عُدنا كما نحن، وعُدتم كما أنتم
بقلم / نوح جلاس
لطالما حاوَلَ الأَعْــدَاءُ وباستمرار أن يجعلوا من أنفسهم مصدرَ التراث والأخلاق والعادات، وأنهم هم أصحاب التَّأريخ والأمجاد، وكم حاولوا أن يصنعوا تَأريخاً يفوقُ تَأريخنا، وذلك من خلال الأيديولوجيات التي تصدر من وسائل إعْـلَامهم في أفلامهم ومسلسلاتهم وبرامجهم ومطبوعاتهم، وبهذا استطاعوا أن يخدعوا أصحابَ العقول الضعيفة والبصائر العمياء، الذين اقتنعوا فعلاً بأن أولئك فعلاً أهل التَّأريخ والمجد.
وتأتي هذه التعبئات الأيديولوجية من دافع الشعور بالنقص لدى أولئك الذين لا أخلاق ولا تراث ولا عادات ولا تَأريخ لديهم، فهم عندما شعروا بالنقص الشديد والمخزي لهم في مواكبة الأُمَــم عملوا على محاولة سدّ ذاك الخزي والعار، وأرادوا أن ينتحلوا تَأريخَنا وأمجادنا وعاداتنا وكل شيء عظيم توارثناه من العظماء الذين سبقونا، فهم عندما رأوا حياةَ المسلمين مليئة بالاحتفالات التَّأريخية التي سيظلوْن يتغنون بها حتى يومِ القيامة.
وجدوا أنفسَهم ساقطين في أوحال الخزي والعار لا يجدون شيئاً في تَأريخهم يستدعيهم كي يفتخروا ويحتفلوا، وبعدها ماذا عملوا؟ لقد قاموا أولاً بطمس وتشويش تَأريخ كُلّ رمز من رموز الأُمَّـــة العظام، وقاموا باستبدالها برموز وإعْـلَام وهمية، أَوْ كما قال الشهيد القائد رضوان الله عليه (نمور ورقية)، فعندما وجدوا تَأريخَ أولئك العظماء مليئاً بالملاحم والمواقف المشرفة قاموا بتحويل مسارها إِلَـى أشخاص آخرين، فمسيرة ليث الكتائب علي أبي طالب سلام الله عليه قاموا بطمسها وتشويهها ونَسْبها إِلَـى أشخاص آخرين!! ومعروف لمن نسبوا تلك المواقف والألقاب وغيرها، وذلك كي لا يشاهدوننا نحتفل ونتغنى بها، خصوصاً ومواقف هذا الرجل كانت كلها عزاً وفخراً للإسلام والمسلمين، وخزياً وعاراً لأولئك، وكذلك مسيرة كُلّ إعْـلَام الهدى والرموز العظام قاموا بمحوها وَإخفائها، وهذا معروفٌ لدينا، ففي كُلّ مناهجنا الدراسية لا نعرف شيئاً عن الإمام زيد والإمام الحسن والحسين وغيرهم سوى الشيء البسيط، أما في البلدان الإسلامية الأخرى فقد ضاعت تماماً.
أما بالنسبة لمسيرة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فقد عملوا على تهميش وتشويه مسيرته من خلال العلماء الذين تربوا في أحضانهم وولّوهم كافة أمور المسلمين وجعلوهم أئمة بيت الله الحرام، ولم يستحوا من الله واكتفوا بهذا، وإنما جعلوا من الاحتفالِ بذكراه المجيدة وبذكرى أي موقف من مواقفة بدعةً وضلالاً.
وهنا وجدت الأُمَّـــة نفسها تائهة لا تجد بمن تقتدي ولا بمَن تحتفل، وعندما أَصْـبَح حال الأُمَّـــة هكذا قام اليهود والنصارى بخطوتهم الثانية، وهي صنع احتفالاتٍ وأعياد أخرى يتم إجبارُنا على الاحتفالِ بها دون أن نشعر، فمثلاً ميلادُ المسيح عليه السلام، لماذا لم نسمع علماء الأُمَّـــة الدجالين يقولون هذه بدعة، بل رأيناهم ينفقون ملايين الدولارات في هذه المناسبة وهناك من هو أحوج بكل هذه الأموال وهم يموتون جوعاً وحصاراً في عديدٍ من البلدان العربية والإسلامية، ولكن هجمات الأَعْــدَاء استمرت وتكاثرت مع مرور الأيام، ومع مرور الأيام تزداد الأُمَّـــة في ضلالها وبُعدها عن الطريق السوي، فأدخلوا عدداً من الثقافات الدخيلة وجعلونا نتثقفُ بها ونمشي على سيرها، فمثلاً (عيد الأم) هي بدعةٌ فرنسية كانت تقام للأطفال المجهولين نظراً لانتشار الدعارة وانعدام الأخلاق في تلك البلدان، وكذلك ما يسمى بـ(عيد الحب) قاموا بمسخ شباب هذه الأُمَّـــة من خلالِ تلك الروايات والقصص، وهذا أَصْـبَح واضحاً وشاهدناه في وسائل الإعْـلَام والتواصل الاجْتِمَاعي كيف أَصْـبَح وضع شباب أمتنا، وغيرها من الأعياد والاحتفالات مثل (اليوم العالمي للطفولة واليوم العالمي للمدرسين واليوم العالمي للممرضين وغيرها) مع احترامنا وتقديرنا لكل هؤلاء الذين يخدمون الأُمَّـــة، ولكن قواعد ديننا العظيم قد نظّمت كُلّ هذه الأشياء على أرقى مستوى وباستمرارية مطلقة، فلا أحتفل بأمي أَوْ مدرسي أَوْ طبيبي أَوْ طفلي في يومٍ واحدٍ فقط، بل أعاملهم بالطريقة التي علّمنا إياها معلِّمُ البشرية، تلك المبادئ التي تجعل علاقاتنا وتعاملنا ذات طابع خاص ومستمر.
كُلّ هذا قليلٌ من فيض، فهناك العديد من العادات والتقاليد نستحي عن ذكرها، فهم يتقلدون بها؛ لأنها على شاكلتهم ولأنهم توارثوها من أجدادهم الذين شوهوا معاني الإنْسَـانية والأخلاق، ولكن لا زالت أمتنا تتعرض وتتلقى تلك الثقافات وَالهجمات الشرسة والموجعة التي تأتي من قِبل الأَعْــدَاء والتي لا نشعر بها؛ لأنهم يهيئون لها كُلّ شيء تعبوياً وفكرياً ودينياً وغيرها حتى نتقبلها وتمر علينا مرور الكرام.
ولكن حصص الحق وانتفض الغبار الذي كان يغطي أبصارَنا والصدأ الذي كان يغشى قلوبنا، فهناك من عاد مجدداً بعد معلم البشرية وإعْـلَام الهدى والرموز العظام، الذي جاء مكملاً لمسيرةً بدأت بخير الخلق، الذي جاء يكشف الزيف والخداع وأسقط قناعَ العدو وأظهر وجهَه الحقيقي والشاحب، ذلك الوجه الذي لطالما انخدعنا به، فهذه الأيام نحتفل ونفرح ونسعد ونستبشر، والعدو يزيد خزيه وعاره ويزيد وجهه شحباً ومذلةً.
نحتفل بذكرى فوز وانتصار ومجد ذلك الرجل الذي بهديه أحيا أرواحنا التي كانت ميتةً، الرجل الذي هدم أوكار الأَعْــدَاء التي كانوا يستترون بداخلها، ولم يتبقى لهم شيء سوى التفشي لهذا الخزي والعار يوماً بعد يوم، فأُمتنا عادت إِلَـى طريقها بعد أن عاد نجل الهدى وعاد معه الهدى.