التفاوض الإيراني – الأمريكي غير المباشر.. طهران لن يمنحَ ترامب حصدَ ثمار الصورة
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
8 أبريل 2025مـ – 10 شوال 1446هـ
تقريــر || عبدالقوي السباعي
بعد سنواتٍ من الانقطاع، يجتمعُ وفدا “إيران وأمريكا” في العاصمة العُمانية مسقط، السبت القادم؛ لإجراء محادثات غير مباشرة، في مسارٍ تفاوضي يعكسُ موقعًا متقدمًا لدبلوماسية طهران، ودليل عجزٍ أمريكي في كيفية التعامل معها.
وفي التفاصيل، يكشف الرئيس الأمريكي “ترامب” خلال استقباله مجرم الحرب “نتنياهو” في البيت الأبيض، عن محادثاتٍ مباشرة وغير مباشرة مع إيران، مؤكّـدًا أنه يتفادى التصادمَ معها، في لهجةٍ غير تهديدية أَو تصادمية كما هو معهودٍ منه.
اللقاءُ الوشيكُ في مسقط، أفرد الكثير من القراءات المتباينة؛ لذا وفي هذا التقرير نقدم تفاصيل المشهد وتداعياته، وفقًا للمعطيات، التي تؤكّـد أن “طهران” لن تمنح “ترامب” حصد ثمار الصورة.
اللقاءُ المرتقَبُ في “البروباغندا” الصهيونية:
في خطوةٍ استباقيةٍ، يأتي تصريحُ “ترامب” المفاجئ، لدى استقباله رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني، “نتنياهو”، القائل: إن “اجتماعًا مهمًّا سيُعقد يوم السبت المقبل، على أعلى مستوى”، وأن نجاحَ هذه المفاوضات سيكون إيجابيًّا لإيران وإلا فستكون في “خطر كبير”، حَــدَّ زعمه.
وأكّـد أنه “لا واشنطن ولا الكيان الصهيوني يرغبان في المشاركة في أي صدام ما دام تجنبه ممكنًا”، ولم يحدّد “ترامب” مكانَ إجراء المحادثات، لكنه أكّـد أنها لن تكونَ عبر وكلاءَ، بل على “أعلى مستوى تقريبًا”.
ونقلت صحيفةُ “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إيرانيين قولهم: إن “إيرانَ منفتحةٌ على تفاوض مباشر مع واشنطن إذَا سارت المفاوضات غير المباشرة بشكلٍ جيد”، موضحةً أن طهران “تفهم المحادثاتِ بشكلٍ مختلف -إلى حَــدِّ ما- عما وصفه ترامب”.
في غضون ذلك، سارع الذُّبابُ الإلكتروني والإعلامُ المموَّل خليجيًّا، إلى تقزيم قراءاتهم وشيطنة إيران في تحليلاتهم، وانحصروا بين نقطتَينِ؛ لإقناع جمهورهم بأن، إيران إما “ضعيفة وذهبت صاغرة”، وإما أنها “تبيع وتشتري” بالمنطقة وبحلفائها وقواها في المحور.
وفي سياق التوصيف الأعرابي، وبحسب مراقبين، فَــإنَّ هذه “البروباغندا” هي نفسُها تمامًا والتي أقنعت جمهورَهم، بأن خرابَ “قادسية صدام” كانت حربًا مشرِّفة، وأن تحريرَ أفغانستان من “الكفارِ السوفييت” أجدى من تحرير القدس أولًا، وغيرها من التوصيفات التي أَدَّت بانحراف بوصلة الأُمَّــة عن وجهتها الحقيقية.
شكلُ المفاوضات ليس هو الأهم:
وفي الإطار؛ كان من الملفت أن “ترامب” يسعى لتفادي أي صدام، وهو ما يعني بأنه يأخذ بعين الاعتبار “هواجس تل أبيب” في التفاوض، لكنه لن يقبل بأية خطوة غير دبلوماسية يمكن أن تُقْدِمَ عليها “تل أبيب”، منفردة، وبالتالي فأيُّ عمل إسرائيلي مستقبلًا، لن يكون إلا بتنسيق مع واشنطن.
وحول اللقاء المرتقَب، أكّـد وزيرُ الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”، أن المفاوضات ستجري يوم السبت، في عمان، وستكون غير مباشرة، مؤكّـدًا: “نحن لا نقبلُ أية طريقة أُخرى للمفاوضات”.
وبحسب “عراقجي” فَــإنَّ “شكلَ المفاوضات ليس هو الأهم. ما يهم هو فعالية المفاوضات أَو عدمها، وجدية الأطراف في المفاوضات، والإرادَة للوصول إلى حَـلٍّ، هذا هو المعيارُ الذي نعتمده. الشكل يعتمدُ على مسائل متعددة. الشكل الذي نفضله هو المفاوضات غير المباشرة”.
وبحسب مراقبين، فَــإنَّ المفاوضاتِ التي تسعى الإدارةُ الأمريكيةُ فيها إلى فرض إرادتها من خلال الضغط والتهديد، هي ليست مفاوضات، بل هي فرضُ شروط، وهو ما تعتبره إيران أنها “لا نؤمن بهذه الطريقة إطلاقًا”.
من سيحصُدُ ثمار الصورة؟
وفي هذا السياق، يرى خُبراءُ أنه إذَا ما كانت هناك إرادَةٌ حقيقيةٌ من الأطراف الأُخرى، ونجحت المفاوضاتُ في بناء الثقة؛ فمن الطبيعي أن يتم رفع العقوبات التي فُرضت على إيران ظلمًا؛ بسَببِ اتّهامات باطلة، وهو الهدف الرئيس للمفاوضات المتضمن رفع هذه العقوبات.
ويعتقد الخبراءُ أن هذا الهدفَ قابلٌ للتحقيق، سواءٌ أكانت المفاوضات مباشرة أَو غير مباشرة، لكن في الوقت الراهن، تُفضَّلُ المفاوضات غير المباشرة؛ إذ لا يوجدُ اتّفاق لتحويلها إلى مباشرة؛ لأَنَّ كلا الطرفين لا يعتبران ذلك مفيدًا لأغراضِ المفاوضات الحالية.
وهو الأمر الذي اعتقده “عراقجي”، أنه “يمكن الوصولُ إلى اتّفاق، وبالتالي الكرة في ملعبِ الولايات المتحدة. إذَا جاءوا إلى عُمان بإرادَة حقيقية، فَــإنَّنا سنصلُ بالتأكيد إلى نتيجة”، وبحسب مراقبين، يفهمُ من هذا التصريح أن طهران لن تمنح “ترامب” حصدَ ثمار صورة نصر، وهي لم تنفِ تفاوُضَها عاليَّ المستوى، بل أكّـدته، لكنه سيكون غير مباشر، على غير ما صرح “ترامب”.
ولعل الخطوطَ الحُمْرَ الإيرانية باتت معروفةً، وحصرية المِلفات واضحة، وإن كانت النتائج إيجابية، ستنعكس إيجابًا عليها داخليًّا وعلى المنطقة، غير أن التفاوض -وبحسب المراقبين- مسارُه طويل، ولا يمكن ترقُّبُ نتائجَ سريعة، كما يطمح “ترامب” أَو غيره.
ويرى مراقبون أن كُـلّ الأطراف معنية بتقديم تنازلات، لكن ليس على حساب الثوابت، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن “طهران” معتدىً عليها وليست معتدية، وهي دولة مؤسّسات، ذاتُ قرار سيادي، وعندما تقرّرُ التفاوض، لا تتخذ قرارَها تحت ضغط، بل عن دراسة.
جوهرُ الجولة المرتقَبة:
وفي تحليلٍ أولي لجوهر الجولة المرتقَبة وثمارها، يمكن أن تقرأَ من خلال أن “طهران” اليومَ تحاكي الوقائع، والسعي الأمريكي للتفاوض معها ليس وليد اللحظة، أَو مرتبط بعودة “ترامب”، بل يعود لعقود من الزمن.
وكون العقلية الإيرانية فاوضت سابقًا، وتفهّم العقل الأمريكي جيِّدًا، ومآربه، وتقرأ كُـلّ مرحلةٍ بدقة، يبدو أن قرار التفاوض، مباشر أم غير مباشر، أخذ في مرحلةٍ حساسة، بعد الرد على رسائل التهديد بالتهديد، ونجحت “طهران”، بجر “واشنطن” نحو تفاوض دون شروط، وهنا جوهر الجولة المرتقبة، والتي تتكشف خلفياتها السبت، القادم.
وللتذكير، أجرت إيران وأمريكا محادثاتٍ غيرَ مباشرة خلال فترة الرئيس السابق “جو بايدن”، لكنها لم تحرز تقدمًا، وكانت آخر مفاوضات مباشرة بين الجانبَينِ في عهد الرئيس الأسبق “أوباما”، في عام 2015م، وهو الاتّفاق الذي انسحب منه “ترامب” لاحقًا.