الخبر وما وراء الخبر

المنطقة العازلة بغزة.. مصيدة هلاك تبتلع عسكرَ الاحتلال والعدوّ يعترف

0

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
25 أبريل 2025مـ – 27 شوال 1446هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

بين رفح وبيت حانون، وعلى طول الشريط الدموي الذي يحاصر غزة منذ عقود، يكتب مجاهدو فصائل الجهاد والمقاومة عُمُـومًا، وكتائب القسام خُصُوصًا؛ فصلًا جديدًا من فصول العزة الفلسطينية والبطولة الغزاوية.

خلال الأيّام الماضية، شهدت المنطقة العازلة شماليَّ قطاع غزة كمينًا مزدوجًا أربك الحسابات العسكرية الصهيونية، وأكّـد أن هذه المساحة التي خطّط الاحتلال لتحويلها إلى درعٍ أمني، أصبحت كابوسًا يبتلعُ جنودَه، ويحوّلُ مدرعاتِهم إلى أهداف مكشوفة.

كمائن “كسر السيف”.. حين تباغت الأشباح جيشًا مدججًا

الناطق العسكري باسم كتائب القسام، “أبو عبيدة”، أكّـد في بيانه اليوم الجمعة، أن “المجاهدين لا يزالون يحيكون الكمائن المحكمة”، وينفذون الهجمات الدقيقة من بيت حانون إلى رفح، في معركةٍ وصفها بـ”المفخرة والمعجزة العسكرية”، معتبرًا إياها “حجّـة دامغةً على شباب الأُمَّــة”.

وفي واحدةٍ من هذه العمليات الجريئة، نجح مجاهدو القسام في قنص أربعة جنود وضباط من جيش الاحتلال على شارع العودة شرقي بيت حانون، ضمن ما أطلق عليه “كمين كسر السيف”.

العملية لم تكن عشوائية، بل تكرّرت بشكلٍ مدروس في الموقع نفسه الذي شهد اشتباكًا قبل أَيَّـام؛ ما يكشفُ عن قدرةٍ استخباراتية عالية، ورصد ميداني متواصل، واستغلال ذكي لغطرسة العدوّ.

في أعقاب الكمين، أقرَّ جيشُ الاحتلال بمصرع قائد دبابة من الكتيبة 79 وإصابة عدد من الضباط والجنود، في عملية نفذها مقاومون استهدفوا دبابة بقذيفة مضادة للدروع تبعها قنص مباشر وانسحاب منظم.

التحقيق العسكري الصهيوني أشار بوضوح إلى أن المقاومة أعادت الكرّة في المكان ذاته؛ ما يعني فشلًا استخباريًّا ذريعًا للاحتلال في قراءة تكتيكات مجاهدي القسام.

الأخطر في هذه العمليات -وفق تقديرات الخبراء العسكريين- أن المقاومة باتت تضرب “القوات المنفتحة” في عمق ما يسمى بالمنطقة الأمنية، وهي وحداتٌ أقلُّ يقظةً من الخطوط الأمامية؛ ما يجعلها فريسةً سهلةً للكمائن المباغتة.

تقديرات العدو: المقاومة تتحَرّك كالأشباح

جيشُ الاحتلال، في قراءته للكمينِ الثاني، اعترف ضمنيًّا أنه لم يتمكّنْ من القضاء على الخلية التي نفَّذت الكمين الأول؛ ما يعني أن المقاومة تمارسُ حربَ استنزاف تتحدى بها أُسُسَ العقيدة العسكرية الصهيونية.

ويبدو أن القسَّامَ قد استدرج الاحتلالَ إلى فَخٍّ مزدوج، جعله يطمئنُّ لنتائجِ عمليات التمشيط الفاشلة، ليضربَه في اللحظة والمكان غير المتوقعين.

بهذا الشكل، تحوّلت “المنطقةُ العازلة” إلى ما يشبهُ ساحةَ أشباح، تظهرُ فيها المقاومة فجأة، تضرِبُ وتختفي، وتعيد ترتيبَ المعركة على طريقتها، بينما يلهثُ جيش الاحتلال وراء سراب النصر.

الضربات لم تقتصر على شمالي القطاع، ففي حي “تل السلطان” و”رفح”، فجرت المقاومة حدثًا أمنيًّا داميًا، تمثل في قتل جندي صهيوني وإصابة آخرين من حرس الحدود، إثر استهداف بصاروخ مضاد للدروع.

وأشَارَت التقارير العبرية إلى إجلاء 4 جنود، ثلاثة منهم في حالة حرجة، بينما ضرب صاروخ آخر قوات اللواء 401 في “حي الدرج” بمدينة غزة؛ ما يرفع عدد صرعى جيش الكيان إلى ثمانية قتلى وأكثر من 20 إصابة، وفقًا لتقاريرَ رسمية، بينما العدد في الواقع أكبر وخاضع لرقابة مشدّدة.

وفيما تتضارب التداولات والتقارير عن ضحايا جنود الصهاينة، رغم أنها لا تهول في الأرقام؛ حفاظًا على التماسك الاجتماعي داخل الكيان؛ جاء تصريحُ وزير الحرب الصهيوني “كاتس” اليوم الجمعة، ليعكسَ عُمقَ القلقِ الصهيوني المتزايد على أبنائهم المقاتلين في غزة، ليقولَ: إن “آلافَ الجنودِ النظاميين والاحتياط يقاتلون ببسالةٍ في غزة لتحرير الرهائن والقضاء على حماس”.

وألمَحَ بشكلٍ مباشِرٍ إلى أن الخسائرَ البشريةَ في صفوفِ جيشِه كبيرة، مؤكّـدًا أن “الإنجازاتِ عظيمةٌ لكن المخاطر لا تزالُ كبيرةً والثمنُ باهظ”، لذلك دعا أن “على مواطني (إسرائيل) احتضان قادة وجنود الجيش ودعمهم والدعاء لهم بالسلامة والنجاح”.

حماس: عُمقٌ اجتماعي لا يمكنُ اجتثاثُه

وفي السياق السياسي، تؤكّـد دراسة حديثة لمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني أن “حركة حماس ليست مُجَـرّد تنظيم عسكري، بل كيانٌ متجذِّرٌ في البنية الاجتماعية والسياسية لقطاع غزة”.

وأشَارَت الدراسة إلى أن “الجيلَ الذي نشأ في العَقدَينِ الأخيرَينِ لا يعرفُ بديلًا لحماس”؛ ما يعزِّزُ من صلابة الحركة وشرعيتها الشعبيّة، ويعقّد أيَّ مخطّط لإنهاء وجودها.

ورغم أن الاحتلالَ وضع أهدافًا واضحةً لحربه في غزة منذ السابع من أُكتوبر 2023م، مثل تفكيكِ حماس واستعادة الأسرى، إلا أنه لم يحقّق شيئًا منها، بل غرق في وحلٍ أمني وعسكري وسياسي وأخلاقي.

وفي ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن المقاومةَ لا تزال تمتلك زمام المبادرة، وتضربُ حَيثُ لا يتوقع العدوّ، وتعتمد تكتيكات العصابات المتقدمة التي تحاكي الأنماطَ غيرَ التقليدية في القتال.

أما جيشُ كيان الاحتلال المترنِّحُ والمنهك، فبدا وكأنه يتعامل مع “أشباح” تهاجمُه ثم تتلاشى، بينما تفشلُ طائراتُه ومجسَّاتُه في كشفهم أَو إيقافهم.

المنطقةُ العازلة التي أرادها الاحتلالُ شريطًا واقيًا، تحوّلت إلى “حزام ناسف” يطوّق جنوده بالموت والهلع، وما زالت المقاومةُ تخُطُّ على ترابها سطورَ المجد، “حتى النصر أَو الشهادة”.