الخبر وما وراء الخبر

مفاوضات طهران – واشنطن.. من تشنج إدارة ترامب إلى البحث عن “الحل الوسط”

3

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
15 أبريل 2025مـ – 17 شوال 1446هـ

في الرابع من شباط / فبراير الماضي، وَقَّعَ ترامب مذكِّرةً تُؤيِّدُ عقوباتِ الضغوط القصوى على إيران. مع تلك العقوبات، تراجع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن سياسته التي كانت تسعى للتفاوض مع أمريكا حول البرنامج النووي.

وأعلن أن إيران “لن ترضخ للضغوط الخارجية”. بعد شهر، رَدَّ بزشكيان على التهديدات الأمريكية، أن “لغة التهديد والإكراه غير مقبولة إطلاقًا… وأن “من غير المقبول أن يأتيَ أحدُهم ويقول: لا تفعل هذا، لا تفعل ذاك، وإلا. لن آتيَ للتفاوض معك. وختم: افعل ما تشاء”.

أمام استعراض العضلات الأمريكي الذي لم يكن شيئًا جديدًا في السلوك الأمريكي مع العالم، وبغض النظر عن السجال القائم ما بين حديث المفاوضات عَمَّا إذَا كانت “مباشرة” و”غير مباشرة، ومدى ارتباط ذلك بضغوط داخلية في أمريكا وإيران. والأهم أن هناك ما تبحث عنه إيران من أية مفاوضات مع أمريكا، لا يتجاوز مبدأ السيادية، وحق إيران الذي يكفله القانون الدولي. ومن البداية يجب أن تدرك واشنطن أن حوارها مع طهران لا ينبغي الاستهتار به، والأخذ في الاعتبار أن طهران ليست مهتمةً بإسكان غضب سيد البيت الأبيض المتهور.

مرحلة جس النبض:

في البدء هناك أسباب لإصرار طهران على مفاوضات غير مباشرة أول الأمر على أقل تقدير. المحاذير الإيرانية من السلوك الأمريكي حاضرة، وهي ليست المرة الأولى التي تتفاوض فيها طهران مع واشنطن. ما تراه إيران أَسَاسي لرفض خوض نقاش “مباشر” مع أمريكا، ما بعد التهديد الذي وجّهه ترامب لها، أَنَّها ترفُضُ الرضوخ للضغوط الخارجية والتفاوض تحت التهديد. ولا تنسى أن هذا الرئيسَ “ترامب” هو نفسُه مَن قامَ بإلغاء الاتّفاق النووي الذي وُقِّعَ مع الرئيس الأمريكي الأسبق “أوباما”. لهذا هناك موقف مسبق من مفاوضات مع “ترامب”، غير متفائل. لقد أشار المرشد الأعلى “على خامنئي” إلى انسحاب الولايات المتحدة غير القانوني من الاتّفاق النووي، قائلًا: “لا ينبغي التفاوض مع حكومة مثل الحكومة الأمريكية. فالتفاوض معها ليس بالأمر الحكيم، ولا بالذكاء، ولا بالشرف”. في وقت لاحق، أضاف الخامنئي في منشور أن “هذا الرئيس الأمريكي نفسه (ترامب) مزَّق الاتّفاق النووي الموقَّع. كيف لنا أن نتفاوَضَ مع الولايات المتحدة ونحن نعلمُ أَنَّها لا تفي بالتزاماتها؟”. هذا من حَيثُ المبدأ.

الحلولُ الوسط:

من جانب آخر، ستكونُ إيران مستعدةً للتفاوض في حدود ونطاق محدّد يعترفُ بحقها في برنامج نووي سلمي، حصول واشنطن على ضمانات تشمل آليةَ رقابة على المنشآت النووية، مقابلَ تخفيفِ العقوبات وفتح بابِ عودة علاقات إيران مع الغرب. وهذا في الواقع مناسِبٌ لواشنطن بالنظر إلى معطيات الواقع والظروف التي تواجهُها اليومَ رغم تصاعُدِ لهجة التهديد التي تطلقُها إدارةُ ترامب من وقت لآخر، وهي شبيهةٌ بالمناسبة بتصعيد أمريكا مع كوريا الشمالية من قبلُ، والتي انتهت بلقاء جمع رئيس ترامب بالزعيم الكوري الشمالي. وتكراره بداية إبريل 2025م، أن لديه “علاقةً جيدةً جِـدًّا” مع الزعيم الكوري، كيم جونغ أون.

حسابات ترامب وتعقيدات ملفاته:

رغم التهويل الإسرائيلي من مستوى الخطر الذي يرافق برنامج إيران النووي، والتأجيج الذي يمارسه صقور البيت الأبيض، لمحاولة إقناع ترامب لتوجيه ضربة أمريكية إسرائيلية مشتركة أَو منفردة لمنشآت إيران النووية، إلا أن ترامب يدرك أن ما ستقود إليه مواجهة إيران لا يتناسب وسياساته القائمة وأولويات إدارته، رغم أنه يعتمد لغة ولهجة عنيفة وأكثر حدة مع طهران، وهي لهجة أصبحت توجُّـهًا لكل الدول ذات التركيز الأمريكي في هذه المرحلة، فقد استخدمها مع كندا وغرينلاند وبنما،…!

إلى جانب هذا يدرك ترامب أن روسيا والصين لن تقفا مكتوفتَي اليدين مع أي تحَرّك ضد طهران؛ فالتوجّـه الأمريكي لاستهداف إيران يعني استهداف عملية التغيير التي تتصدرها الصين ومعها روسيا في كسر شوكة الهيمنة الأمريكية. فأي تهور قد يقود إلى مخاطرة كبيرة وحمق؛ إذ تفترض سياسة ترامب مواجهة الداخل الأمريكي، الذي يشكل الأهميّة الأكبر والأولوية، حَيثُ مساعيه الحثيثة لإضعاف الدولة العميقة والتي ينظر إليها مع اليمين الأمريكي المتطرِّف أَنَّها من تمثِّلُ الخطرَ الأكبر، واعتبارها مصاصَ دماء وثروة الشعب الأمريكي، وهي ذاتها من تخوض معه اليوم مواجهات علنية باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الأفراد،… وتنظر إليه على أنه الخطر الذي يتهدّد المشروعَ “المعولمَ” ذا الصِّبْغة والجينات اليهودية الخالصة؛ إلى جانب هذا يتوجس ترامب من النشاط والتحَرّك الصيني المفرط، فـ”بكين” تكاد أن تعتليَ عرشَ العالم بينما تكون أمريكا مشغولةً بصراعاتٍ متعددة المسارات.

يمكن إدراك جزء من علاقة أوراسيا المناهضة للمشروع الأمريكي في تحَرّكات ذروة التصعيد الأمريكي ضد إيران. عندما زادت حدة الأزمة بين طهران وواشنطن، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران. واجتمع وزراء خارجية إيران، وروسيا، والصين، في 14 مارس/ آذار 2025، في بكين؛ لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والتطورات الجارية.، حَيثُ ترتبط إيران باتّفاقيات تعاون استراتيجي منفصلة مع كُـلٍّ من روسيا، والصين. وهي مهمة للأطراف جميعها، حَيثُ تشترك جميعها أَنَّها تواجه خطرًا كبيرًا واستراتيجيًّا، ولا بد من مواجهته.

في واقعِ مواجهاتِ أمريكا مع الصين سياسيًّا واقتصاديًّا، وحرب استنزاف روسيا في أوكرانيا، فَــإنَّ أيَّ عدوان على إيران لا يمكنُ أن يُفهَمَ إلا أَنَّه جزء من حرب احتواء واستنزاف تخوضها أمريكا، حَيثُ تمثل إيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا محورًا للشر، ومثل هذا العدوان سيؤسِّسُ لشرقٍ أوسطَ جديدٍ، في وجود المنافس والعدوّ الاسيوي للصين والمتمثل بالهند. فالصراع، الذي يمكن أن يصل إلى إيران، سيهدّد مصالح الصين وروسيا بالتأكيد، ولا يمكن مقارنة مصالح هذه الدول الكبيرة في الإقليم في حال تم استهداف جزء من محور الصين العالمي الجديد، فهي ستخسر الكثير.

نووي إيران ورقابة أمريكا:

وفقًا لتقييم التهديدات السنوي الأمريكي لعام 2025، الذي نُشر مؤخّرًا، يشير التقييم إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية “لا تزال تُقيِّمُ أن إيران لا تُصنّع سلاحًا نوويًّا، وأن المرشد خامنئي لم يُعِد تفويض برنامج الأسلحة النووية الذي علَّقه عام 2003″، هذا يمنح بعضًا من الطمأنينة لأمريكا، من أن طهران لن تذهب بعيدًا نحو خيار التوظيف النووي عسكريًّا، وإن كان الاستنتاج من أن مستويات التخصيب الإيراني لليورانيوم التي تفوق النسب المحدّدة بكثير، تدعو للقلق من أن هذا البلد بمقدوره صنع سلاح نووي في بضعة أشهر.

ويتكرّر موقف إيران بصفتها دولةً موقَّعةً على معاهدة حظر الانتشار النووي، أن من حقها توظيف برنامج مدني يستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهو ما لن تتنازل عنه إطلاقًا، وقد ألمحت أَنَّها كما تستعد للمفاوضات، تستعد كذلك لخيار المواجهة مع أمريكا و(إسرائيل)؛ وشروع واشنطن في مفاوضات مع طهران العنيدة يعني أن في ذهنية ترامب شيئًا غيرَ ما تتناقله وسائل الإعلام على عجل؛ فالهدفُ هالةٌ من التصعيد وزخم الحشد ضد إيران، ورغم أن هذه ليست المرة الأولى لكنها مفيدةٌ لترامب في الداخل الأمريكي.

هناك “حلول وسط”:

أمام ذلك، وعلى عكسِ مسرحيةِ استعراضِ العضلات الأمريكية ما قبل المفاوضات مع إيران، هناك اليوم حديثٌ عن إمْكَانات اتّفاق، يتزامن ذلك مع استعدادهما لجولة ثانية من المفاوضات الحاسمة مطلع الأسبوع المقبل؛ فوزير الخارجية الإيراني عباس عرافجي، الذي يقود وفد المفاوضات، أشار في تصريح له لوسائل الإعلام الإيرانية عن إمْكَانية عودة بلاده إلى خفض إنتاجها من اليورانيوم إلى المعدل الطبيعي مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية. وتطرق إلى أن بلاده تسعى لاتّفاق سريع مع أمريكا بعيدًا عن المفاوضات المطوَّلة.

في المقابل فَــإنَّ ما نقلته وسائل إعلام أمريكية عن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يمكن اعتباره تراجعًا عن اللغة المتشنجة التي سبقت مفاوضات السبت، وقوله: إن مطالبة بلاده بتفكيك البرنامج النووي الإيراني لا يعني أَنَّه لا يوجدُ “حل وسط”، والإشارة إلى إمْكَانية الاتّفاق على خفض الإنتاج من اليورانيوم مقابل امتيَازات جديدة، حَيثُ يظهر امتعاض ترامب أن الدول الأُورُوبية التي وقَّعت إلى جانب إدارة أوباما على اتّفاق النووي 2018، كانت قد استحوذت على امتيَازات استثمارات في قطاعات عدة شملها الاتّفاق، وعلى حساب المصالح الأمريكي؛ ولذا يجب استعادتها. ورغم أن المفاوضات كانت غير مباشرة، إلا أَنَّها انتهت بلقاء جمع الوفد الإيراني بالأمريكي.

هذه الصيغة ما بعد أول طاولة مفاوضات، تحيل الصيغة التي تكرّرت من قبل حول تجريد إيران من حقها النووي، إلى زاوية المشهد.، حَيثُ كان التلويح -حسب مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، عبر قناة “سي بي إس”- أن الولايات المتحدة تطالب “بنزع السلاح الكامل”. وأن على إيران “التخلي عن برنامجها” و”التوقف عن تخصيب اليورانيوم حتى للأغراض المدنية. وبالجملة: “التخلي عن البرنامج بالكامل، وإلا ستكون هناك عواقب”!.

كُـلّ ذلك بعد مرحلة جس النبض الأولى سيكون أدَاةً للضغط لا هدفًا محتملًا، على الأقل في المرحلة الحالية التي لا يراها “ترامب” مناسبةً لخوض صراع مرهق ومشتِّت لقدراته وأولوياته.

في ظل هذه الصورة الجديدة لمفاوضات السبت، يمكن القول: إن الخطوطَ العريضة للتفاوض، قد جرى الترتيب لها، لكن دون أن تتوسَّع المفاوضات في المرحلة الراهنة إلى حديث آخر؛ فإيران -وهذا ما لمسه الأمريكيون- غير مستعدة للحديث بتفاصيل عن منظومات صواريخها وطيرانها المسيَّر، وعلاقاتها في المنطقة، فهذه أمور تعتبرها إيران خطوطًا حمراءَ لا يمكن تجاوزها، أيًّا كان نوعُ المفاوضات، وأيًّا كانت الضغوطات، إلا أن تربط بعض المِلفات بتغييرات وتوجّـهات تشمل المنطقةَ والإقليم ككل، لا أن يكونَ التفاوضُ بصورة انتقائية، كما تفعلُ واشنطن اليوم.