الخبر وما وراء الخبر

ذروةُ الاحتلال الأمريكي المباشر عسكرياً وسياسياً ( تقرير )

197

اليمن بين الاحتلال الأَمريكي الأول والاحتلال الأَمريكي الثاني

إعداد/ حُميد منصور القطواني وجميل أنعم

بحُكمِ موقع الـيَـمَـن الاستراتيجي الهامّ وثرواته الضخمة ومتعددة المصادر، كانت ولا تزال محطةً لمطامع كُلّ الدول الاستعمارية، وملعباً لصراع الأقطاب العالمية؛ ونظراً لغياب مشروع الدولة المستقلة، البعيد عن هيمنة أحد تلك الأقطاب.

رُبَّـمَا لا يدركُ البعضُ أن معركةَ السيطرة على الدول التي تمتلك موقعاً جغرافياً مهماً كالـيَـمَـن ومصر والقرن الأفريقي وفرْض الهيمنة عليها، يأتي في سياقِ التموضع العسكري العالمي في منطقة الشرق الأوسط، وتحسباً من الإطاحة بأي توازن للدول الاستعمارية في المنطقة.

ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الأَمريكية القادمة، وانشغال أَمريكا في الداخل، كان على الدول الاستعمارية الحفاظُ على حضورها وتثبيت أهم المواقع الاستراتيجية التي تحتاجها لمواجهة أيةِ مساعي استعمارية أَوْ وطنية منافسة لها، فظهر مؤشرُ بيع مصر لجزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، واتفاقية جزيرة بيع جزيرة سقطرى، وبواجهة ممالك الخليج.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه القوى الثوريةُ في الـيَـمَـن تبنِّي مشروع التحرر من أيَّة وصايةٍ إقليميةٍ أَوْ دوليةٍ، في سعيها لبناء الدولة المستقلة الحديثة والقوية، وتطهير البلاد من أدوات النفوذ الخارجي، الذين رهنوا البلاد للسيادة الأَمريكية، فلجأت إلَـى كُلّ الحيل لاستمالة قيادة هذه الثورة واحتوائها، كما فعلت في السابق مع قيادة ثورة فبراير الشبابية التي باع فيها قادتُها ضمائرَهم والثورة؛ من أجل الوصول إلَـى السلطة المطلقة الممنوحة والمُعمَّدة أَمريكياً، ولكن قيادةَ ثورة 21 سبتمبر، رفضت أن تبيعَ حُلُمَ الشعب في الحرية والدولة القوية، مقابل أي ثمن، لذا وجدت أَمريكا نفسَها أمام خيار إعادة الـيَـمَـن لبَيت الطاعة بالقوة العسكرية، فشنَّت عُـدْوَانها البربري بواسطة أذنابها وأدواتها في المنطقة، وأوعزت للنظام السعودي ومشيخات الخليج بإعلان الحرب على الـيَـمَـن واحتلاله عسكرياً حتى وصل الأمرُ بمشاركتها فعلياً في العمليات العسكرية، سواءٌ على الأرض أَوْ بالضربات الجوية؛ للعودة لاحْتلَال الـيَـمَـن، والذي أُسقط بثورة 21 سبتمبر.

لهذا ينبغي على الجميع إدراك هذه الحقيقة، أن العُـدْوَانَ على الـيَـمَـن لم يكن من أجلِ شرعيةٍ أَوْ كما تدّعيه دولُ العُـدْوَان في تبريراتها له، بل من أجل إعادة الاحْتلَال الأَمريكي على الـيَـمَـن؛ كي تمتصَّ ثرواتها وتستغلَّ موقعَها الاستراتيجي خدمةً لمصالحها، التي ستنتهي على حساب مشروع الدولة الـيَـمَـنية الحديثة المستقلة والقوية، التي سعت القيادة الثورية لتحقيقيه؛ تلبيةً لطموحات وآمال الشعب في بناء هذه الدولة المنشودة.

البُعد التأريخي لأَطْمَـاع الاحْتلَال الأَمريكي:

بعد فشل العدوان الثلاثي (إسرائيل، فرنسا، بريطانيا) على مصر 1956م، واُفول الإمبراطورية البريطانية، وتنامي حركات التحرر الوطني العربية تجاه الغرب والصهيونية والأنظمة الرجعية، ظهر مبدأ “أيزنهاور” في يناير 1957م، والذي زعم بأن هزيمة بريطانيا وفرنسا خلقت فراغاً في الشرق الأوسط، وهذا المبدأُ يُعطي الرئيسَ الأَمريكي “أيزنهاور” صلاحية استخدام القوات المسلحة الأَمريكية في الخارج دون إجراء مشاورات مع الكونغرس الأَمريكي.

والهدف من ذلك هو هيمنة أَمريكا على الشرق الأوسط بقوة السلاح ومحاربة حركات التحرر الوطني والأنظمة الوطنية الجمهورية، وطُبق مبدأ “أيزنهاور” في لبنان 1958م، فتم إنزالُ مشاه البحرية الأَمريكية في لبنان لتطويق الأحزاب القومية العربية، وانتقلت السعوديةُ من الوصاية البريطانية إلى الوصاية والتبعية لأَمريكا الصهيونية، وأصبحت الأراضي السعودية تحتضنُ قواعدَ عسكريةً أَمريكية، أسلحة ومشاةً من المارينز الأَمريكي، فكان هذا الظهور الأول للقوات الأَمريكية في الظهران وخميس مشيط وجدة وتبوك والطائف وجبيل، ومن حينها أصبحت الأنظمة الرجعية التابعة لأَمريكا حصانَ طروادة لتنفيذ المشاريع الأَمريكية في المنطقة بالقيادة الخلفية أَوْ المباشرة، حسب مقتضيات الميدان والواقع، وبكل الوسائل القذرة، لمحاربة الثورات والأنظمة الوطنية، والقائمة سوداء لهذا النظام وطويلة جداً.. نختار منها:-

1-         ضرب الثورة الفلسطينية المسلحة من مجازر أيلول 1970م في الأردن ولبنان 1975م، 1982م والتي انتهت بـ أوسلو واعتراف “حركة فتح” بإسرائيل والتقوقع في غزة والضفة الغربية وبوجود المستوطنات.

2-         القضاء على الوحدة السورية – المصرية (فبراير 1958م سبتمبر 1961م).

3-         إفراغ ثورة 23 يوليو 1952م، المصرية من مضمونها القومي، بدءً من استنزاف الجيش المصري بالـيَـمَـن واستدعاء عدوان 1967م على مصر وفُرض السادات نائباً لعبدِالناصر، واغتيال عَبدالناصر والاعتراف بإسرائيل في مارس 1979م “كامب ديفيد” وإخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي.

4-         إفراغ ثورة 26 سبتمبر 1962م من مضمونها الوطني والقومي، بحرب أهلية استمرت حتى 1970م، والتي انتهت بسيطرة الإخْـوَان المسلمين على السلطة في أغسطس 1965م ثم 1976م، واغتيال الحمدي الذي حاول إخراجَ الـيَـمَـن من الوصاية السعودية وهيمنة مشايخ الإخْـوَان على السلطة الـيَـمَـنية، ومحاربة النظام الوطني التقدمي في الـيَـمَـن الديمقراطية، والتي توجت بمؤامرة 13 يناير 1986م، وبالعدوان الشامل في 2015م مارس.

5-         وفي لبنانِ ساهمت السعوديةُ بالتعاون مع إسرائيل وأَمريكا في الحرب الأهلية اللبنانية 1975م، بإنشاءِ وتسليحِ المجموعات اليمينية الموالية للكيان الصهيوني، ودعم جماعات مسلحة تناهض وتحارب المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية، وأصبح لبنان منقسماً على نفسه وبالمال والإعْلَام السعودي وتعاليم الوهابية التكفيرية، حتى وصلنا إلى مرحلة حزب الله (إرْهَابي) ونتنياهو (صديق!!).

6-         خلال ستة أشهر فقط، وبحسب صحيفة الرأي العام الكويتية ((السعودية تقدم 6 ملياراتِ ريال سعودي للعراق لدعمه بالحرب ضد إيران الثورة الإسلامية من سبتمبر 1980م – أبريل 1981م)).

تلك نظرةٌ تأريخيةٌ وفصل أول من فصول الحضور الأَمريكي الأول وأَطْمَـاعها في المنطقة وبواجهة ممالك الخليج، أما ما يخص جزئية الجغرافية الـيَـمَـنية فقد تجلّت الأَطْمَـاع الأَمريكية في حضرموت والمهرة في عام 1972م، فبعد سيطرة الإخْـوَان المسلمين على السلطة الخلفية للنظام السياسي في صنعاء واعتراف النظام السعودي بالنظام الجمهوري المعتدل 1970م، وتلا ذلك اعتراف أَمريكا بالنظام المعتدل في مطلع عام 1972م، ثم حدوث مجزرة مَشَايخ الشمال في عدن بتأريخ 20 فبراير 1972م، بدأت طبول الحرب تدق في الشمال وتوافد السلاطين وعملاء الاستعمار للشمال الذين شكّلوا ذراعاً عسكرياً ضد الجنوب بمسمى “الجبهة الوطنية” بقيادة “عبدالقوي مكاوي”، أحد أركان سلطة شرعية الخائن هادي حالياً،.. وحصل صِدامٌ عسكري بين الشطرين في فبراير – مارس 1972م، ثم زيارة وزير الخارجية الأَمريكي “روجرز” لصنعاء أولاً، ثم زيارة “روجرز” لبعض دول الخليج في يوليو 1972م، والتي أدَّت إلى توسع نطاق الحرب بين الشطرين في سبتمبر 1972م.

وهذا ما كشفهُ الرئيس “سالم رُبيّع علي” في حديث هام لصحيفة الجمهورية القاهرية 15 يونيو 1972م حيث قال فيه: ((هناك نوايا عدوانيةٌ تواطأت عليها الرجعية في المنطقة وذلك لتجتزئ من البلادِ المحافظتين الخامسة والسادسة لاحتمال وجود البترول فيها)).. ومحافظة المهرة هي الخامسة، وحضرموت هي السادسة، حسب التقسيم الإدراي للشطر الجنوبي حينه.

أما “عبدالفتاح إسماعيل” فيكشف عن ذلك وبشكل أكثر وضوحاً، حيث أورد “خالد بن محمد القاسمي” في كتاب “الوحدة الـيَـمَـنية” هذا النص عن عبدالفتاح إسماعيل الذي قال: ((الشركات البترولية والقوى الرجعية قد انشأت ما يُسمى بجيش الإنقاذ الوطني الذي يقوم بتدريبه ضُباط “أَمريكيون” والذي يضم المتضررين من إنجازات الثورة في عدن وهدف الجيش احْتلَال حضرموت والمهرة بدعوى أنها غير يمنية)).

وهكذا أَمريكا الاستعمارية الصهيونية تستثمر أيَّ نزاع داخلي يمني وتسعى لإثارته، لتحقيق أهدافها في التقسيم ونهب الثروات والخيرات، وتحشد لذلك أدواتها السعودية والإخْـوَان المسلمين المسيطرين حينذاك على القبائل الشمالية وبقايا السلاطين وعملاء الاستعمار الإنجليزي.. إلا أن هذه الخطة القديمة الجديدة فشلت أمام الوعي الوطني الـيَـمَـني والذي توِّج باتفاقية الوحدة اتفاقية القاهرة يوم 18 أكتوبر 1972م، وبيان طرابلس يوم 26 نوفمبر 1972م، وبرعاية الأنظمة الوطنية العربية ليبيا ومصر والجزائر وسوريا والكويت، والتي نفتقد دورهم الوحدوي في هذه الأيام، والأسباب معروفة، فشتَّان بين الكويت 1972م والكويت 2016م.

وكما جرت عادات وتقاليد المخابرات الأَمريكية، بابتكار طُرُقٍ وأساليبَ ماكرةٍ؛ لتبرير التواجد وتحقيق أهدافها، باستخدام وتطويع عملائها أَوْ بذرائع مكافحة الإرْهَاب، كانت المراحل الأولى للاحْتلَال العسكري الأَمريكي للـيَـمَـن.

مراحل الاحْتلَال العسكري الأَمريكي الأول ومناطق انتشاره في الـيَـمَـن

الـيَـمَـن ذو الموقع الاستراتيجي المهم جداً وَالذي لا يدرك أبناؤه أهمية هذا البلد، حسب وصف قائد الثورة السيد عَبدالملك الحوثي، وخلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين توالت الأحداث المفتعلة من قبل الولايات المتحدة لخلق ذرائع ومبررات لاحْتلَال الـيَـمَـن.

فوجدت الولايات المتحدة بُغيتها في الأوضاع والمتغيرات التي مرت بها الـيَـمَـن، مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين أثناء الربيع العربي، حاولت ان تتحكم في موجَة التغيير وحَرْف مساره؛ لصنعِ مناخٍ وبيئة سياسية مناسبة لتحقيق أَطْمَـاعها، باحْتلَال الـيَـمَـن عسكرياً بشكل مباشر وَبغطاء رسمي من قبَل حكومة الوفاق وسلطة هادي.

 الاحْتلَال الأَمريكي الأول للـيَـمَـن 2012م – 2015م

الفترة ما بين 2012م – 2015م، وصلت الولايات المتحدة ذروةَ الاحْتلَال الكامل والمباشر عسكرياً وسياسياً للـيَـمَـن، وتركز ذلك الاحْتلَال العسكري المباشر على العاصمة صنعاء والمحافظات الجنوبية الساحلية منها، وتحوَّلت أجواء الـيَـمَـن إلى مسرحٍ للعمليات العسكرية الأَمريكية لطائرات بدون طيار والتي نفّذت مئات الهجمات الجوية التي استهدفت تجمعات المواطنين الـيَـمَـنيين في المناسبات والأعراس، كما حصل في استهدف عرس في البيضاء، أَوْ العزاء.. وفي المدارس.. أَوْ أثناء سفرهم وتنقلهم بين المحافظات، وراحَ ضحية تلك الهجمات بطائرات بدون طيار الأَمريكية ما نسبته 98% من الأبرياء أطفالاً ونساءً ومدنيين، حسب اعتراف عضو الكونغرس الأميركي، “دينيس كوسينيتش”، بقوله في تصريح أمام الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2012م، بأن عددَ القتلى في الـيَـمَـن وصل إلى 1952 قتيلاً. وأضاف “نحن لم نعلن الحرب على أيٍّ من هذه الدول: باكستان، والـيَـمَـن، والصومال، لكن أسلحتنا قتلت المدنيين الأبرياء هناك“. وأضاف “تظهر أشهر البحوث التي أجريت أن عددَ الشخصيات القيادية (في تنظيم القاعدة) التي تم استهدافها، شكَّلت ما يقارب 2% (فقط) من إجمالي الإصابات”.

وحسب ما يرى مراقبون أن هدفَ الولايات المتحدة من تلك الهجمات خلق بيئة حاضنة للتنظيمات الإرْهَابية؛ سعياً منها لخلق اضطرابات وَصراعات داخلية؛ بغية توسيع دائرة سيطرتها وتأمين الظروف والمناخات لديمومة احْتلَالها للـيَـمَـن.

بالتزامن مع ذلك عمل الاحْتلَال الأَمريكي على توسيع وتعزيز انتشار احْتلَاله على عدة مسارات عسكرية:

المسار الاول: استقدم مئات الجنود المارينز بعتادهم العسكري إلى صنعاء، وتم تحويلُ سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، إلى حصن مزود بالإنشاءات ذات الطابع العسكري، كقاعدة عسكرية للمهام اللوجستية المحدودة، إلى جانب تحويل عشرات المباني والمنشئات المدنية إلى ثكنات عسكرية، والتي توَّزعت على مناطق متفرقة في العاصمة، وكأنها تحاكي مواجهةً عسكريةً قادمةً لقمع أي تحرك يمني لمواجهته، بالإضافة إلى استخدام عددٍ من المباني المدنية إلى مقرات للـ “سي آي إيه” وانطلاق العمليات الأمنية اختطافات واغتيالات، والتي لم تختفِ إلّا بعد رحيلهم.

حيث كان الهدف من تحرك الاحْتلَال الأَمريكي في هذا المسار هو حمايةُ نظام حكم الاحْتلَال بصورته المباشرة أَوْ عبر أدواته المُتمثلة في حكومة الوفاق وسلطة الخائن هادي.

المسار الثاني: ما بين 2012م وَ2014م، استقدم الاحْتلَال الأَمريكي إلى قاعدة العنَد، المئات من الجنود والعشرات من ضباط المارينز الأَمريكي؛ لتعزيز سيطرته على القاعدة الاستراتيجية، ووفق ما ذكره “موقع الفيلق الأَمريكي” أن الإدَارَة الأَمريكية نقلت إلى الـيَـمَـن ألفين جندي من المارينز الأَمريكي، بكامل عتادهم العسكري وغرف عمليات السيطرة والتحكم وقيادة الطائرات الحربية بدون طيار إلى قاعدة العند الاستراتيجية.

وَبذلك أصبحت قاعدة العند منطلقاً للعمليات العسكرية والاستخباراتية الأَمريكية، التي كان منها عملية مداهمة جنود المارينز لمنازل المواطنين بمنطقة “مجحفة” بمحافظة لحج، منتصف العام 2013م، وعملية الانزال في شبوة وَ”جحر الصيعر” بحضرموت مطلع العام 2014م، بعملية أسموها تحرير الصحفي الأَمريكي “لوك سومرز” المختطف لدى القاعدة.

المارينزُ الأَمريكي ليسوا بعيدين عن حقول النفط والغاز وبالذات في محافظتي مأرب وشبوة، حيث كشفت عن ذلك وسائل إعْلَام محلية وعالمية بتأريخ 8 فبراير 2014م، عن وصول قوة أَمريكية على متن مروحيتين أَمريكيتين، إلى منطقة “ظلمة” بمأرب تحت ذريعة ملاحقة العناصر الإرْهَابية، التي أعيت القوات الـيَـمَـنية، وفشلت في القضاء عليها، أَوْ الحد من عملياتها التخريبية حد زعمهم.

المسار الثالث: انتشار قوات الاحْتلَال الأَمريكي في الموانئ والسواحل وَالجزر الـيَـمَـنية، وفي هذا المسار عمل الاحْتلَال الأَمريكي، تحت غطاء الاتفاقيات مع حكومة الوفاق، على إنشاء قواعد عسكرية عائمة بشكل مؤقت، قريبة من مضيق باب المندب، حتى يتم استكمالُ بناء قاعدة عسكرية أَمريكية دائمة في “جزيرة ميون”، وقد كشفت ذلك عن وسائل إعْلَام غربية، تحت عنوان تأمين خط الملاحة الدولية من” القرصنة”، وفي ذلك يرى مراقبون ان هذا الشعار ليس إلا مبرراً وخديعة كبرى لتمرير مخطط الاحْتلَال الأَمريكي للسيطرة على باب المندب وخليج عدن وَالسواحل والجزر الـيَـمَـنية الاستراتيجية، مستفيدة في ذلك من ارتهان حكومة الوفاق للإملاءات والتوجهات الأَمريكية؛ لاستكمال اخضاع الـيَـمَـن للاحْتلَال الكامل والمباشر عسكرياً وسياسياً.

وفي ذات المسار وضمن مخطط الاحْتلَال الأَمريكي، لاستكمال الاحْتلَال العسكري للمياه الإقليمية والجُزُر الـيَـمَـنية ومنها جزيرة سقطرى، التي كشفت وسائل إعْلَام محلية وعالمية عن عزم الإدَارَة الأَمريكية واتفاقها مع حكومة الوفاق والمبادرة الخليجية، على عمل إنشاءات عسكرية في الجزيرة.

وفي ذات السياق كشف “موقع الفيلق الأَمريكي” 27 مارس 2014م، أن واشنطن تعتزم إقامة رصيف عائم وكاسر الأمواج في منطقة خور عميرة بمحافظة لحج جنوب الـيَـمَـن.

ويتضمن الرصيف، بناءَ هيكل وحفر صخور ويقع الرصيف داخل منطقة عسكرية في لحج، وسيكلف إنشاءه ما بين مليون وَ5 ملايين دولار، والتي سوف تستمر عملية البناء فيه 730 يوماً حسب المناقصة، الذي طرحها فيلق مهندسي الجيش الأَمريكي.

 ثورة الـ21 من سبتمبر وتحرير الـيَـمَـن من الاحْتلَال الأَمريكي الأول

بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م، وتوقيع اتفاق السلم والشراكة، والذي بموجبه ستتم إعادة صياغة بعض مواد في الدستور الأقاليمي، والذي اعتبرته الولايات المتحدة عائقاً أمام أَطْمَـاعها باحْتلَال الـيَـمَـن عن طريق أدواتها المحلية هادي والإخْـوَان المسلمين، عبر مشروع مخطط تفتيتي قائم على مبدأ دولة أقاليمية من 6 أقاليم، خاضعة لإدَارَة مناطقية تضمن حق استثمار النفط والغاز للشركات الأَمريكية، باتت الولايات المتحدة بين خيارين، إما تعزيز تواجدها ومبّرر تواجدها هو (الحرب على الإرْهَاب) ثم إخراج الدستور للاستفتاء والقضاء على أية محاولة لتعديله، أَوْ الصمت والاستسلام والقبول بالأمر الواقع، فكان الخيار الأول هو الأقرب، وهذا ما يستدعي إبراز خطر القاعدة وزيادة نشاطها، ومنذ ذلك الحين شهدت الجغرافيا الـيَـمَـنية نشاطاً متزايداً لتنظيم القاعدة في البيضاء وحضرموت وشبوة والضالع، وفي ديسمبر 2014م، قامت قوات أَمريكية خَاصَّة في محافظة شبوة بعملية اقتحام لتحرير رهائن أَمريكيين لدى تنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتل المصور الصحفي الأَمريكي “لوك سومرز” والمدرس الجنوب افريقي “بيار كوركي” خلال العملية التي باءت بالفشل في جنوب الـيَـمَـن، حيث كانا محتجزين لدى تنظيم القاعدة.

وليظهر بعدها وزيرُ الدفاع الأَمريكي المستقيل “تشاك هاجل” فِي بيان يعلن فيه مقتل “سومرز” الذى خُطف قبل عام في الـيَـمَـن خلال عملية لتحريره، فضلاً على مقتل مواطن غير أَمريكي، تم نقلهم، وحيدين، من بين رفاقهم في حضرموت إلى شبوة، قبل يوم واحد فقط من تنفيذ عمليتين اقتحام إحداها في حضرموت نجحت في تحرير 14 رهينة، والأخرى في شبوة فشلت ومات فيها الرهينتان، وهنا يثير مراقبون تساءَلُ عن سبب ترك الرهينة لمدة عام كامل، ثم نقلهم وحيدين دوناً عن زملائهم إلى شبوة، ثم محاولة تحريرهم لتبوء بالفشل؟.

وعلى إثر ذلك يظهر الرئيس “أوباما” بالإعلان أن استراتيجيته لمكافحة الإرْهَاب في الـيَـمَـن مستمرة، على صعيد آخر، دعا اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ، رفيعا المستوى، الرئيس باراك أوباما، إرسال قوات برية عسكرية إلى الـيَـمَـن، وقال السيناتور الجمهوري “جون ماكين”، والديمقراطي “دايان فينشتاين”، في برنامج “فيس ذا نيش”، الذي تذيعه قناة “سي بي سي” الأَمريكية: إن إرسال المزيد من القوات البرية، وقوات العمليات الخَاصَّة على وجه الخصوص، قد يكون من الضروري لكبح النفوذ “الإيراني” في الـيَـمَـن.. وكما أراد السيناتور الأَمريكي لكبح النفوذ الإيراني وليس مكافحة الإرْهَاب!، وليظهر بعدها مُبرر “الخطر من الإرْهَاب” في العاصمة صنعاء، عن طريق تفجيرات استهدفت كلية الشرطة بصنعاء، ومسيرة في ميدان التحرير، وفي تلك الأثناء كانت اللجان الشعبية تتعامل مع الأذرع التكفيرية، المصنفة دولياً بالإرْهَابية، في البيضاء ومأرب، وهذا ما يُهدد بنسف مبرر التواجد الأَمريكي في ظل انهيار كبير للعناصر التكفيرية على أيدي الجيش واللجان الشعبية الثورية.

رأى مراقبون حينها بأن فصلاً أَمريكياً جديداً يتم الإعدادُ له لمواجهة ثورة 21 سبتمبر، الأمر الذي تُرجم فور هروب هادي بالحيلة من صنعاء إلى عدن، والحديث أن صنعاءَ مُحتلة تمهيداً لـ “تحريرها” بالحرب من الداخل، ثم انسحاب أَمريكا من قاعدة العند لينتهيَ عهدُ الاحْتلَال الأول وبِرسم الأَمريكي الذي يرى عودته من بوابة “مكافحة الإرْهَاب”، فأخذت الأحداث تأخذ منحى الفوضى والإرْهَاب، وتم تفجير مسجدَي “الحشحوش والبدر”، ثم ذبح الجنود في لحج، ثم خطاب هادي لإعلان الحرب حتى “رفع العَلَم الـيَـمَـني في جبال مران” حد توصيفه، معطياً بذلك الضوء الأخضر للجماعات التكفيرية، بالتحرك لتفجير حرب بطابع طائفي، وهذا ما تُرجم بهجوم “لجان هادي” على السجن المركزي في عدن وتهريب مئات السجناء، بينهم قيادات في تنظيم القاعدة ليشاركوا لجان هادي الحرب على معسكر القوات الخَاصَّة “الصولبان” في عدن، ويتم التنكيل ودهس الجنود بجنازير الدبابات.

جُملةُ أمور اعتبرها قائدُ الثورة “السيد عبدالملك الحوثي” مقدمةً للعدوان الشامل على الـيَـمَـن، خصوصاً بعد استهداف المساجد واستشهاد عشرات المصليين، وأعلن قائد الثورة على ضوئها التعبئة العامة للجيش واللجان الشعبية لمواجهة العناصر التكفيرية، سَرعانَ ما تم التحرك من قبل اللجان الشعبية لحماية الجنود وبسط الأمن من فتك لجان هادي وعناصر القاعدة في لحج وعدن، وتم تأمين وتحرير قاعدة العند من العناصر التكفيرية، واستمر الجيش واللجان الشعبية بالتقدم نحو الجنوب حتى تم تحرير معظمه، وباتت أَمريكا خارجَ المعادلة، ويلزمها قوة أكبر وذرائع أقوى للعودة للـيَـمَـن، وعشية هروب “هادي” إلى سلطنة عمان، أعلن عادل الجبير من واشنطن العدوان على الـيَـمَـن بذريعة إعادة “الشرعية”.

ومن يبحث عن ملامح الشرعية اليوم في المناطق “المُحررة” بتوصيف العدوان، يجدُها متبلورة بطابع فوضوي تبرز فيه الجماعات التكفيرية وتنتشر فيه بشكل كبير، وهذا ما تحتاجه أَمريكا للعودة من جديد، فكان منذ الأيام الأولى للعدوان، تسليم منطقة الغاز والنفط حضرموت لعناصر تنظيم القاعدة دون أي مقاومة تُذكر، وفي النصف الأول من الشهر الأول للعدوان تم تهريبُ أكثر من 1884 سجيناً متوزعين من السجون المركزية كالتالي: عمران 167 سجيناً هربوا بعد غارات العدوان، وصعدة 130 سجيناً أيضاً بعد غارات العدوان، والبيضاء شن طيران العدوان غارات مركزة على السجن المركزي أدى لهروب 400 سجين، وحضرموت المكلا فرَّ أكثر من 300 سجين بعد هجوم مُسلح شنه تنظيم القاعدة؛ ليقوم بعدَها بالسيطرة على المدينة بالكامل، وعدن وفي أثناء تواجد هادي تقوم “لجان هادي” بتهريب 887 سجيناً من سجن المنصورة وإحراق أرشيف السجن، كما أفادت “صحيفة الشارع” أنهم قاموا باقتحام إدَارَة السجن، ومكتب التسجيل “أرشيف السجن” الذي فيه ملفات جميع السجناء والمتهمين، وصبّوا عليه مادة مشتعلة وأحرقوه بالكامل؛ بهدف اتلاف المعلومات الخَاصَّة بجميع السجناء، وأفادت بأن السجناء تدافعوا وتمكنوا من الفرار من السجن الذي كان فيه 950 سجيناً، لم يتبق فيه منهم إلاّ 72 سجيناً فقط.

وعلى ضوء ذلك، لا يستغرب مراقبون، من الاستهداف الممنهج للسجون وتهريب العناصر الإجْـرَامية منها، فما كان يحدُثُ كان في سبيل إعادة استنساخ تجارب العراق وليبيا في عمليات تهريب السجناء؛ بهدف اغراق البلاد في الفوضى والعنف، وجرى توظيفُ تهريب عناصر القاعدة من أجل التدخل في الـيَـمَـن كما حدث في أفغانستان والعراق، وما يؤكد ذلك ما ذكره وزيرُ الدفاع الأَمريكي “اشتون كارتر” بأن تنظيمَ القاعدة يسجِّلُ تقدماً على الأرض في الـيَـمَـن، متوعِّداً بمواصلة الولايات المتحدة ضربَها للتنظيم الإرْهَابي، رغم الوضعِ الفوضوي في هذا البلد.