عدن والمسؤولية الأخلاقية والقانونية لدول الاحتلال
أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
أصبحت الحياة المعيشة في مدينة عدن في هذه الأيام جحيماً في جحيم و المقام فيها لا يُطاق ، ولولا عشق أبنائها لمدينتهم الجميلة عدن ، لما جعلهم يتحملون كل هذه المشاق والمعاناة لكانوا قد غادروها مُنذ أشهر خلت ، وسكّان عدن في أغلبهم يعشقون حياة الاستقرار والبقاء في أحيائهم السكنية (حوافيهم) وعلى ضفاف بحارهم وسواحلها الساحرة ، ذلك ما جعلهم يتحملون كل هذا الألم بصمت وصبر كبيرين ، وقد عانوا الأمرين من ضنك الحياة وشظف عيشها منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي ، وحينما قرر (الرفاق القدامى) القيام بتطبيق إجراءاتهم (الثورية الصبيانية) من تأميم ومصادرة لحقوق الغير (أي النهب الجماعي بالقانون الثوري) ومنع النشاط التجاري الحر والخروج في مسيرات جماهيرية غوغائية تطالب بتحرير المرأة وبحرق الشياذر وتخفيض الرواتب ومنع السفر و…….. الخ من الإجراءات القمعية البوليسية لمصادرة حق المواطن اليمني الجنوبي من حق التعبير الحر والسفر وحتى حقه في الحياة ( بالتأكيد تتذكرون معي زوار الفجر) ، نعم كل هذه الإجراءات القاسية عاشها المواطن العدني البسيط ، وتحمل تبعاتها على أمل ان يعيش بحرية وكرامة في قادم الأيام ، ولا أشك بأن عاقلاً وطبيعياً ممن عاش مرحلة السبعينيات لا يتذكر كل تلك المعاناة والخوف والرعب ، وسميت تلك الفترة بمرحلة التوجه “الاشتراكي” وهي ما أطلق عليها في القاموس السياسي ( بالنظام التوتاليتاري ) أي النظام الشمولي غير القانوني.
وحينما نذكر ذلك الفعل القبيح والممارسات الإرهابية والذي أصبح جزءاً من الماضي ، لا نعني به التلذذ بذكر الجراح أو جلد للذات كوننا جميعاً جزءاً من تلك المرحلة البائسة ، لكن مهمتنا هو تذكير بعضنا لأن البعض منا قد تناسى أو نسي تلك المرحلة أو لا يريد أن يتذكرها ، ولهذا وللأسف تطل علينا برأسها بين الفينة والأخرى ومن جديد ولكن بشعارات وعبارات هي أكثر بؤساً وفقراً وضحالة ، وكأن الزمن توقف لدى هؤلاء البعض ويحاول إعادة انتاج المهزلة من جديد , مدينة عدن تعاني الآن من إجراءات تعسفية صادرة من ( حكامها ) الجدد القادمين على ظهور دبابات وناقلات الجُند السعودي الإماراتي وبغطاء أمريكي، هؤلاء شكلوا وسيشكلون صدمة قادمة لعدن ولليمن عموماً، لأن تجربتهم في إدارة المؤسسات متواضعة وفي مضمار السياسة محدودة ويحملون أخلاقيات المليشيا غير المنضبطة ، وإدارة مدينة ومجتمع إنساني مدني لمدينة كعدن وضواحيها تحتاج لكل هذه المهارات الإدارية والحَنكة السياسية، ولذلك اصطدموا بخشونة بالواقع الموضوعي ، وظلوا يراوحون في أمكنتهم لا يقدمون أي حلول للمدينة سوى الشعارات التي لا تسمن ولا تُغني من جوع.
ولأن حجم التحدي بعد دخول المحتلين الجدد لعدن والمحافظات الجنوبية كبير جداً، كان الأحرى بالمستشارين العُقلاء أن يقدموا لهم النصح الصادق في ترتيب الأولويات في المهام لمدينة كبيرة حساسة انهارت فيها كل مؤسسات الدولة ولم تبق سوى الهياكل الخاوية وكان ذلك بسبب الحرب والنهب والاستباحة، وطالما والحال كذلك على مُتَّخِذ القرار ان يوفر الحد المقبول من الخدمات الإنسانية لسكان عدن ، كخدمات الكهرباء التي بسبب انطفائها المتكرر يتأذى المواطنون ، المياه ، الصرف الصحي ، النظافة ، الصحة وتأمين أمن المواطن وسلامة ممتلكاته، ويتم التركيز على توفيرها عبر إلزام سلطة الاحتلال الجديدة بموجب قوانين الاستعمار بشقيه القديم والجديد والصادرة من هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية العديدة التابعة لها?
أما القفز في الهواء للبحث عن حلول وهمية لإلهاء الرأي العام المحلي والدولي فهي مجرد أكذوبة لم تمر حتى للحظات على المواطن الصابر في عدن ، وعلى سبيل المثال لهذه الإجراءات الممجوجة ومن هذه الإجراءات المتخذة، ترحيل المواطنين اليمنيين من عدن إلى خارجها والتي اعتبرت بمثابة ( قرار العار ) لمن أصدره ونفذه بتلك الطرق المُهينة لإنسانية اليمني وستتحول لوصمة عار أسود لكل منتسبي الحراك بشقيه السلمي والمسلح بالإضافة لبقية القوى المتعاونة مع سلطة الاحتلال ، لأن عملاً كهذا لم يقدم عليه سوى المستعمرين البريطانيين في منتصف الستينيات من القرن الماضي حينما تم تهجير المواطنين اليمنيين الشماليين من عدن إلى خارجها بحجة إنهم مخالفون لشروط الإقامة بمستعمرة عدن من ناحية ، ولأنهم من ناحية أخرى شاركوا في مظاهرات جماهيرية داعمة ومشجعة لجبهة التحرير والجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ، إذاً انتم اليوم تقومون بذلك الدور المُخزي الذي قامت به سلطات بريطانيا الاستعمارية في ذلك الزمان ، وللتذكير إن حكاية التهجير العرقي والمناطقي قامت به الدولة الصهيونية في إسرائيل ضدأهلنا الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين ، ومثال آخر نتذكر ان الدولة النازية في ألمانيا قامت بتهجير مُعظم الأقوام من غير العرق “الآري ” وأبعدتهم من أماكن سُكناهم من برلين ولايبزج وهايدل بيرج وفرانكفورت ومن غيرها من المدن الألمانية وأقتادتهم الى معسكرات النفي والشتات وبعدها توالت فصول المأساة الكونية وعَرف الجميع بقية الحكايات التراجيدية في ألمانيا.
وللتذكير بموضوع جرائم الإرهاب والارهابيين التي تضرب أهلنا وأبناءنا في كلٍ من معسكر رأس عباس بعدن والمكلا ووادي حضرموت وأخيراً في يوم الإثنين بتاريخ 23 مايو 2016م ، بحدوث الصدمة المروعة لقتل أبنائنا المجندين من أبناء عدن في خورمكسر ومعسكر بدر في حادث إجرامي مُخيف راح ضحيته قرابة 43 شهيداً ، وأكثر من 60 جريحاً ، وتبنته عصابات داعش الإرهابية ، وبدلاً من البحث الجاد عن وكر هؤلاء الجُناة الإرهابيين يتم الهروب إلى الأمام من قبل سلطات عدن ويتم اتهام قائد المعسكر العميد / الصبيحي بأنه مُقصِّر أو متواطئ مع المجرمين ، لا بل الأسوأ من ذلك ذهبتم بهستيريا إلى المطاعم وأسواق السمك والخضار والفواكه بالأحياء والحوافي وبعض المحلات التجارية للبحث عن ضحية مُفترضة ، وقلتم بأنهم خلايا نائمة ( كجدار قصير ) للقفز عليه ، ولإخفاء العجز التام لسلطات الاحتلال والمتعاونين معه ، وقمتم بترحيل المواطنين اليمنيين البسطاء في شاحنات كبيرة وقذفتم بهم إلى خارج عدن ، ولعمري ان ما تقومون به يعد عيباً فاضحاً ويُندى له جبين أحرار اليمن كلها ويتحمل مسؤوليته الأخلاقية الحكومة ( الشرعية ) القابعة في أجنحة فنادق الرياض وكل القيادات التي تماطل في إيجاد حل للقضايا الوطنية الكبيرة لليمن، وهم المنتشرون في فنادق إسطنبول، الرياض، القاهرة، أبوظبي، الكويت وعمّان , وللمزيد من إنعاش الذاكرة بالتذكير أن هؤلاء الإرهابيين المجرمين الذين نفذوا وينفذون عمليات الاغتيالات والتفجيرات كانوا جزءاً أساسياً من ” المقاومة ” التي قاتلتم معاً ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية وتحت راية ( شكراً سلمان ، وعيال زايد وأل ثاني ) .
وكثيرة هي إخفاقات السلطة المحلية ليس أسوأها منع بيع وتعاطي القات في هذه الضروف ( مع اني شخصياً لا أتعاطاه ) لكن الموضوع هو في التضييق الحاد على المواطن في عدن ، والغريب حينما نُتابع العديد من التبريرات السطحية من ناشطين يفترض بهم الكياسة والنباهة في مثل هذه الحالة الاجتماعية بالذات ، أما غيرهم من العوام لا لوم عليهم في ما يقولوه ، في تبرير قرار غير مدروس ولا مفهوم ، لأن ظاهرة القات هي ظاهرة اجتماعية متجذرةٍ في المجتمع اليمني ، وهي ليست مسألة هينة أو مجرد نزوة اتخاذ قرار ارتجالي لمسؤولين لا يعرفون ابجديات القيادة ، ولو أني شخصياً أتمنى من كل قلبي إقتلاع هذه الشجرة الخبيثة من ذاكرة ووجدان وحياة اليمنيين جميعاً ، لكن الأمر يتجاوز حدود التمني وهلوسة مُتخذي القرارات الارتجالية.
إذاً .. يا سادة يا كرام فإن ترتيب الأولويات في عدن سيخفف معاناة الألم على أهلنا وهو بمثابة مسكّن هام وكنه مؤقت ، أما الحل الحقيقي والجذري لليمن هو أولاً في إيقاف العدوان ورفع الحصار ، وثانياً في اتخاذ خطوة جريئة في الحل السياسي بمشاركة وطنية في إدارة وحكم البلاد والذي يبعدنا عن وصاية وجبروت الغُرباء ، بشقيها الأجنبي والعربي .
” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ “.
* محافظ مدينة عدن – رئيس جامعة عدن
نقلا عن صحيفة الثورة