المكبِّرون في سجون الأمن السياسي.. حكاياتٌ مؤلمة من زنازين الصمود [الحلقة السادسة]
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
26 أبريل 2025مـ – 28 شوال 1446هـ
تقريــر || منصور البكالي
يستذكرُ المجاهدُ عبدُ الله المرسلي -وهو من المكبِّرين الأوائل لشعار الصرخة في وجوه المستكبرين- لحظاتِ التعذيب النفسي والجسدي وأساليبَ التجويع، التي استخدمها السجانُ بحقهم، إثر اعتقالهم من داخل الجامع الكبير بصنعاء، بتهمةِ ترديد الشعار في وجه أمريكا و(إسرائيل).
في زنزانةٍ مظلمة، حَيثُ الجوعُ يَنهَشُ أجسادًا شابَّةً، والكلمةُ تُحاصَرُ بقسوة، يروي المرسلي قصة صمودٍ تحوَّل فيها سجنُ الأمن السياسي من أدَاة قمع إلى مدرسةٍ للوعي والإصرار.
ويشرح كيف لجأت إدارة السجن إلى سياسة التجويع القاسية كوسيلة للضغط عليهم والتخلي عن قضيتهم، كانوا يحاولون تجريدهم من إيمانهم بشعار الصرخة الذي سُجِنوا؛ بسَببِه، عبر التعذيب النفسي والجسدي والحرمان، لكن عزيمتهم كانت أقوى.
ويتابع: “حاولوا بكُلِّ السبل في السجن أن يستخدموا معنا في سبيل التنازل عن القضية، عدةَ أساليبَ، منها كتابة تعهُّد، والبصمة، وضمانة والتزام، بعدم تكرار ترديد الشعار”، موضحًا أن “الهدف من كُـلّ ذلك هو التخلِّي عن الصرخة بشكل كامل، وإرغام المكبِّرين على عدم رفع الشعار، والذهاب إلى الجامع الكبير بصنعاء”، مؤكّـدًا بقوله: “حاولوا بكل السبل، ثَنْيَنا عن رفع الصرخة في وجه المستكبرين، مستخدمين وسائل كثيرة، منها كأهم الوسائل”.
ويصف كان الجوع ينهشُ أجسادهم الشابة، وكيف تحوّل القليل من الطعام إلى صراع مرير للبقاء.
ويضيف: “كانوا يعطوننا (كِدمتين) -أي قِطعتَي خبز صغيرتَين- للشخص، من العشاء إلى عشاء اليوم الثاني، ونحن في ريعان شبابنا”، مُشيرًا إلى أنهم “كلما حاولوا مضاعفةَ سلاح التجويع، لم يفلحوا في ذلك، حَيثُ كانوا يعطوننا القليل من الأرز، وكان البعض منا يربطُ على بطنه من الجوع، ولا يستطيع التحَرُّكَ من شدة الجوع”.
دخل المرسلي إلى السجن مع عدد من رفاقه، ويقول إنه ومع دخوله إلى المعتقل عرف أهميّةَ وأثر الشعار، وهذا دفعه للتمسُّك به أكثر.
ويضيف: “لكن المفارقة العجيبة، أن هذه المِحنةَ لم تُضعِفْنا، بل زادتنا قوة ًوإيمانًا بأهميّة القضية”.
ويزيد: “الذي عزَّز الموضوعَ في نفوسنا وأشعرنا بأهميّة الشعار، هو السجن، أمَّا قبل ما ندخل السجن، كنا نردّد الصرخة مع الناس، ونعتقد أنها صرخة عادية، وهُتافٌ يعبِّر عن رفضنا، ولم نكن ندري بأهميّة الموضوع، ولا بقلق الأعداء منه، لكن عندما دخلنا السجن، ورأينا مدى الامتعاض، وأنت في السجن، ونحن مكبَّلون، والسجان يعمل على تكميم أفواهنا؛ كي لا نصرخ مرة أُخرى”.
كانت قسوة السجن تجربةً مريرةً للمرسلي ورفاقه، لكنها لم تكسرهم، ولم تزدهم إلا إصرارًا على التمسك بالشعار.
ويقول المرسلي: “قبل السجن، كنا نهتفُ بالشعار كأي شاب عادي، لكن السجن علَّمنا كم يُقلِق أعداءنا هذا الشعار”. ويضيف: “عندما رأينا كيف يُكمِّمون أفواهنا، ويسحقون أجسادنا ليمنعونا من الصراخ، بهذا الشعار، أدركنا أننا نحملُ سلاحًا يخافونه، وهذه هي الحقيقة”.
ويكشفُ عن مدى حساسية السجانين تجاه الشعار، حتى أن مُجَـرّد ذكر اسم [أمريكا] و[إسرائيل] كان يُعتبَرُ جريمةً أكبرَ من جريمة الاعتقال نفسها.
ويروي أنهم في السجن، عندما يتم توجيه أسئلة إليهم: من سجنكم يا شباب؟ كانوا يردون بصوت واحد (أمريكا، وإسرائيل)، وكأنه اتّفاقٌ بيننا، وهذا الرد كان صاعقةً على السجانين، والذين لا يحبِّذون ذكر اسم أمريكا.
وهكذا تحوّل شعارُ الصرخة إلى كابوس للخونة، ورمزًا للأحرار، وإثباتًا بأن القضية أكبر من جُدران الزنازين، ولم يتوقف الأمر عند شعار البراءة والمقاطعة الاقتصادية، بل امتد ليشملَ حتى القرآن فهو يغيظُهم.
ويتابع: “أكثر ما كانوا يركزون عليه هو دوافع الناس للتحَرّك إلى الجامع الكبير، ومن الذي يموِّلهم، وما هو الدافع، وعندما كان الناس [المجاهدون السجناء] يقولون لهم القرآن يمتعضون، وهذا يدل على ارتباطهم باليهود والنصارى”.
وفي وجه غِلظة السجان وقسوة الظروف، تجلت إرادَة المجاهدين في سجون الأمن السياسي كصخرة صُلبة لم تنل منها محاولاتُ الكسر والتجويع والترهيب.. لقد أثبتوا بعزمهم أن الكلمةَ الحرةَ لا يمكن إسكاتُها بالقوة، وأن الإيمانَ بالقضية هو السلاحُ الأقوى في وجه الظلم؛ فقصتُهم تذكيرٌ بأن الإرادَةَ الصُّلبة والعزيمة الصادقة يمكن أن تتغلَّبَ على أقسى أنواع القمع.
لقد تحوّل السجنُ -في رواية المرسلي- إلى شاهدٍ على عدم جدوى القمع لدى من يحملُ قضيةً عادلةً ويتمسَّكُ بها؛ فكلما زاد التنكيلُ بالسجناء، والمكبِّرين ازداد تمسُّكُهم بشعار الصرخة، ورفضُهم لأية تعهُّدات؛ فالجوعُ لم يقتل إرادتَهم، بل جعلهم أكثرَ وعيًا بثمن الكلمة التي يحاول السجّان سرقتَها من حناجرهم.
وفي ختام هذه الحكاية نعيد التذكيرَ بأهميّة هذه الصرخة، وما يمكن للأُمَّـة أن تعملَه من منطلق أضعف الإيمان في مواجهة أمريكا و(إسرائيل)، حسب ما حثنا عليه الشهيدُ القائدُ حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-.