل ما هم، ومنهم من فقد بريقه، ومنهم من تشوه ومنهم من تفحم، ومازالت البوتقة تفضح لنا المزيد والمزيد، وتكشف لنا أسماء ومؤسسات وحكومات كنا نحسبها علي شئ ..وما هي بشيء.
أحدث هذه الاختبارات والتي بينت شناعة ما نحن فيه، وكذب ما تدعيه المنظمات الدولية ودول العالم الأول عن احترام الإنسان والسعي خلف تحقيق قيم نبيلة، هو عدم صمود الأمم المتحدة أمام الضغط السعودي، وإخراجهم من القائمة السوداء لإنتهاك حقوق الأطفال خوًفا من فقد التمويل، ولم يحرك مشاعرهم أو ضمائرهمأن يتبرع لهم بالمال أطفال اليمن الذين فقدوا الأمان والعائل والبيت تحت قصف عدواني غير مبرر، وفقدوا حياتهم نتيجة العبث بالقنابل العنقودية المحرمة دوليا التي تنتجها بلادكم والتي تتساقط عليهم من السماء.
ولم يلقي هؤلاء بالًا لما تقدمه المنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش من تقارير وأرقام ومنها هذا التقرير:
“تعتبر الحملة العسكرية الجارية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن كارثة بأتم معنى الكلمة على المدنيين اليمنيين. وفقا للأمم المتحدة، قُتل 3500 مدنيا على الأقل منذ مارس/آذار 2015، أغلبهم سقطوا في غارات جوية للتحالف. وثقت هيومن رايتس ووتش وحدها 43 غارة جوية للتحالف، بعضها قد يرقى إلى جرائم حرب، تسببت في مقتل 670 مدنيا على الأقل، منهم 200 طفل تقريبا، و16 هجمة استخدمت فيها قنابل عنقودية محرمة دوليا، ما أسفر عن إصابة 66 مدنيا وقتل 19 آخرين على الأقل.
رغم هذه المذابح، لم تخضع السعودية وحلفاؤها لأي مساءلة عن الهجمات غير القانونية في اليمن. الولايات المتحدة، التي وفرت معلومات استخباراتية وأشكال أخرى من الدعم المباشر للتحالف، هي أيضا طرف في النزاع، لكنها لم تتخذ أي خطوات للتحقيق في هجمات شاركت فيها وتبدو غير مشروعة.”
وبالتالي لم نستطع نحن أيضًا أن نتفهم أو نتعاطف مع موقف بان كي مون وهو يعرب للمرة المليون عن “قلقه” من أن يكون هذا الفعل فاتحة لمزيد من الإنتهاكات لحقوق وحياة الأطفال في مناطق النزاع حول العالم، لأنه سيفعل، أنت تعرف أنه سيفعل، ونحن نعرف أنه سيفعل، وحتى المعتدين يعرفون جيدًا أنه سيفعل، وأنه بمثابة ترخيص وضوء أخضر يحظى به القتلة لمزيد من القتل والإنتهاكات.
ما الذي جناه أطفال اليمن من قلقكم؟ وما الذي جناه شعب البحرين المضطهد المنهوب المطارد في رزقه وحياته ودينه والمشرد خارج وطنه، والذي يفقد أطفاله حياتهم قبل أن يروا النور نتيجةإغداق الحكومة الفاقدة للشرعية عليهم بالغازات السامة -التي تصدرونها لهم-في العديد من المناطق السكنية دون اعتبار لحوامل ورضّع وعجائز ومرضى؟ ما هو رد فعلكم على وأد حكومتهم لكل صوت معارض، وإخراس كل من يتجرأ على المطالبة بحق شعبه؟
السادة أصحاب الياقات البيضاء والأحاسيس المرهفة، ما الذي جناه عشرات الآلاف من المعتقلين في أشنع الظروف في مصر لأنهم فقط عبروا عن رأيهم ورفضوا التخريب المتعمد المنظم الذي يقضي على مقومات الدولة وعلى مستقبلها وحتى تاريخها؟
السادة أصحاب الأظافر المقلمة والنظيفة يا من تعيشون في عالم اخر، ما الذي جناه المدنيون في سوريا والعراق وليبيا من قلقكم؟ غير أنكم تقتسمون الغنائم فوق جثثهم وتتاجرون بدماءهم وكل ما يعنيكم، أن يتولى الحكم في بلدانهم عملاء موالين لكم يحققون رغائبكم، ويحفظون لكم حياتكم المرفهة !
السادة أصحاب البشرة الناعمة المتوردة يا من تنالون أقصى درجات العناية والرعاية، كم تلقيتم ثمنًالمواطنكم الذي قضي تحت التعذيب؟ وكم من شاب واعد شريف لاقى نفس مصيره ولم يحرك ذلك فيكم ساكنًا؟
أيها السادة الذين تتنعمون من الأموال التي تتقاضونها لقاء بيع أسلحة القمع والدمار، وتثيرون الفتن والصراعات من أجلها، هل أحسستم مرة بمرارة طعم الدماء فيها؟
أيها السادة موفورو الصحة، هل شعرتم يومًا بآلم طفل في الكونغو غلبه المرض والقهر وهو يستخرج لشركاتكم العظيمة الكوبلت لقاء الفتات، وقد لا يعيش ليبلغ عامه العشرين؟
هل شعرت جميلاتكم اللاتي يتحلين بالذهب، بمعاناة طفل كيني أو غاني أو تنزاني، أجبر رغم حداثة سنه على العمل في التعدين واستخراج الذهب لقاء ما يقيم أوده في ظروف غاية في القسوة، معرض لكافة صنوف المخاطر، فقد يدفن حيا إذا انهار المنجم فوق رأسه، كما أنه معرض لأسوء أنواع التسمم لتعامله المباشر مع معدن الزئبق الخطير جدًا على الصحة!
هل شغل أحدكم باله عندما يبيع ماسة فريدة بمبالغ خيالية، كيف وصلت هذه الماسة إليه، وبدم من تلوثت، وما الذي اكتسبه أصحابها الفعليين لقاءها؟
أيها السادة القائمون على مصالح هذا الكوكب المنكوب بكم، ما الذي تفعلونه تجاه ما تقدمه المنظمات الحقوقية بشكل يومي من تقارير دامية تحكي قصص الاف المقتولين والمنتهكين، وتشير بأصابع الإتهامات نحو قاتليهم ومنتهكيهم حاملة أدلة الإدانة، ما الذي فعلتموه تجاه هؤلاء؟ ولماذا كنتم دائمًا في صف من يدفع أكثر ومن يحقق لكم الفوائد؟
لماذا كنتم ومازلتم مع القاتل والفاسد والسارق والمعتدي، ضد كل ما هو جيد وصالح، لماذا كانت رفاهيتكم أهم من دمائنا وأبناءكم اهم من ابناءنا وحياتكم أثمن من حياتنا؟
من الذي قسم لنا ولكم تلك القسمة الضيزى؟