تضليلات وتهديدات ترامب لا تُزعزِعُ الإجماعَ الواسعَ على الإخفاق الأمريكي في اليمن
ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
6 أبريل 2025مـ – 8 شوال 1446هـ
على الرغم من المحاولاتِ الدعائية المكثّـفة من جانبِ إدارةِ ترامب للترويجِ لنجاح العدوان على اليمن، فَــإنَّ ذلك لم يزعزع الإجماع الواسع والمُستمرّ منذ البداية على أن الحملة الأمريكية لا أُفُقَ لها.
ذلك أن هذا الإجماع يستند إلى حقائقَ ثابتةٍ وواقعٍ لا يبدو أن حاملة الطائرات والسفن الحربية التي تتعرض لمطاردة مُستمرّة بالصواريخ والمسيّرات أَو حتى القاذفات الشبحية التي تستهدف المدنيين، قادرةٌ على تغييره.
بعد يوم من نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقطع فيديو لاستهداف تجمع مدني في زيارة عيدية، زاعمًا أنه تجمع لقيادات عسكرية يمنية كانت تخطط لهجوم بحري، نشرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية تقريرًا، أكّـدت فيه فشل حملة القصف الأمريكية في استهداف القيادات والقدرات العسكرية اليمنية، مشيرة إلى أن “التهديد لا يزال قائمًا” بالنظر إلى واقع “إطلاق عشرات الصواريخ البالستية على (إسرائيل) ودفعات من الطائرات المسيَّرة والصواريخ على سفن البحرية الأمريكية منذ منتصف مارس الماضي”.
هذا التصادم بين الدعاية التي يروِّجُ لها البيت الأبيض، وبين التقييمات الموضوعية المستندة إلى الواقع، يكشف عن أزمة كبيرة تواجهها الإدارة الجديدة فيما يتعلق بالتعامل مع اليمن، حَيثُ لا يبدو أن التهديداتِ والتضليلاتِ الإعلاميةَ قادرةٌ لوحدها على تقويضِ واقعِ الفشل الذي يترسَّخُ مع كُـلِّ عملية عسكرية جديدة تنفذها القوات المسلحة اليمنية، وتصدق عليه اعترافاتٌ مُستمرّة باستنزاف الموارد الأمريكية و”محدودية” فعالية الغارات الجوية، والعمى الاستخباراتي الكامل.
وفي هذا السياق أَيْـضًا أشَارَت شبكة “سي إن إن” إلى أنه على عكس ما روَّجته الإدارةُ الأمريكيةُ فَــإنَّ اليمنيين “لم يتم تخويفُهم، بل هدّدوا بتوسيع نطاق أهدافهم” لافتة إلى أن “التأريخ يظهر أنهم يتمتعون بقدرة فائقة على تحمُّل الألم”.
وأضافت: “لقد نجوا من عدة هجمات خلال فترة رئاسة علي عبد الله صالح الطويلة في اليمن، ثم هجوم سعوديّ طال عشر سنوات، تلاه غارات جوية إسرائيلية وبريطانية وأمريكية في الآونة الأخيرة”.
ونقلت الشبكة عن مايكل نايتس -الباحث البارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى-، قوله: إن اليمنيين “معتادون على الحرب ضد جيش من العالم الأول” مضيفا: “إنهم عقائديون، ومقاتلون قبليون أقوياء للغاية”.
وأكّـد نايتس أن “ما تتحدثُ عنه إدارةُ ترامب حول إجبار صنعاء على الاستسلام هو “أمرٌ صعبٌ للغاية” حسب تعبيره.
كما نقلت “سي إن إن” عن كبيرِ المحللين في شؤون اليمن بمجموعة الأزمات الدولية، ناجي أحمد، قولَه: إنَّ “(إسرائيل) والقوى الغربية تفتقر إلى فَهْمٍ عميق لليمن” مُضيفًا أن: “قيادتَهم الغامضةَ وبنيتَهم الداخليةَ خلقتا فجواتٍ استخباراتيةً مُستمرّة”.
وتابعَ: “إن الولايات المتحدة مخطِئةٌ في اعتقادها أن الغارات الجوية قادرة على إجبارهم على التراجع.. لقد فشل هذا النهج في عهد إدارة بايدن، ومن غير المرجَّحِ أن ينجَحَ في عهد إدارة ترامب”.
وقالت الباحثة إليزابيث كيندال، المستعرِبة والأكاديمية والمعلّقة البريطانية: “لقد قُصِفَ اليمنيون عشراتِ الآلاف من المرات على مدارِ العقدِ الماضي، وما يزالون صامدين؛ لذا، يُترك المرء ليُفكِّرَ أن القصفَ مُجَـرَّدُ استعراض” وفقًا للتقرير.
وفي داخل كيان العدوّ لا تختلفُ النظرةُ تجاه فعالية العدوان الأمريكي على اليمن، حَيثُ تسببت الضربات الصاروخية المكثّـفة التي وجّهتها القوات المسلحة على عُمق الكيان الصهيوني مؤخّرًا بقتلِ كُـلّ الآمال التي كانت معلَّقَةً على إدارة ترامب؛ ما جعل الصهاينةَ يشاركون في الإجماعِ على الفشل الأمريكي.
وقد اعتبرت صحيفةُ “جيروزاليم بوست” التابعة للعدو، اليوم الأحد، أن سلوكَ القوات المسلحة اليمنية يُشيرُ إلى أنها لم “تُردَعْ” بعدَ استئنافِ الضربات الجوية الأمريكية على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية.
وقال معهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” نهاية الأسبوع الفائت: إن ما تقوم به إدارة ترامب “لا يكفي” وإن هدف إجبار القوات المسلحة اليمنية على وقف عملياتها المساندة لغزة “لا يزال بعيدًا عن التحقّق”.
ولا يقتصر الإجماع الواسع الذي تعجز إدارة ترامب عن تقويضه، على تأكيد فشل العدوان الجديد فحسب، بل إن هذا الإجماعَ يُسقِطُ الأَسَاسَ الدِّعائي الأبرزَ الذي اعتمدت عليه الإدارةُ الجديدة في تسويقِ حملتها، والذي يتمثل في ادِّعاء “اتِّباع سياسة مختلفة وأكثرَ حسمًا” من تلك التي اتَّبعتها الإدارةُ السابقة في التعامل مع اليمن.
وفي هذا السياق، قال تقريرٌ نشرته وكالة “بلومبرغ” مساءَ أمس السبت، عن أنيل شيلين، الباحثة في معهد كوينسي الأمريكي، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية خلال إدارة بايدن، قولها: “السؤال الذي كنتُ أطرحُه، ويطرحه آخرون، هو، لماذا تتوقع إدارةُ ترامب أن يكونَ لهذا القصف تأثيرٌ أكبرُ من سبع سنوات من القصفِ السعوديّ والإماراتي المتطرِّف، بالإضافة إلى الغزو البري؟”.
ونقلت الوكالة عن فريدريك ويهري، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة “كارنيغي” للسلام الدولي والضابط المخضرم في القوات الجوية، قوله: إن “الاعتماد على الضربات الجوية يُظهِرُ أن ترامب يتَّبعُ نفسَ النهجِ الأَسَاسي الذي اتَّبعه بايدن” مضيفًا: “هذه إدارة تولَّت السلطة ووعدت بإنهاء الحروب الدائمة. والآن، تجد الإدارة نفسها تسيرُ على نفسِ نهج إدارة بايدن”.
كما نقلت “بلومبرغ” عن بن فريدمان، مديرِ السياسات في مؤسّسة “أولويات الدفاع” البحثية الأمريكية، قوله: إن إدارة ترامب “تخلُطُ بين العُنف والنجاح” مضيفًا: “إنها تتحدَّثُ عن قصفِ المباني وانهيارها، كما لو كان ذلك انتصارًا، لكن التأثير التكتيكي ليس له أي معنى”.
وفي ظل هذه المعطيات فحتى مسألةُ “التدخُّلِ البري” التي يقدِّمُها البعضُ كـ حَلٍّ وحيدٍ أمامَ الولايات المتحدة لتغيير واقع فشلِ عدوانها على اليمن، لا تبدو أكثرَ من حلمٍ تتمسَّكُ به بعضُ الأطراف المرتبطة بالولايات المتحدة، على أمل أن يستطيعَ الأمريكيون بمعجزة ما تحقيقَ ما عجزت هي عن تحقيقِه خلال السنوات الماضية، وعلى رأسِ تلك الأطراف السعوديّةُ والإماراتُ والمرتزِقة.
وقد نقل تقرير “سي إن إن” عما وصفه بمصادرَ دبلوماسية إقليمية قولها: إنَّ “هناك استعداداتٍ جاريةً لشَنِّ عمليةٍ بريةٍ من الجنوب والشرق، وعلى طول الساحل، وقد يشمَلُ الهجومُ المنسَّقُ أَيْـضًا دعمًا بحريًّا سعوديًّا وأمريكيًّا، في محاولةِ لاستعادة ميناء الحديدة” لكن التقرير اعتبر أنه “من غير الواضح ما إذَا كانت مثلُ هذه العملية قابلةً للتنفيذ” أصلًا، في ظِلِّ “تخوُّفِ” السعوديّة بالذات من رد فعل القوات المسلحة اليمنية.
والحقيقةُ أن القيادةَ اليمنيةَ قد سحبت حَتَّى بساطَ التهديد بهذا الخيار من تحت أقدام الأمريكيين وشركائهم بشكلٍ مسبَقٍ، من خلال التحذيراتِ الواضحةِ للدولِ العربيةِ والأنظمةِ المجاورةِ من التورُّطِ في دعم العدوان الأمريكي، وكذلك الاستعداد المسبق لكل السيناريوهات، بما في ذلك سيناريو العمليات البرية الذي لن تنتهيَ فيه المشاكلُ العملياتية التي تواجِهُها واشنطن، كما يتم الترويجُ له من قِبَلِ إعلام بعض الأنظمة، بل سيُضِيفُ إليها مشاكلَ أُخرى أكبرَ وأوسعَ نطاقًا وتأثيرًا.