الخبر وما وراء الخبر

قيادي في الرشاد السلفي في حوار لصدى المسيرة الجارة السعودية هي المشكلة الكبرى لليمن ورفع صور سلمان جاء بطلب سعودي

186

ذمار نيوز –

أجرت صحيفة صدى المسيرة في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي حوارا مع القيادي في حزب الرشاد السلفي وعضو مؤتمر الحوار الوطني الشيخ محمد طاهر أنعم وإليكم نص الحوار :

 

ابنُ محافظة تعز، والقياديُّ في حزب الرشاد، وأحدُ مشايخ التيار السلفي، الشيخ محمد طاهر أنعم، ولكن الأهمَّ من كُلِّ تلك التصنيفات الهامشية هو أن الشيخَ محمد ابن اليمن ويولي بلادَه ومصالحَها اهتمامَه الأولَ، يصرِّحُ بقناعاته الوطنية بكل شجاعة في وقت أخرصت الأموالُ السعودية الكثيرَ، ويحدّد بوصلةَ مشاكل اليمن منذُ عقود طويلة باتجاه الشمال، من حيث تأتي كلُّ الشرور دائماً من جارة السوء.

يلخص هذا الحوار رؤيةً عميقةً وموضوعيةً وصادقةً وثاقبةً لأحداث اليمن، وبما لا يدع مجالاً للشك بأن اليمنيين جميعاً شافعيةً وزيوداً وسلفيين، شماليين وجنوبيين، على قلب رجل واحد في مواجهة عدوان غاشم يستهدف اليمنَ أرضاً وإنساناً.

حوار/ صبري الدرواني

 

 

– نطلب من الأستاذ محمد طاهر أنعم تعريفنا والقراء بنفسه في نبذة صغيرة؟

حياكم الله، أخوكم محمد طاهر أنعم الشرعبي، داعيةٌ إسْـلَاميٌّ وناشطٌ سياسي وإعْـلَامي.

عضو مؤتمر الحوار الوطني سابقاً، في فريق الجيش والأمن، عن حزب الرشاد.

ونائبُ رئيس مجلس شورى الرشاد، وممثِّلُ مدينة تعز في الهيئة العليا للحزب، خلال السنوات الثلاث الماضية.

أحد خطباء ساحة الحُرية بالمدينة إبان ثورة 2011 والسنوات التالية، وخطيب لأحد جوامع تعز خلال السنوات السبع الأَخيرة، وعضو رابطة علماء الـيَـمَـن.

ماجستير في تَأريخ الحضارة الإسْـلَامية، وأُعِـــدُّ لنيل درجة الدكتوراه حالياً.

مناصر لقضايا الوحدة الإسْـلَامية والتقريب بين طوائف ومذاهب الأمة، ومحاربة التعصب والتكفير والإرهاب.

– في ظل استمرار العُـدْوَان السُّـعُـوْدِيّ وإيغاله في سفك الدماء والتي كان آخرها الجريمة البشعة بحق المدنيين في المخاء.. ترى ما الموقف الذي يجب اتخاذه في حال استمر العُـدْوَان بسفك دماء الأبرياء؟

الجارةُ السُّـعُـوْدِيّة هي المشكلة الكبرى للـيَـمَـن منذ عقود طويلة، وكل السياسيين الـيَـمَـنيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم الحزبية والفكرية يعرفون هذا الأمرَ جيداً ويقرون به منذ سنوات في مجالسهم الخَاصَّــة واللقاءات الحزبية المغلقة، ولكن مشكلتهم الدائمة والمتكررة هي الخوف على المصالح، والطمع في المكاسب، فمعظمُهم أصحابُ تجارات ومصالح وأموال، ويرتبطون أحياناً بمصالحَ تجارية ومالية في الداخل السُّـعُـوْدِيّ، ولذلك يقدمون هذه المصالح الشخصية غالباً على المصلحة الوطنية العليا.

ومن أهم أَسْبَـاب استمرار هذا المرَض هو الفترات الطويلة للبقاء على رأس تلك الأحزاب، وعدمُ التغيير والتدوير المُفضي لوصول الشباب المتخلص من المصلحية والنظرة المنفعية الشخصية، وهذا الحالُ البئيسُ في الوضع الحزبي والسياسي الـيَـمَـني أفضى لتغوِّلِ مرض الهيمنة السُّـعُـوْدِيّة، واعتقاد أمراء آل سعود النافذين أَن الـيَـمَـن حديقةٌ خلفية لهم يجب أَن تدورَ في فلكهم السياسي والاقتصادي، ولا يحقُّ لها التحرُّرُ أَوْ النهوض، وإنما عليها أَن تبقى راكعةً منتظرة فُتاتَ المساعدات والهبات السُّـعُـوْدِيّة.

ولذلك لم تتحمل السُّـعُـوْدِيّةُ محاولة الـيَـمَـن الخروجَ عن النص السُّـعُـوْدِيّ، سواءٌ أيام علي صالح في فترة الغزو العراقي للكويت حين كان للحكومة الـيَـمَـنية موقفٌ مغاير للتوجه السُّـعُـوْدِيّ، أدّى لمضايقة المغتربين الـيَـمَـنيين الأبرياء، وقطع فتات المعونات التي كانت السُّـعُـوْدِيّة تدعَمُ بها الميزانية الـيَـمَـنية حينها، ومحاولة إعاقة الوحدة الـيَـمَـنية الناشئة حينها.

أو أيام عبدربه منصور هادي حين أرادَ التحوُّل للدب الروسي، والتعامل معه في قضية استخراج نفط الجوف وما حوله، فزار روسيا وعقد اتفاقيات خارج النص السُّـعُـوْدِيّ في بداية فترة حكمه، وانتشرت إخبارُ وجودِ ثروات مغيَّبة وممنوعة من الاستخراج؛ بسبب الفيتو السُّـعُـوْدِيّ الخفي، فأدى ذلك التوجه لتشويه هادي والضغط عليه وقطع المعونات عنه، فلم يصمُدْ كثيراً.

أو في الفترة الأَخيرة التي حاولت السلطاتُ الـيَـمَـنية الخروجَ من الدوران في الفلك السُّـعُـوْدِيّ، بفتح علاقات إضافية مع محاور أُخْــرَى، فجن جنونُ أصحاب السلطة في المملكة، وخرجوا عن طورهم ليحاولوا استخدامَ كُلّ ما يملكون من سلاح وعلاقات دولية في محاولة إذلال وتركيع الـيَـمَـنيين، وإعادتهم لبيت الطاعة كما يظنون.

وبناءً على توصيف هذه المشكلة فإن المَخرَجَ منها يجب أَن يكون مخرجاً شاملاً مدروساً بعناية، للتخلص من كُلّ مظاهر الهيمنة والسيطرة السُّـعُـوْدِيّة، والاستقواء بالسلاح والعلاقات الدولية، ومنع امتلاك الـيَـمَـن للسلاح الاستراتيجي الذي تدافعُ به عن نفسها من أَي اعتداء.

فتخلُّصُ الـيَـمَـنيين من الهيمنة السُّـعُـوْدِيّة الطويلة ليس أمراً سهلاً، بل هو أقربُ لتخلص بني إسرائيل من سلطة فرعون وهامان وجنودهما من الأقباط المصريين في أيام موسى عليه السلام.

يجب أَن يكون تخلصاً مبنياً على الصبر والإصرار والتماسك الداخلي ووضوح الرؤية، وفوقَ كُلّ ذلك المعونة الإلهية التي تُستمد بأَسْبَـاب الطاعة والعدل وإنصاف المظلوم والأمانة وما إليه.

 

– تعرض بلدنا الـيَـمَـن لعُـدْوَان خارجي باغٍ ليس له أَي مبرر، دمر فيها كُلّ مقومات الحياة المصانع والمستشفيات والطرقات والمؤسسات الحكومية، وفرض على الـيَـمَـنيين حصاراً جائراً جوياً وبرياً وبحرياً.. إلا أننا نرى من يخرُجُ رافعاً صورة الملك السُّـعُـوْدِيّ ويشكره على تدمير الـيَـمَـن وقتل أبنائه.. ما تعليقكم على ذلك؟

رَفْعُ صور الملك السُّـعُـوْدِيّ كان أمراً طريفاً ولافتاً للنظر، فلم تكن للملك سلمان صورٌ متداولة في الـيَـمَـن قبل تلك الحادثة بدايةَ العُـدْوَان السُّـعُـوْدِيّ؛ لأنه لم يمضِ على توليه الملك سوى فترة بسيطة.

ولذلك تم طبعُها على عجل وتوزيعُها بشكل سريع، وذلك بطلب سعودي وشرط حازم منهم مقابل الدعم والتمويل والتدخل، لم تكن رفع صور الملك سلمان في بعض المظاهرات عفوياً أَوْ شعبياً، وإنما لديَّ معلومات مؤكدة وجازمة أَن رفع تلك الصور جاء بطلب سعودي لبعض القوى مقابل التدخل العسكري.

فهي في النهاية تمثيلية سعودية لإظهار وجود التقبل الشعبي لهذا الغزو الأَجنبي العُـدْوَاني.

وللأسف فإن منَ يقبلون برفع صور حاكم الدولة المعتدية على الـيَـمَـن هم غالباً من ابتلي بارتفاع منسوب مرض المناطقية أَوْ الشطرية أَوْ التعصب السياسي والطائفي.

 

– في ظل عدم وجود حل سياسي قريب في الأفق.. ألا يفترض بالمكونات السياسية سد الفراغ السياسي بالذات في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلد؟

في وجهة نظري أَن المكونات السياسية الـيَـمَـنية هي جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل.

السنواتُ الأَخيرةُ في السياسة الـيَـمَـنية جعلت معظمَ المكونات السياسية عبارةً عن تجمُّعاتٍ انتهازية مصلحية، تبحَثُ عن التقاسم والمناصب والحصص الأَكْثَر، وإلا انتقلت للإعاقة، والوقوف مع أَيِّ خصم أَوْ عدو أَوْ مشاكل داخلية وإضرابات وعصيان ليس له أَي هدف وطني.

ولذلك فإن التوقع أَن هذه المكونات السياسية تبحث عن إنْـقَـاذ الوطن أَوْ المشاركة في الخروج من الوضع السلبي الراهن هو توقعٌ مبالغٌ فيه.

أتوقع أَن الغرفَ المغلقة هذه الأيام والتي تحتوي نقاشات طويلة لطلب مشاركة بعض القوى السياسية لا تؤدي إلا لتقديم طلبات مصالح ومواقع وتقاسم حصص مبالغ فيها.

ولذلك فإن المقترح العقلاني اليوم هو إنشاء حكومة تكنوقراط لكفاءات مستقلة أَوْ حزبية تشارك بشكل شخصي وبدون تكليف حزبي، بحيث يكون ولاؤهم للوطن وليس للمكونات والأحزاب السياسية.

– برأيكم ماذا قدمت السُّـعُـوْدِيّة للـيَـمَـن خلال الفترة الماضية؟!

قدمت دعماً لبعض مشايخ القبائل وكبار الضباط والسياسيين والإعْـلَاميين، وكوّنت جيوباً من المرتزقة الذين يُقَدِّسُون الريال السُّـعُـوْدِيّ ومستعدون أَن يبيعوا وَطَنَهم وأرضَهم من أجله.

وقدمت السُّـعُـوْدِيّة قليلاً من المعونات المحدودة والقليلة في المدارس والطرقات والتي لا تناسب شيئاً مقابل علاقات الجوار والقدرة المالية السُّـعُـوْدِيّة.

ميزانية الـيَـمَـن قرابة 15 مليارَ دولار في السنة، المتوافرُ منها حدود 12 ملياراً، والباقي عجز سنوي شبه دائم تضطر الحكوماتُ الـيَـمَـنية دَائماً للاستدانة بسببه من الدول الخارجية والمنظمات الدولية لتغطيته.

بينما ميزانيةُ السُّـعُـوْدِيّة 265 مليارَ دولار تقريباً في السنة، وهي تتجاهَلُ معاناة الميزانية الـيَـمَـنية، وتصر أَن يكونَ دعمُها طوالَ العقود الماضية للمرتزقة، ولمشاريع باسمها عن طريق الصندوق السُّـعُـوْدِيّ للتنمية.

وأظنُّهَا تحرصُ على بقاء عجز الميزانية الـيَـمَـنية لاستمرار تركيع الحكومات الـيَـمَـنية وتحسيسها بالعجز والحاجة الدائمة.

وقدمت لنا السُّـعُـوْدِيّة القاعدة منظمةً وفكراً.

وقدمت لنا مؤخراً هذا الدمار الكبير جداً والذي لم تشهد له الـيَـمَـن مثيلاً، وسيكون سبباً في حالة حروب طويلة وعداء حقيقي وجذري في المنطقة خسر به آل سعود استقرارهم بطريقة غبية لم يحسبوا حسابها أَوْ يدرسوا آثارها المستقبلية.

ونحن لا نريد أَن نجعل الظلم والتخريب الذي تعرضنا له من السُّـعُـوْدِيّة منذ عقود طويلة سبباً في عداء وطني دائم، وإنما ندعو لإنهاء مسببات ذلك الظلم والتخريب والتدخل في شئوننا والتأثير على قرارنا والتحكم باقتصادنا، حتى نعيش كجيران مسلمين تحكمهم العلاقات الحسنة والتعاون الأخوي المتبادل.

 

 

– ادعت الرياض أنها تشن عُـدْوَانها على بلدنا بحجة إعادة هادي وشرعيته.. ما تعليقكم على ذلك؟

هذا عذرٌ للتدخل السُّـعُـوْدِيّ الدائم في الـيَـمَـن لمحاولة إضعافه وإبقائه راكعاً لهم، ولم تعدم السُّـعُـوْدِيّة في كُلّ مرة أعذاراً واهية للتدخل في الـيَـمَـن والتخريب فيه.

ولذلك يجب أَن يتخلصَ الـيَـمَـنيون من هذا البلاء الدائم وإلا فسيستمرون لعقود طويلة شعبا فقيراً ضعيفاً مشرداً في بلاد الغربة يبحث عن حياة الكرامة التي افتقدها في بلاده بسبب الطبقة السياسية الفاسدة التي ارتهنت لمرتبات اللجنة الخَاصَّــة السُّـعُـوْدِيّة.

في 1934 تدخلت السُّـعُـوْدِيّة في الأراضي الـيَـمَـنية واحتلتها في حرب عُـدْوَانية معروفة بمبرر مناصرة الإدريسي ضد الإمام يحيى.

وفي 1962 دعمت السُّـعُـوْدِيّة طرفاً (الملكيين) ضد طرف (الجمهوريين) لسنوات لاستمرار الحرب الأهلية في الـيَـمَـن الشمالي.

وفي السبعينيات دخلت السُّـعُـوْدِيّة في حرب حدودية مع الـيَـمَـن الجنوبي؛ بسبب شرورة والوديعة، ونشرت عن طريق دعاتها دعاوى كفر الـيَـمَـنيين الجنوبيين وأنهم -بإطلاق- شيوعيون كفرة.

وفي 1978 قتلت السُّـعُـوْدِيّة وأدواتها في الـيَـمَـن الرئيس إبراهيم الحمدي في صنعاء بعد محاولته التحرر من الهيمنة السُّـعُـوْدِيّة.

وفي 1990 آذت السُّـعُـوْدِيّة المغتربين الـيَـمَـنيين في أراضيها وقطعت معونات الـيَـمَـن بسبب الموقف من الغزو العراقي للكويت.

وفي 1994 دعمت السُّـعُـوْدِيّة حرب الانفصال وحاولت بكل قوة مالياً وسياسياً أَن تجهض الوحدة الـيَـمَـنية.

واليوم في 2015 تتدخل السُّـعُـوْدِيّة لمحاولة فرض إرادتها في الـيَـمَـن، ومنع توصل الـيَـمَـنيين لحلول تفاوضية تشاركية فيما بينهم.

إذا استمرينا شعباً ذليلاً ضعيفاً قابلاً لتدخل السُّـعُـوْدِيّين في شأننا فلن ننهض أبداً، وسنبقى في دورات عنف متلاحقة لا نهاية لها.