الخبر وما وراء الخبر

معلومات خطيرة عن خطة “فيرستاين” في اليمن ودور “عبدربه منصور هادي” في هذه الخطة

486

ذمار نيوز -النجم الثاقب 8 يونيو 2016م

قبل عام ١٩٩٠، كانت التفاحة اليمنية مشطورة إلى نصفين . وكان نصفها الجنوبي فاسدا – بحسب المعايير الأميركية – التي تعتبر الأنظمة الإشتراكية الفيروس السياسي ” الأكثر خطرا وتهديدا لمصالحها .

ولذلك ، وجد الأميركيون وحلفاؤهم في الوحدة اليمنية وسيلة مناسبة للتخلص من الفيروس الإشتراكي في جنوب اليمن ، وبأقل التكاليف .

إستعادة الوحدة التي كانت أمل اليمنيين لتحقيق طموحاتهم . كانت بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ، مجرد مصيدة للحزب الإشتراكي اليمني .

هذا ما أدركه الحزب الإشتراكي في السنوات الأولى للوحدة بععد أن فقد المئات من كوادره في عمليات إغتيال .

وحين حاول الخروج من المصيدة ، والمحافظة على ما تبقى من قدراته ، لم يجد أي دعم خارجي لاستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، ليفقد ذراعة العسكري في حرب 1994 وتداعياتها .

وعلى الرغم من تخلي الحزب عن أيدلوجيته بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ، وتحالفه مع القوى الليبرالية الجنوبية لاستعادة الدولة في الجنوب ‘ إلا أن دعواته الجادة لإقامة دولة مدنية حديثة ، وسعيه الحثيث من أجل ذلك خلال السنوات الأربع الأولى من عمر دولة الوحدة . ودوره في خلق حراك سياسي ديمقراطي حقيقي في دولة الوحدة . كل ذلك كان كافيا للأميركيين وحلفائهم ليفرضوا على الحزب مزيد من العزلة والمراقبة ومنعه من استعادة دولته في الجنوب .

كان الجنوب اليمني آنذاك ” منطقة شغل ” يجري فيها العمل على قدم وساق لتنفيذ عدد من المشاريع السياسية والأمنية ، وتوطين العديد من التنظيمات الإرهابية والحركات الأصولية التي وجدت في الجنوب ” أرض الميعاد ” .

بعد ٢٦ عاما على استعادة الوحدة اليمنية ، لايزال الجنوب اليمني ” منطقة عمل ” يجري فيها تطوير نفس المشروعات السياسية التدميرية ، وانتشرت مستوطنات الجماعات الإرهابية شرقا وغربا ، من الحوطة في لحج ، حتى المكلا وسيئون في حضرموت ، بعد أن كانت محصورة في كهوف جبال المراقشة في أبين .

 

من التوطين إلى التهجير

وفي الآونة الأخيرة ، بدأ العمل بمشروع ديمغرافي جديد ، من خلال تهجير السكان المنحدرين من أصول شمالية من المحافظات الجنوبية . ينظر البعض إلى هذه الخطوة بأنها تمهيد لإستقلال الجنوب ، لكنها في الحقيقة تأتي في إطار لعبة الخارج متعددة الأهداف ، ومن بينها ” تخدير” الجماعات الجنوبية المطالبة بالإنفصال عن الشمال .

 

في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، كانت أغلبية سكان مدينة من أصول شمالية ـ بحسب أحصاء سلطات الإحتلال البريطاني ـ وكان حضورهم قويا وفاعلا في المؤسسات النقابية العمالية والتنظيمات السياسية السرية والعلنية التي اضطلعت بالكفاح السياسي والمسلح ضد الإحتلال البريطاني . وتبوأ أبناء الشمال مناصب قيادية في الحزب ومؤسسات الدولة بعد الإستقلال .

الآن ، يجد الحزب الإشتراكي اليمني الذي تربع على عرش السلطة في الجنوب منذ رحيل الإحتلال البريطاني عام 1967 وحتى قيام الوحدة اليمنية في 1990 ، يجد نفسه  غريبا في الجنوب بعد تآكل قاعدته الجماهيرية بفعل الضربات السياسية والأمنية التي تلقاها في مصيدة الوحدة من جانب ، ومن خلال المشروعات السياسية التي نفذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها المحليين والإقليميين خلال أكثر من عقدين في الجنوب . لقد وصل الحال حد المطالبة في مسيرة جماهيرية بحضرموت قبل عامين ، بإجتثاث الحزب الإشتراكي من الجنوب ، بإعتباره حزبا شمالي الأصل والمنشأ .

 

الحراك وإستقلال الجنوب

في تقرير للصحفي الأميركي ، واين مادسن ، بعنوان : ” هل تشهد جنوب الجزيرة العربية ظهور ” اشتراكية جديدة ” ؟  نشرفي موقع ” WayneMadsenReports ” في نوفمبر2014 ، وكشف فيه جوانب متعددة من اللعبة الأميركية السعودية الأسرائيلية في اليمن ، كتب مادسن : ” بالنسبة لواشنطن ، استقلال الجنوب ليس خيارا ، وفي حين تنفذ طائرات الدرونز عملياتها ضد الجماعات الإنفصالية ، تقوم المخابرات الأميريكية بحملة تضليل واسعة لتصوير تلك العمليات بأنها ضد القاعدة . ماكينة التضليل التابعة للمخابرات الأميركية، أيضا، تحاول زورا ، ربط الحراك الإنفصالي بالقاعدة ” .

ويضيف مادسن : ” علاوة على ذلك ، تتبنى منظمات المجتمع المدني التي يمولها ” جورج سوروس * ” البروبجندا الإسرائيلة بإتهام الحراك الإنفصالي بتلقي الدعم من إيران ، ويشدد مادسن على ان هذه الإتهامات اسرائيلية خالصة ” .

ويحاول الصحفي ، واين مادسن ، الإجابة على السؤال الذي جعله عنوانا لتقريره ” هل سيكون الجنوب العربي واحة للإشتراكية من جديد ؟”. ويقول :  ” ومع ذلك ، فإن عودة ظهور جمهورية مستقلة ، بنظام إشتراكي علماني ، في الجنوب وعاصمتها عدن ، سيقوض ثبات المنظمات الإسلامية الأصولية التي جلبتها تركيا وقطر وإسرائيل وأميركا إلى منطقة الشرق الأوسط ، وغيرها من الذرائع”.

وفي ظل هذه المشروعات ، يصبح استقلال الجنوب ، بالنسبة لأميركا وحلفائها ، مشروعا مؤجلا – إن لم يكن ملغيا – .

وحول نوايا الولايات المتحدة في السيطرة على جزيرة سقطرى ، قال مادسن أنها تسعى لتحقيق ذلك منذ زمن ، لكنها تفضل أن يكون ذلك من خلال إتفاق من الحكومة المركزية في صنعاء ، وليس من خلال دولة مستقلة في الجنوب عاصمتها عدن ، أو من خلال ” سلطنة القشن ” التي تضم المهرة وسقطرى ـ في حالة إستعادتها ـ .

 

خطة فيرستاين

تقسيم اليمن إلى أقاليم ، والذي أثار جدلا واسعا ولا يزال ، هو خطة أميركية لمعالجة التفاحة الفاسدة في اليمن ـ بحسب تقرير الصحفي واين مادسن الذي جاء فيه : ” المخطط تم وضعه بواسطة السفير الأميركي السابق في صنعاء ، جيرالد فيرستاين وحلفائه الموالين لإسرائيل ،والمعادين للشيعة في وزارة الخارجية الأميركية ، وبتمويل من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،” WINEP ” والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي “JINSA “.

وقال : ” تقضي ” خطة فيرستاين ” بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم ، متجاهلة رغبات ” أنصار الله ” والحراك الجنوبي الإنفصالي . وهي ليست سوى اختراع جماعات صهيوينية والمحافظين الجدد بهدف إبقاء اليمن تحت الهيمنة الغربية”.

 

هادي يتبنى الخطة

” لقد اتخذت قرارا بأن اليمن ستكون دولة اتحادية من 6 أقاليم ، 4 في الشمال و 2 في الجنوب . سنعلن القرار الليلة في نشرة الأخبار، ومن سيعترض على الأمر فإنه سيعتبرمعرقلا، وسيتعرض لعقوبات من المجتمع الدولي. ”

هكذا أستهل الرئيس هادي حديثه خلال ترؤسه إجتماعا لقيادات المكونات السياسية المشاركة في الحوار في 22 ديسمبر 2013 ، قبل شهر من إختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء .

لم يكن القرار الذي أعلن عنه هادي للحاضرين سوى جزءا من خطة السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فيرستاين أو ” خطة فيرستاين ” التي كانت جزءا من المعالجات الأميركية لـ ” التفاحة اليمنية الفاسدة ” قبل أن تتطور تلك المعالجات إلى ” تدخل جراحي ” من الجو والبحر والبحر بالصواريخ  الموجهة والقنابل النيترونية والعنقودية في عدوان همجي  سافر ، بدأ في 26 مارس ٢٠١٥، ولا يزال مستمرا للشهر الرابع عشر على التوالي .

مصادر حضرت إجتماع هادي بقادة المكونات السياسية قالت لصحيفة الأولى : أن أمين عام الحزب الاشتراكي ، نائب رئيس مؤتمر الحوار، الدكتور ياسين سعيد نعمان قاطع الرئيس هادي مبديا اعتراضه الشديد وواصفا القرار بأنه “استبداد غير مقبول”.

وأضاف الدكتور ياسين : “اسمح لي يا فخامة الرئيس: هذا استبداد وأسلوب غير مقبول وخارج عن مفهوم الحوار الوطني الذي نجتمع تحت رايته، نحن نرفض مشروع المؤتمر والإصلاح، مشروع قوى 94 الذي طرحوه قبل 4 أيام، وللأسف أراك اليوم تتبناه وبشكل واضح، وتنجر لخيارهم”.

وفي حين أبدى الدكتور عبدالكريم الإرياني ” ممثل المؤتمر ” ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح ، محمد اليدومي ، موافقتهما ، وقالا لـ هادي : إمض يا فخامة الرئيس ونحن معك . هدد ياسين بتقديم إستقالته ، وقال : ” إذا اردتم ان تعتبرونا معرقلين، فاعتبرونا كذلك، سأقدم استقالتي إذا مضيتم في هذا المشروع”.

 

قالب جديد لخطة فيرستاين

بعد جدل حاد بين ياسين وكل من الإرياني واليدومي ، تراجع هادي عن أصدارقراره ، ووجه بتشكيل لجنة لدراسة وحسم الموضوع من كل من: ياسين سعيد نعمان، ومحمد اليدومي، وعبدالكريم الارياني، و خالد باراس.

أختتم مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير 2014 ، وفي 27 يناير أصدر هادي قرارا بتشكيل لجنة لتحديد الأقاليم برئاسته ، وعضوية 22 شخصا بينهم : الدكتور عبدالكريم الإرياني ، ومحمد قحطان ، والدكتور أبوبكر باذيب الذي أخذ مكان الدكتور ياسين نعمان في الأيام الأخيرة للحوار .

وبخلاف اللائحة التي نظمت عمل اللجان الأخرى في مؤتمر الحوار ، أشترط قرار تشكيل لجنة تحديد الأقاليم حصول ” أقصى توافق ” وهو ما يعني تمرير أي مخرجات دون حصولها على توافق الجميع ، كما منح القرارالرئيس هادي حق الفيتو وإعتباره مرجعا لأي خلاف بين الأعضاء ، كما أعتبر مخرجات اللجنة نافذة ونهائية .

وفي أقل من أسبوعين ، أعلنت لجنة تحديد الأقاليم مخرجاتها ” خارج إطار الحوار” ، وتبنت ـ بعلم أو بدونه ـ ” خطة فيرستاين ” التي كان الرئيس هادي يعتزم إصدارها في 22 ديسمبر 2013  بقرار جمهوري ” دولة إتحادية من ستة أقاليم ، أربعة في الشمال وإثنان في الجنوب “.

 

أعلام الخارج والأقلمة

كانت لجنة الأقاليم ومخرجاتها بمثابة السم الذي دسه الخارج في عسل مؤتمر الحوار . وقد كان إهتمام هادي وحلفاؤه في الخارج بمشروع الأقلمة عن بقية مخرجات اللجان الأخرى لافتا. كما ظهرت وسائل إعلام تحالف العدوان غداة إعلان مخرجات لجنة الأقاليم بعنوان واحد : ” رسميا .. اليمن دولة إتحادية من 6 أقاليم ” كلمة ” رسميا ” تكررت في عناويين الصحف السعودية : الرياض ، وعكاظ ، والوطن ، الشرق الأوسط . كما وردت أيضا في عناوين : النهار اللبنانية ، الغد والدستور الأردنيتين ، وكالة الأناضول التركية ، سي إن إن الأميركية ، القدس العربي ” القطرية ” الشروق الجزائرية ، موقع قناة روسيا اليوم ، والمصدر أونلاين ، وغيرها من الوسائل الدائرة في فلك التحالف .  ورود كلمة ” رسميا ”  في عناويين الخبر بتلك الوسائل لم يكن صدفة ، لكنه محاولة لفرض التقسيم كأمر إلهي لا يحتاج لعرضه على الشعب أو مؤسساته الدستورية .

 

الدُمل يتحول إلى سرطان

يلخص الصحفي الأميركي ، واين مادسن ، Wayne Madsen ، اللعبة الأمريكية في اليمن بأربعة حروف : BOIL ، وتعني : الغليان ، أو الدُمل ـ ويبدوأن الكاتب قصد المعنى الأخير ، كما سيتضح لا حقا . وقد جمع مادسن الحروف الأربعة لـ ” الدُمل ” من الأهداف الأميركية الأربعة في اليمن . وهي :

1 ـ القواعد ” Basses ”

2 ـ النفط ” Oil ”

3 ـ إسرائيل ” Israel ”

4 ـ أهداف لوجيستية ” Lojestic ” .

ويخلص مادسن إلى : وكما هو الحال في مناطق اخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، من سوريا إلى ليبيا ، ومن مالي إلى شمال العراق ، ” BOILs – الدماميل ” الأميركية أصبحت سرطانا.

الكاتب والمحقق اليمني: عباس السيد