الخبر وما وراء الخبر

في اليمن، تحترق أوراق الإمبراطورية، وتُكتب فصول جديدة من التاريخ التحرري العالمي.

2

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
20 أبريل 2025مـ – 22 شوال 1446هـ

بقلم// أنس القاضي

جاء خطاب الرئيس مهدي المشاط، في اجتماع مجلس الدفاع الوطني، كإعلان سياسي صريح عن فشل العدوان الأمريكي من الناحية الاستراتيجية، وكشهادة على تحوّل اليمن من موقع الهامش في النظام الدولي إلى جبهة مقاومة متقدمة في وجه المشروع الإمبريالي الأمريكي ـ الصهيوني.

في لغة تتسم بالثقة والسيادة، أسقط المشاط الرواية الأمريكية عن امتلاك أدوات الردع الساحقة، كاشفاً أن اليمن، بموارده المحدودة وإرادته الشعبية، تمكن من إخراج حاملة الطائرات “ترومان” من الخدمة، وتجاوز المنظومة الكهرومغناطيسية التي كانت واشنطن تلوّح بها في وجه روسيا والصين. هذا الانتصار لا يُقرأ عسكرياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، باعتباره تحطيماً لهالة الغطرسة الإمبريالية التي لطالما استخدمت القوة كأداة للهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها.

وضع الرئيس المشاط الموقف اليمني من دعم غزة في إطاره الأخلاقي والأممي، باعتباره موقفاً مناهضاً للإبادة والاستعمار والصهيونية، مشدداً على أن العدوان الأمريكي جاء عقاباً لهذا الموقف التحرري. بهذا الربط، أعاد الاعتبار لفكرة أن فلسطين لم تكن يوماً قضية شعبٍ واحد، بل عنواناً جامعاً لحركات التحرر العالمي، وأن مناصرتها فعلٌ ثوري بامتياز في وجه أدوات الإمبريالية.

أما القدرة اليمنية على الحصول على معلومات استخباراتية مسبقة عن العدوان، وتحقيق اختراق تقني لمنظومات عسكرية أمريكية يُروَّج لها على أنها عصيّة على الكسر، فهي تعكس تفوق الإرادة الثورية للشعوب حينما تُسخّر من أجل قضايا عادلة. وتجسّد في الوقت ذاته إمكانيات الدول المستقلة سياسياً، حتى إن كانت محاصَرة اقتصادياً، في كسر احتكار المعرفة والقوة العسكرية.

حمّل المشاط واشنطن مسؤولية مباشرة عن دعم المشروع الصهيوني، وفضح ازدواجية خطابها الحقوقي. كما أعلن بوضوح عن التوجّه نحو استهداف الشركات الرأسمالية المتورطة في سفك الدماء، خاصة شركات السلاح والنفط، في خطوة تشبه أدوات الرد الشعبي على أدوات الإمبريالية.

وأرسل خطاباً ضمنياً إلى قوى البريكس، ولا سيما روسيا والصين، مفاده أن الولايات المتحدة تحترق سياسياً وعسكرياً في اليمن، وأن أوراقها الكبرى ـ من الردع العسكري إلى الهيبة الإعلامية ـ باتت مكشوفة. وهي فرصة تاريخية، كما ألمح، لإعادة رسم توازنات النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

وفي الداخل، قدّم الرئيس خطاباً تطمينياً، مؤكداً أن هناك انسجاماً كاملاً بين الشعب، القيادة، والقوات المسلحة، وأن النصر بات قريباً. اللافت في الخطاب كان الإشادة بالمواقف الوطنية الرافضة للمال السياسي الخليجي، في إشارة إلى أن الكرامة الوطنية تتفوق على الإغراءات، وأن الصراع الراهن هو بين “الثروة المشتراة” و”السيادة المستحقة”.

ولم يغفل الخطاب عن توجيه تحذير واضح للقوى المحلية الموالية للعدوان، مشدداً على أن هذه المرحلة لا تحتمل المناورات السياسية الداخلية التي تصب في خدمة المشروع الصهيوني، وأن القوات المسلحة مستعدة لإحباط أي تحرك موازٍ يخدم الأعداء من الداخل.

خلاصة القول، لم يكن خطاب الرئيس المشاط مجرد تقييم لحالة ميدانية، بل كان إعادة تعريف جوهر المعركة: ليست مجرد حرب حدودية أو رد فعل سياسي، بل مواجهة أممية بين مشروع هيمنة تمثّله الرأسمالية المتوحشة وأدواتها العسكرية والاقتصادية، ومشروع مقاومة يسعى إلى استعادة السيادة الوطنية، والكرامة الشعبية، وتحرير إرادة الشعوب من قبضة الاستغلال والإذلال.