ذمــار نـيـوز || تقارير ||
12 أبريل 2025مـ 14 شوال 1446هـ
تقرير || عبدالقوي السباعي
في منعطفٍ ساسي ودبلوماسي جديد، فتحت نافذة مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، اليوم السبت في العاصمة العُمانية مسقط، تحت عنوان رئيس؛ “البرنامج النووي الإيراني”.
وبينما تضع واشنطن “تفكيك المشروع النووي” كشرطٍ أولي، تصرّ طهران على مسارٍ تفاوضي محدود لا يشمل برنامجها النووي المدني ولا حتى صواريخها الباليستية ولا دعمها للمقاومة الفلسطينية.
هذا اللقاء، رغم أنه الأول منذ سنوات من الشحن المتبادل، يكشف عن صراعٍ أعمق من مجرد قضية نووية، ويعكس تحولات جيوسياسية في حسابات القوة والأولويات في المنطقة.
المفاوضات.. مسار أم مناورة؟
طهران، التي أعلنت على لسان “علي شمخاني” مستشار قائد الثورة الاسلامية في إيران منح “فرصة حقيقية” للمحادثات، وأرسلت كبير مفاوضيها وزير خارجيتها “عباس عراقجي” بكامل الصلاحيات، ما يؤكد جدية الموقف الإيراني في اختبار نوايا الطرف الأمريكي.
في المقابل، تضع واشنطن سقفًا تفاوضيًا مرتفعًا يتمثل بتفكيك المشروع النووي بالكامل، وفقًا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن “ويتكوف”، أحد أبرز الأصوات الأمريكية في هذا الملف.
لكن خلف هذا الطرح الحاد، ثمة مؤشراتٍ على مرونةٍ تكتيكية، فالحديث عن بناء الثقة، و”عدم البحث في الشروط الدقيقة”، يوحي بأن الجولة الأولى ليست للحسم؛ بل لجسّ النبض، وخلق أرضية تفاوضية قابلة للتطور.
وعلى الرغم من تطمينات واشنطن لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بأن الاتفاق لن يكون تكرارًا لاتفاق 2015م، وأن “تل أبيب” ستكون في “قلب” المفاوضات، إلا أن الحذر الإسرائيلي واضح.
صحيفة “معاريف” نقلت عن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن أن “إسرائيل تنظر بعين القلق والانزعاج” تجاه ما يجري، والسبب أن المؤسسة الأمنية في “تل أبيب” لم تعد تثق بالوعود الأمريكية، خاصة في ظل إدارةٍ توصف بـ “الفوضوية وغير المتوقعة”.
وبحسب مراقبين فالخشية الإسرائيلية مزدوجة، من اتفاقٍ يرفع الضغوط عن طهران، ومن فشل المفاوضات الذي قد يقود إلى صدامٍ عسكري شامل، لذلك، تستعد المؤسسة العسكرية لاحتمال شن هجوم بمشاركةٍ أمريكية أو من دونها، كما تستعد لهجومٍ إيراني عنيف محتمل.
الخطاب الإيراني.. صلابة تفاوضية ومرونة محسوبة
إيران تدرك تمامًا أن المفاوضات اليوم تجري في ظل ميزان قوى مختلف، والهجوم الإعلامي والسياسي الأمريكي القائم منذ وصول “ترامب” إلى رأس الهرم في البيت الأبيض؛ لا يعكس بالضرورة تفوقًا ميدانيًّا، بل محاولة للضغط الاستباقي.
ولهذا، فإن الخطاب الإيراني مزيج من الثقة والتكتيك، إذ “لا ممانعة من الاستثمار الأمريكي”، “مفاوضات غير مباشرة بسبب انعدام الثقة”، و”إذا دخلت واشنطن بصدق فسيكون الطريق واضحًا”، كلها عبارات تكشف عن فهم عميق لعقلية “ترامب” التفاوضية التجارية في آنٍ واحد، وتعرض له مغريات مدروسة.
بالنسبة لترامب، أي اتفاق محتمل سيكون ورقة دعائية داخلية، وسياسية خارجية، لذلك وبحسب مراقبين، فإن اللهجة النارية تجاه طهران لا تنفي الرغبة في الوصول لاتفاق “أفضل من اتفاق أوباما”، يحقق رقابة صارمة، ويمنع طهران من تطوير سلاح نووي، دون الدخول في حروب كبرى.
من هنا نفهم لماذا هدأ “ترامب” من نبرته أمام مجرم الحرب “نتنياهو”، قائلاً له ضمنيًا: “دع الأمر لي”.
السياق الإقليمي قائم، وصراع الإرادات لا يزال مستعرًا والمفاوضات الحالية لا تعني انتهاء المواجهة وكلها تؤكد أن هذه المفاوضات لن تفضي لاتفاقٍ شاملٍ قريبًا؛ بل هي جزء من لعبة معقدة من كسب الوقت، وفرض الوقائع، وبناء أوراق الضغط، وبداية مسار محفوف بالتعقيد.
مفاوضات مسقط قد تكون بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ من التفاوض أو مقدمةٍ لتصعيدٍ أكبر، والنيات الحقيقية للطرفين ستتضح في مدى الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية.
غير أن المراقبين يُجمعون على أن هذه الجولة ليست سوى بداية لمسارٍ طويل، محفوف بالاحتمالات، ومرتبط بتوازنات إقليمية ودولية دقيقة، قد تتبدل بين جلسةٍ وأخرى.