الخبر وما وراء الخبر

من اليمن إلى مغتصبات يافا وحيفا: صواريخ الحكمة تخترق جدران الخذلان العربي

4

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
23 أبريل 2025مـ – 25 شوال 1446هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

ثلاثُ مراحلَ متعاقبة أعادت رسمَ خارطة سير المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني: ما قبل “طوفان الأقصى”، وما بعد اندلاعه، ومرحلة تتشكل اليوم على وقع نيران اليمن المندفعة من أرض الحكمة نحو العمق الصهيوني في فلسطين المحتلّة.

في المرحلة الأولى، كانت القضية الفلسطينية قد بدأت تتآكل تحت ركام التطبيع العربي والانشغال الإقليمي بصراعاتٍ جانبية.

والمرحلة الثانية، دشّـنها الشعبُ الفلسطيني ومقاومته الباسلة بمعركة “طوفان الأقصى”، التي كسرت حاجز الخوف والجمود وفرضت معادلات ميدانية جديدة، لتحدث زلزالًا في وعي الاحتلال المتهالك وحلفائه.

أما المرحلة الثالثة، فبدأت فعليًّا يوم قرّرت صنعاء أن تكون القدس أقرب إليها من صعدة، وغزة أقرب من الحديدة، وحيفا أقرب من الرياض، ويافا أقرب أبو ظبي.

الكيان الصهيوني، ومن خلفه الحليف الأمريكي، راهن على أن نارَ اليمن ستُخمَدُ تحت ضربات الغارات الأمريكية، لكن الصواريخ البالستية اليمنية الفرط صوتية كانت تكتُبُ بالرماد والجمر رسائلَ حمراءَ في سماء حيفا ويافا.

وأثبتت القوات المسلحة اليمنية اليوم، أن دعم فلسطين ليس موقفًا إعلاميًّا أَو مُجَـرّد تنديد، كما تفعله الكثير من الأنظمة في هذا العالم المتناقض؛ بل فعلٍ عسكري حربي واقعي له تداعياته الاستراتيجية على نظامٍ لم تردعه قوانين أممية ولا مناشدات استهلاكية.

ما جرى اليوم الأربعاء، لم يكن حدثًا عابرًا، بل جاء نقطة انعطاف في معادلة الردع، فالصاروخ اليمني اخترق كامل المنظومات الصهيونية، وضرب هدفًا حيويًّا في حيفا وزرع الذعر في قلوب أكثرَ من ثلاثة ملايين مغتصِب صهيوني هرعوا إلى الملاجئ.

وحين ضربت طائرة ومسيّرة “يافا” الهجومية اليمانية عمق الكيان، أعلنت للعالم أن اليمن ليس متفرجًا على مشهد الإبادة الجماعية في غزة، بل شريكٌ كاملٌ في المواجهة مدافعًا عنها وناصرًا لها بالفعل والقول.

وفيما كانت بعضُ العواصم العربية تجتهد في تبريد الموقف وتمرير رسائل “الحياد”، جاءت صنعاء لتُشعل جبهة من جبهات النار لم يخفُـت وهجها على مدى عامٍ وثمانية أشهر، مفندةً وَهْمَ انفصال القضية الفلسطينية عن التطبيع.

الرسائل اليمنية لم تكن موجهة للكيان وحده، بل أَيْـضًا لأُولئك الذين ما زالوا يتحدثون عن “الفرص الاقتصادية والاستثمارية للسلام” بينما يُباد أطفال غزة تحت القنابل الأمريكية والصهيونية المحرَّمة وفقَ الشرائع السماوية والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية.

الصراع لم يعد على الأرض فقط، بل شمل ميدانَ الوعي وطيف المعاني والمفاهيم، فبينما يرى الاحتلالُ الصهيونيُّ وداعموه في الصمت العربي والإسلامي دعمًا ضمنيًّا للعدوً؛ يرى اليمن قيادةً وشعبًا وجيشًا في الصمتِ خيانةٌ، والخِذلان رِدَّةٌ، وفي الفعل المتأخر ضياعٌ للتاريخ والموقف.

ومن قلب هذا التباين، يشتد الخلاف الوجودي، فاليمن لم يعد حليفًا معنويًّا للفلسطينيين، بل تحوّل إلى جبهة إسنادٍ فعلية تُشاغل كُـلَّ جبهات كيان العدوّ (شمالًا وجنوبًا، قلبًا وأطرافًا)، وتربك حساباتِه الأمنية في وقتٍ عصيب عليه، بينما يتداعى المجتمع الصهيوني تحت ضغط الخوف والشلل الاقتصادي والانفجارات والحرائق المنتشرة في كُـلّ مكانٍ وصلت إليه يدُ اليمني.

الحرائق التي التهمت مغتصبات “بيت شيمش” و”بيت مئير” وعلّقت حركة القطارات والطرقات، في “حيفا ويافا والقدس” المحتلّة، جاءت نتيجةً طبيعيةً لفشل المنظومات الدفاعية الأمريكية الصهيونية الحديثة، وارتباك القيادة السياسية والعسكرية في التعامل مع تهديدٍ هو الأكبر والأجرأ من كُـلّ التهديدات السابقة.

الاحتلال الصهيوني اعتاد منذ عقود أن تكون المواجهات قصيرة، محدودة، محسوبة، ومع أطراف محاصَرة، لكنه الآن يواجه يمنًا لا يُقصَفُ ثم يصمُت، بل يرُدُّ، ويصعِّد، ويخطط لمدى أبعد من يافا و”غوش دان” الكبرى في قلب الكيان.

إنها لحظات فارقة، ترسم معالم عهدٍ جديد وتكشف حدود الاصطفاف الإيماني الحقيقي، بين من يرى في فلسطين عبئًا على مصالحه وسياساته وأمنه وعلاقاته، ومن يراها تاجًا على رأس الأُمَّــة لا يسقط إلا بسقوط كرامتها كلها.

صنعاء -اليوم كما الأمس والغد- تحسم موقفها، وتؤكّـد أن المعركة ليست “قضية غزة”، بل قضية أُمَّـة، وأن الموقف من فلسطين هو الامتحان الأعلى في سُلَّمِ الأخلاق والسيادة والهُوية.

ولأن الشعب اليمني يخوض معركتَه من منطلق ديني وأخلاقي وإنساني، كتأكيد السيد القائد في خطاباته والشعب في مَسيراته والجيش في بياناته، فَــإنَّ الصراعَ بالنسبة لليمن ليس تكتيكًا، بل عقيدةٌ تجعلُ الكيانَ يرتعد، ويعيدُ حساباتِه أمام لاعب قوي لا يلعبُ ضمن شروط لُعبة العرب القديمة.

ما بعد اليوم، لن يكون كما قبله؛ فكما غيّر “طوفان الأقصى” قواعدَ الاشتباك، جاءت صواريخ اليمن وطائراته لتغيِّرَ هندسةَ الردع، وتفتحَ البابَ لمرحلةٍ جديدة تنسف معادلة “السلام مقابل (الأرض، الغذاء، التطبيع)”، واستعادة فلسطين من موائد المساومة إلى ميادين التحرير.