الخبر وما وراء الخبر

بين رغبات أمريكا ولاءات إيران.. إلى أين ستنتهي المفاوضات؟

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
19 أبريل 2025مـ – 21 شوال 1446هـ

تقريــر || إبراهيم العنسي

مفاوضاتُ إيران – أمريكا، تقفُ على قدم وساق، ما بين تفاؤل يستند إلى قراءة تصورات ترامب ورغباته الفعلية حول المِلف النووي الإيراني (حيث قد يكون هذا المِلفُّ بعقلية ترامب مكسبًا لا يتطلب إشعالَ حرب في هذا التوقيت على الأقل) وبين ما يتم تداوُلُه ضمن مشاورات فريق ترامب للأمن القومي حول هذا المِلف الحساس وضرورة حله كمعضلة تؤرِّقُ واشنطن وسياسَتها الخارجية منذ عقود طويلة. فهناك ما يحتاج -بنظر الأمريكان- لحسابات دقيقة في هذا المِلف وما يرافقه من ملفات ترى إدارة ترامب أنها يجب أن ترتبط بمفاوضات نووي إيران لكن تلك الملفات تظل شائكةً.

اليوم السبتَ انتهت جولة المفاوضات الثانية في روما الإيطالية بتقدم متوقَّعٍ وصل للحديث عن لجان عمل.

جولة المفاوضات الثانية في العاصمة روما، وصفها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بأنها كانت بناءة، بعد مفاوضات استمرت لـ4 ساعات، اتفقت فيها طهران وواشنطن على استئناف المحادثات “التقنية” على مستوى الخبراء في الأيام القادمة.

مع تأكيد الوزير الإيراني أن اجتماعات روما بين إيران وواشنطن أسفرت عن توافق للانتقال إلى المرحلة التالية من المباحثات وأنه من المقرر عقدُ مفاوضات فنية عبر فِرَقٍ متخصصة في سلطنة عُمان لوضع أُطُرٍ عامة لاتفاق، حيث ستبدأ المحادثات التقنية، الأربعاء المقبل، على مستوى الخبراء في سلطنة عمان. فيما سيلتقي المتفاوضون مجدَّدًا السبت المقبل في عُمان لبحث عمل الخبراء ورؤية مدى الاقتراب من أُسُسِ الاتفاق، وفقًا للوزير عراقجي.

وبحسب الخارجية العمانية فإن المباحثات تهدف للتوصل لاتفاق يضمن خلوَّ إيران بالكامل من الأسلحة النووية ورفع العقوبات عنها، والتوصل لاتفاق يحفظُ لإيران حقها بتطويرِ الطاقة النووية للأغراض السلمية.

هذا ما يؤكد إلى حدِّ ما مقاربة التحليلات لما يمكن أن تسير عليه المفاوضات وما يمكن أن يحقِّقه كُلُّ طرفٍ في المفاوضات.

الخميس خرج ترامب ليعيدَ كلامَه من جديد، الأهم فيه اعتقاده أن إيران ترغب في الحوار، مقابل تلميحه إلى ما يرغب من هذا الاتّفاق وهو أَلَّا يطابِقُ الاتّفاق الذي أُبرِمَ في عهد أوباما، فلماذا لا يرغب في اتّفاق كاتّفاق أوباما رغم أنَّ ما سيكون لن يتجاوز الرقابةَ على البرنامج النووي؟ وما علاقة تزامن المفاوضات بما تسرِّبه الصحف الأمريكية عن خطط إسرائيلية لاستهداف منشآت إيران النووية؟ وهل تثقُ واشنطن بخيار التصعيد في الواقع أم هو لمُجَـرّد الضغط؟

في البدء هناك أمورٌ تفهمها واشنطن بعد سنوات طويلة من عمر المشروع النووي الإيراني، والتجاذبات التي رافقته، حَيثُ عينُ الغرب عليه بينما استمر هذا المشروعُ متخطيًا مراحلَ وربما هو في حالٍ أفضلَ كمشروع نووي سلمي حتى الآن.

هناك سياقٌ تاريخي يمكن أن يفسّر ثبات الموقف الإيراني النووي منذ عقود طويلة. خلال رئاسة جورج بوش الابن، رفضت إيران التخلي عن برنامجها النووي بالكامل، ذلك الموقف ارتبط بفترة كان المشروع فيها أقل تعقيدًا وكانت أجهزة الطرد المركزية الإيرانية بطيئة وقديمة إلى حَــدٍّ ما. هذا يقودُ لاستنتاج بسيط بالنظر إلى تطورات ومتغيرات حاصلة؛ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتخلى عن برنامجها مع تطور إمْكَاناتها وقدراتها النووية اليوم، فضلا عما تقرأه من تراجع في قوة وهيمنة أمريكا، وإن كان هذا يستوجب الحذر لتلافي الضرر، حَيثُ المزاج الترامبي لا يمكن الرهان عليه، في بعض الحسابات.

ورغم السجال والانقسام داخل إدارة ترامب. فالمؤكّـد أن ما يمكن الموافقة عليه إيرانيًّا هو الحق النووي الإيراني مقابل الرقابة الدولية عليه، ويمكن أن تطعَّمَ بُنُودُ الاتّفاق بترضيات لا تتعلق بالثوابت، ولا شيء آخر.

ومع أن الموقف الأمريكي ساق مطالبه بسقفه الأعلى في التمهيد لهذه الجولة. لكنه فعل ذلك في الجولة الأولى وسرعان ما خرج برواية جديدة، من متطرفة إلى شيء من البراغماتية غير المألوفة أمريكيًّا، وهو اليوم يخرج بالشيء نفسه في حضور براغماتي أمريكي. والواضح أن تركيز واشنطن ينصبُّ على كيفية إيقاف برنامج إيران النووي دون حرب.

لكن لماذا قد لا تنجر الولايات المتحدة إلى صراع كبير مع إيران رغم التهديد المفرط من ترامب ما قبل المفاوضات، وقد توعد إيران بيوم غير مسبوق؟

بينما يوصي مستشار ترامب للأمن القومي والتز، ووزير خارجيته روبيو باستخدام صيغة رئيس وزراء كيان العدوّ نتنياهو، والتي تقول: “إن وقف خطر إيران النووي وإبرام اتّفاق لن ينجح بين الولايات المتحدة وإيران إلا إذَا تم تفجير المنشآت النووية الإيرانية تحت إشراف الولايات المتحدة وبتنفيذ أمريكي، يجزم غاري سامور، المسؤول النووي الأعلى في البيت الأبيض خلال إدارتَي كلينتون وأوباما بـ “أن القضاء على قدرة إيران النووية أمرٌ بعيد المنال. فهو لا يعتقد أن إيران ستوافق على القضاء على البرنامج بأكمله حتى تحت تهديد القوة العسكرية، مع التذكير بأن جميع الأساليب التي استُخدمت حتى الآن، التخريب والعقوبات والدبلوماسية، كانت كلها لكسب الوقت.

كما لا يعتقد غاري سامور، أنّ ترامب يريد خوض الحرب، فضلًا عن أنّ الإيرانيين لا يريدونها أَيْـضًا. وهذا يُشير إلى إمْكَانية وجود مجال للاتّفاق.

أيضًا من شأن الحل العسكري -بحسب دانييل ديبيتريس، الباحث بمركز أولويات الدفاع الأمريكي- أن يؤخر خيار استخدام القوة، في أفضل الأحوال، العمل النووي الإيراني لعدة أشهر، وفي أسوأ الأحوال أن يكون العمل العسكري سببًا لحرب في الشرق الأوسط، تعهد بعدم حصولها “ترامب” في حملته الانتخابية”؛ فهو لا يريد حربًا جديدة.

في مقابل هذا ينظر رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران كمال خرازي إلى أن الولايات المتحدة تنفذ في المرحلة الحالية عملية نفسية ضد بلاده “إما الحرب أَو المفاوضات”. لكن لن تكون هناك حرب طالما ضمنت واشنطن نوعًا من السيطرة على برنامج إيران النووي.

كما لا تؤمن القيادة الإيرانية بخطط ترامب لشن حرب حقيقية ضد إيران وإن كانت الأخيرة تعلن استعدادها الفعلي لأي هجوم. ما قاله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله الخامنئي رَدًّا على التهديد بالقصف الأمريكي: “نعتبر أنه من غير المحتمل أن تتعرض إيران لأذى من الخارج”. وبالنظر إلى واقع حال دول الخليج فَــإنَّها تسعى -كما يبدو- لثني أمريكا عن مهاجمة إيران، على الأقل لا تحبب المزيد من تأجيج صراع آخر في المنطقة، خَاصَّة وأن تداعياته حتمًا ستنال المنطقة الخليجية بكثير من السوء والأذى.

مع تلك التوقعات المستندة إلى خبرة المحللين والمراقبين لهذا الملف الشائك، يمكن فهم ما وراء الصراخ الأمريكي والتهديد علنًا بصوتٍ عالٍ لإيران، بينما طاولةُ المفاوضات مشغولة بمفاوضات الطرفَين، بانتظار اجتماعات الأربعاء الفنية وما بعدها، وتبدو فيه طهران أكثرَ هدوءًا من رجل البيت الأبيض.

وما يمكن تفسيرُه أن من مصلحة ترامب أن يبقى الموقفُ من مفاوضات نووي إيران غامضًا شيئًا ما؛ فهناك الكثير من الإزعاج الذي قد يصاحب عملية التفاوض. كما يظل من الجيد لترامب أن تبدو إدارته منقسمة حول النتيجة النهائية. وأن يكون هناك طرفان أَو أكثر يرسمون تصورات الحل لملف إيران النووي.

وإذا ما كان خيار التصعيد عسكريًّا غير وارد نسبيًّا مع مرونة إيران، ومساعي ترامب لما بعد تجميد خطر إيران النووي، فَــإنَّ الاتّفاق في ظل هامش ربح قد يتحقّق هو الأقرب للأمريكيين وهذا ما يظهر حتى الآن.

يتذكر ترامب أنه خلال ولايته الأولى، كانت سياسته تجاه إيران مُتعثرة؛ فقد تخلى عن اتّفاق ساري المفعول من عهد أوباما، ألزم إيران بشحن 97 % من مخزونها من اليورانيوم المُخصب، وحظر التخصيب الإيراني بنسبة نقاء تزيد عن 3.67 %، وأنشأ نظام تفتيش وتحقّق يرصد أية انتهاكات محتملة للاتّفاق في وقت مبكر. فما الذي استفاده من إلغاء ذلك الاتّفاق مهما كانت عيوبه؟! وحيث ترك المجال لهذا المشروع أن يستمر ويتقدم دون ضابط أَو رقابة بعد إلغاء اتّفاق أوباما.

 

قياسًا على مؤشرات الجولة الأولى:

وفقًا لتصورات الواقع فَــإنَّ مؤشرات الجولة الأولى للمفاوضات النووية إيران – واشنطن، ربما توحي أن هناك عصا قد أُخِذت من منتصفها، حَيثُ لا نوايا حقيقيةً لصراعٍ وحربٍ في مثل هذه الظروف التي تعيشها أمريكا أولًا، وحيث أولويات واشنطن تتجهُ إلى الداخل وإن أظهر الأمريكيون العكس.

ما يحاولُ الوصولَ إليه ترامب هو وقفُ ما يسمِّيه خطر إيران النووي أول الأمر، دون الزج بأمريكا في حرب لا تستطيع الأخيرة ضبط إيقاعها في ظل تعقيدات وتشابك ملفات المنطقة، وفي ظل أجواء منافسة أشد تحاول واشنطن أن تدخر قوتها؛ مِن أجلِها هي، لا أن تُستنزف في حرب أَو مواجهة ضد دول يمكن وقف خطرها بانتهاج أساليب سلمية على الأقل في هذه المرحلة العصيبة للولايات المتحدة، حَيثُ تعيش مرحلة فاصلة وصعبة في تاريخ هيمنتها العالمية.

ما سيتم التركيز عليه، في الجولات القادمة كما أشار إليه المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، في مقابلة قناة “فوكس نيوز”، هو ضمان خفض مستوى تخصيب اليورانيوم لدى طهران. وبحسب ويتكوف: “ستتمحور المحادثات مع الإيرانيين حول نقطتين أَسَاسيتين:- الأولى تتعلق بالتخصيب؛ إذ لا يحتاجون إلى تخصيب يتجاوز 3.67 %.

سيحاول الأمريكان نهاية المطاف، (التحقّق من برنامج التسلح. وهذا يشمل الصواريخ، وهو نوع من الصواريخ التي خزّنوها هناك) كما صرح مفاوض ترامب، وهذا ما تؤكّـد طهران أنه من متعلقات الأمن القومي الإيراني وهو خط أحمر.

 

نظرة اقتصادية:

في 14 إبريل/نيسان، نشرت مجلة ” Statecraft Responsible ” الأمريكية تحليلًا يتصور قدرةَ ترامب عبرَ مفاوضاته مع إيران على تحقيق ما اعتبره فرصًا واقعية تضمن منعَ إيران من امتلاك السلاح النووي، وتتفادى الصراعَ العسكري، وتحقّق مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة، وهذه المجموعة ككل لا بد أن ترتكزَ على أمرين اثنين؛ التحقّق الأمريكي مقابل تخفيف العقوبات عن إيران. من وجهة نظر براغماتية أمريكية؛ فَــإنَّ ترامب في وضع أفضل لترجمة هذه المكاسب تحديدًا. فالمعطيات في الواقع تشير إلى أن هذا هو الحل الأقرب.

بحسب المجلة فَــإنَّ “ترامب يميل إلى اعتبار العقوبات تلك عقابًا للشركات الأمريكية، وقد يبدو متلهفًا لرفعها للسماح للشركات الأمريكية بالعودة إلى إيران”. ونظرًا للمدى الذي وصل إليه البرنامج النووي الإيراني، فقد يثبت أن استعداد ترامب لرفع العقوبات الأَسَاسية هو بالضبط السبب وراء حصوله على فرصة لإعادة عقارب الساعة النووية إلى عام 2016. مع ضمان الرقابة الصارمة على برنامج إيران النووي.

اتباع نموذج قائم على التحقّق والرقابة، مع اعتبار الأسلحة النووية الخط الأحمر الوحيد لترامب، يمكّن -وفق التصور الترامبي- من منع القنبلة الإيرانية، ومنع الحرب مع إيران، وتوفير فرص عمل كبيرة للشركات الأمريكية، وهو ما سيخلق المزيدَ من الوظائف في الولايات المتحدة.

لقد كشفت دراسة أجريت عام 2014، أنّ العقوبات الأمريكية كلّفت الاقتصاد الأمريكي ما بين عامَي 1995 و2012، ما بين 135 و175 مليار دولار من عائدات التصدير المحتملة إلى إيران.

بحسب هذه الدراسة فقد أَدَّى هذا إلى فقدانِ عددٍ هائل من فرص العمل في الولايات المتحدة، ما بين 50،000 و66،000 فرصة عمل مفقودة سنويًّا. وفي عام 2008، وصل العدد إلى 279،000 فرصة عمل مفقودة”.

هذه النظرة التجارية والتي أشار إليها ترامب بتأكيده أنه ينبغي أَلَّا تكون لأُورُوبا علاقة بأي اتّفاق ربما يكون قادمًا مع إيران، تفسّر جزءًا من أهداف مفاوضات ترامب حول المشروع النووي الإيراني اليوم، واهتمامه بإبلاغ كيان العدوّ بتوجّـهه للاتّفاق مع طهران حول مِلفها النووي. لا يعني هذا أن جانبَ الاقتصاد هو كُـلّ شيء. ما يفترضُه فريق ترامب المؤيد لهذا المسار، هو التمسّك في الحد الأدنى بنُسخة أوباما من الاتّفاق مع بعض التعديلات، التي تسعى لإلغاء الدور الأُورُوبي فيه، وتشديد الرقابة على الإيرانيين.

هذا يعني المضيَّ في استراتيجية تعطي الأولويةَ للقضية النووية بدلًا عن الصواريخ الباليستية الإيرانية والتحقّق بدلًا عن التفكيك وترحيل ملف علاقات إيران في المنطقة؛ لأَنَّه مما سيعيق أي اتّفاق. إلى جانب تخفيف العقوبات الأَسَاسية لاحتواء البرنامج النووي وقبول إيران بإشراك الشركات الأمريكية في مكاسب ما بعد تخفيف العقوبات.

 

عقباتٌ أُورُوبية:

لكن مع هذا التصور هناك عقبات ترتبط بالأُورُوبيين وعلاقتهم بالملف النووي الإيراني. في ١٥ إبريل، أفادت صحيفة “طهران تايمز” بأن الدولَ الثلاثَ الأُورُوبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، قد تسعى إلى تعطيل المحادثات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ لأَنَّها تعتقد أنه ينبغي إشراكها في العملية.

وبحسب الصحيفة، ترى فرنسا وألمانيا وبريطانيا ضرورة المشاركة في مناقشات الملف النووي الإيراني؛ لأَنَّها الوحيدة القادرة على تفعيل آلية إعادة العقوبات المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة. وأشَارَت صحيفة “طهران تايمز” إلى أنه خلال مشاورات مع وفد أمريكي في عُمان في 12 إبريل/نيسان، طلب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من واشنطن منع الأُورُوبيين من تفعيل هذه الآلية. وتضيف الصحيفة أن الثلاثي الأُورُوبي يخطط لبدء جهد إعلامي لتقويضِ العلاقات بين إيران والصين وروسيا، معتقدًا أن ذلك من شأنه تعقيدُ الاتّفاق بين طهران وواشنطن.

إن إجراءاتِ إعادة العقوبات المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني تعني إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على طهران؛ بسَببِ برنامجها النووي، والتي تم رفعها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. في حال حصول ذلك ستنسحب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، رغم أنها تحظُرُ تصنيعَ سلاح نووي.

 

ما تريدُه أمريكا… ولن تقبلَه إيران:

من وجهة نظر ويتكوف ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، على الإدارة السعي جاهدةً لوضع نظام تحقّق صارم، ربما تُديرُه الولايات المتحدة نفسها، بدلًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان الامتثال، كما تسوِّق.

وبينما تُصِرُّ واشنطن على أن تُنهيَ طهران دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط وتقييد برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية. تُعارِضُ إيران بشدة أيةَ محاولات لتقليص سياستها الخارجية وقدراتها الدفاعية، مُؤكّـدةً على حقها في تطويرِ طاقة نووية مدنية.

يؤكّـد المتحدثُ باسم (الحرس الثوري) في إيران العميد علي محمد نائيني، أن “الأمن القومي الإيراني والدفاع والقوة العسكرية خطوطٌ حمراء، وأن لا مجالَ للتفاوض بشأنها أَو مناقشتها تحت أي ظرف”.

وفقًا للسفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم السادة، أرسلت الولايات المتحدة على وجه الخصوص رسالةً إلى طهران تدعو إلى حَـلّ قوات الحشد الشعبي العراقية المدعومة، كما تناولت وقفَ دعم حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن.

وكما تقول صحيفة (الغارديان): إن “من المتوقع أن ترفض طهران أي اقتراح أمريكي ينقل مخزونها من اليورانيوم المخصَّب إلى دولة ثالثة مثل روسيا كجزء من اتّفاق تسعى واشنطن من خلاله إلى تقليص البرنامج النووي الإيراني.

في 15 إبريل، وفقًا لـ “رويترز”، رفض الكرملين التعليق عندما سئل عما إذَا كانت روسيا مستعدة للسيطرة على مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب كجزء من اتّفاق نووي محتمل في المستقبل بين إيران والولايات المتحدة. تدرك موسكو أن إجَابَة ًمتسرِّعةً على سؤال كهذا سيكون محرجًا لها خَاصَّة إن كانت طهران ترفُضُ من حَيثُ المبدأ هذا الإجراء.

ومع تحذير ترامب وتذكيره طهرانَ بأن مهلة المفاوضات تنتهي في شهرين في مايو المقبل، لا تبدو طهران مكترثةً كَثيرًا بهذا.

يمكن الاستشهاد بما قاله آية الله خامنئي “لسنا متفائلين ولا متشائمين”، في وصف واضح للمفاوضات النووية، مُضيفًا أن “القدرات العسكرية لإيران خط أحمر”. هذه اللهجة تنطوي على أكثر من رسالة. فهي تعكس -بحسب الإيرانيين- موقفًا متوازنًا يهدف إلى طمأنة الداخل الإيراني والحلفاء بأن الثوابت لن تُمس، وفي الوقت ذاته تبعث بإشارة للخارج بأن طهران منفتحةٌ على الحوار، لكن بشروطها.

هذه التصريحات ليست جديدة من المرشد الإيراني، لكنها تأتي هذه المرة في ظل ظرف إقليمي شديد التعقيد؛ ما يضفي عليها دلالاتٍ تتجاوزُ المِلفَّ النووي نفسَه، إلى ما هو أعمقُ وأوسع وأكثر ارتباطًا بخارطة الواقع الإيراني في المنطقة وتوازن القوى الناشئ دوليًّا. غير أن لهجة الخامنئي -بحسب التحليل الإيراني- تشير إلى رغبة في إبقاء باب الحوار مفتوحًا، لكن دون تقديم أية تنازلات، حَيثُ طهران مستعدة للتفاوض على التفاصيل، دون المساس بالبنية الأَسَاسية لسياستها الخارجية.

أما بالنسبة لتصعيد كيان الاحتلال وتسريباته عن ضرب منشآت إيران النووية فليس أكثر من زوبعة في فنجان، بحسب شهادات الداخل الإسرائيلي نفسه.

يفسِّر عضوُ “الكنيست الصهيوني” غادي أيزنكوت، ما وراءَ تسريبات “نيويورك تايمز” بشأن الهجوم الإسرائيلي على إيران؟

يؤكّـد “أيزنكوت” أن تلك التسريبات هي تسريبات كاذبة وأن مصدرها مكتب نتنياهو والهدف هو إشغال الإسرائيليين بهذه المسألة وصرف الأنظار عن قضايا الفساد المتهم بها.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، يقول رئيس حكومة كيان الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت “إنه ليس لدى (إسرائيل) القدرة ولا الوسائل للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإن ما يروِّجُ له المجرم نتنياهو هوَ مِن أجلِ خلق شعور بأنه يوجد تهديد فوري من إيران على “إسرائيل”.

وكما قالت “القناة الـ 13” الإسرائيلية الخميس فَـــ “إنَّ قادة المعارضة الإسرائيلية يدركون جيِّدًا أن لا جدوى من مهاجمة إيران وإن الحديث عن ذلك هو كلام فارغ، فلا أحدَ له مصلحة في فتح جبهة مع إيران”.

والخلاصة -بحسب القناة الإسرائيلية- أن أحد أسباب التردّد الأمريكي الذي أَدَّى إلى إلغاء الهجوم الإسرائيلي على إيران هو (الخشية من الرد الإيراني والدخول بحرب إقليمية).

ختامًا فَــإنَّ الأقربَ -في ضوء ما يجري- أن تستمر حالة “اللاحرب واللاسلم”، في ظل القدرة على ضبط التصعيد. سيكون التفاوض مقتصرًا على الخطر الأكبر من منظور أمريكا وهو صنع سلاح نووي إيراني، وفي المقابل سيكون من حق إيران رفع العقوبات عنها.

المصدر: “المسيرة نت” ومواقع إلكترونية