الردع بالموقف والسلاح: حزب الله يحسم الجدل حول الاستراتيجية الدفاعية في لبنان
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
19 أبريل 2025مـ – 21 شوال 1446هـ
تقريــر || عبدالقوي السباعي
في توقيتٍ بالغِ الحساسية داخليًّا وإقليميًّا، جاء خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، كرسالةٍ واضحة المعالم ومحدّدة الاتّجاهات، قطعت الطريق على كُـلّ التأويلات والشائعات السياسية المتعمدة، حول سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية.
الخطاب، الذي ألقاه الشيخ قاسم مساء الجمعة، حمَل نَفَسًا دينيًّا وطنيًّا وسياسيًّا في آنٍ معًا، رسم خطوطًا حمراءَ لا يمكن تجاوزها في مرحلةٍ تتكالب فيها الضغوط على لبنان، من قبل واشنطن وبدفعٍ مباشرٍ من الكيان الصهيوني، في محاولةٍ لإعادة تشكيل البيئة الأمنية والسياسية للبلاد.
حسم الجدل.. المقاومة موقف.. وسلاحها ليس للمساومة:
في الإطار؛ أوضح الشيخ قاسم أن سلاح المقاومة ليس بندًا على طاولة المساومات، بل هو الثابت في معادلة الصراع مع العدوّ، وأن الدعوة لنزعه بالقوة تمثل فتنة كبرى وخدمة مجانية لكيان العدوّ، معتبرًا أن من يروّج لذلك إنما يسعى لإخراج لبنان من معادلة الردع والمواجهة.
وحين قال: “لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح المقاومة”؛ ما يعني حرفيًّا -بحسب مراقبين- أن هذا الخيار غير قابل البتة للتفاوض والنقاش عليه أَو حتى التأجيل إلى مرحلة قادمة.
ووَفقًا لقراءاتٍ متعددة لكثير من الخبراء، فَــإنَّ الخطاب قدّم مقاربة واضحة للاستراتيجية الدفاعية، تقوم على ثلاث قواعد مركزية هي: “حماية السيادة اللبنانية وتحرير الأراضي المحتلّة، واستثمار قوة المقاومة ضمن رؤية وطنية دفاعية شاملة، ورفض أي طرح يُضعف لبنان أَو يُسلمه للعدو الصهيوني”.
ومن هذا المنطلق، ربط الشيخ قاسم النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية بتنفيذ كيان الاحتلال لالتزاماته بموجب القرار الأممي “1701”، وكذلك بالتزام الدولة اللبنانية بواجب إعادة الإعمار، معتبرًا أن الحوار الجاد لا يتمُّ تحت ضغط العدوان، بل بعد تهيئة الشروط الوطنية الكاملة.
نزع السلاح.. مشروع فتنة أمريكي-صهيوني:
الخطابُ لم يُخفِ استياءَه من الحملة الإعلامية والسياسية المنظمة ضد المقاومة، متهمًا بعض الجهات بمحاولة فرض وصاية أمريكية على لبنان، عبر استهداف سلاح حزب الله.
الشيخ قاسم اعتبر أن نزع السلاح يعني تسليمَ لبنان على طبقٍ من ذهب للمشروع الصهيوني، مُشيرًا إلى أن كيان العدوّ ما يزال يطمع بالأرض اللبنانية ضمن مشروع “إسرائيل الكبرى”، وأن المقاومة هي الضمانة الوحيدة لردعه.
وفي واحدٍ من أبرز مقاطع الخطاب، شدّد الأمين العام لحزب الله على أن المقاومة لا تُقاس بالأرباح والخسائر، بل تُقاس بالموقف، وأن الصمود في وجه العدوان هو القيمة الفعلية، لا عدد الشهداء أَو حجم الدمار.
هذه الرسالة -بحسب الخبراء- ليست موجهة فقط للخصوم في الداخل، بل أَيْـضًا لحلفاء يساورهم القلق من حجم التضحيات، “إذا أردتم التجربة فلتجرِّبوا، فلا أحد يستطيعُ أن يهزمَنا”، جملةٌ تختصر عقيدة الحزب الدينية واستعداده الدائم لخوض المواجهة، وعلى التضحية في نفس الوقت.
وبخلاف ما يُشاع عن وجود توتر بين المقاومة ومؤسّسات الدولة داخل لبنان، أظهر الخطاب قدرًا من التفاهم والثقة، خُصُوصًا في العلاقة مع رئيس الجمهورية “جوزيف عون”، حَيثُ أشار إلى تبادل رسائلَ بين الطرفَينِ.
كما أكّـد أن المقاومةَ معنيةٌ بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية “عند انعقاد الطاولة” لا عبر الإعلام؛ ما يعكس حرص الحزب على الحوار المؤسّساتي.
فلسطين البُوصلة.. وغزة عنوان الخطاب:
لم تَغِبْ فلسطين عن خطاب الشيخ نعيم قاسم، بل جاءت حاضرة كمحورٍ أصيل، حين أكّـد أن ما يجري في غزة من جرائم هو إدانة للعالمَين العربي والإسلامي، وأن البوصلة ستبقى هناك، حَيثُ العدوّ الحقيقي.
كما أن المقاومة -بحسب الشيخ قاسم- ليست شأنًا لبنانيًّا فحسب، بل هي امتداد للمعركة الكبرى ضد المشروع الصهيوني في المنطقة، الذي يشن حرب إبادة على غزة والعالم صامت.
إلى ذلك، يؤكّـد خبراء سياسيون أن هذا الخطاب وضع النقاط على الحروف في أكثر القضايا إثارةً للجدل داخليًّا: “سلاح المقاومة، الحوار الوطني، وإعادة الإعمار”، وقدّم تصورًا متماسكًا عن طبيعة المرحلة المقبلة، في ظل اشتداد الضغط السياسي والاقتصادي.
وبالتالي، فَــإنَّ حزب الله، وعلى لسان أمينه العام، لا يرى أن سلاحه هو المشكلة، بل إن الاحتلال الصهيوني هو أصل المشكلة، والحل يبدأ من هناك، “التخلص من الاحتلال ومقاومته”.
وفي المحصلة؛ وعلى اعتبار أن هذا الخطاب جاء بمثابة ردٍّ على حملةٍ سياسيةٍ محمومة على حزب الله، إلا أنه أتى بمثابةٍ إعلان مبدئي وثابت، يؤكّـدُ أن “المقاومةَ مُستمرّة، وسلاحُها ضمانة لبنان، لا عبء عليه”.